الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الأنعام ٤٢] ما أكثر ما يرد في القرآن الكريم مثل هذا التعبير، (لقد) قال أهل العلم: واللام موطئة للقسم؛ يعني: أنها تمهد للقسم، فيكون قبلها قسم مقدر، واللام موطئة للقسم مؤكدة له، و(قد) مؤكدة أيضًا، فيكون في هذا مؤكدات ثلاثة.
﴿أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يعني: أرسلنا رسلًا إلى أمم من قبلك، ﴿أُمَمٍ﴾ جمع (أمة)، والأمة في القرآن الكريم ترد على معانٍ متعددة؛ ترد بمعنى الإمام، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ﴾ [النحل ١٢٠] أي إمامًا، وترد بمعنى الوقت، مثل قول الله تعالى: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥] أي: بعد زمن، وترد بمعنى الطائفة كما هنا؛ أي: طائفة وشَعْب، وما أشبه ذلك.
هل ترد بغير هذا؟ ترد بمعنى رابع ولكني نسيته وهو الدين، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف ٢٢]؛ أي: على ملة، فلها في القرآن الكريم أربعة معانٍ.
وقوله: ﴿إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يعني: كل الأمم التي أرسلت إليها الرسل كلهم قبل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه خاتمهم.
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ﴾ (الفاء) هذه عاطفة، وهل هي عاطفة على إرسال الرسل، بمعنى أن الرسل أرسلوا ليؤخذ هؤلاء بالبأساء والضراء؟ لا، لكن في الآية حذفًا تقديره: فكذبوا، أو كفروا، أو ما أشبه ذلك، وهذا يسمى إيجاز حذف؛ لأن الإيجاز عند البلاغيين نوعان: إيجاز قصر وهو أن تكون الكلمات القليلة تحمل معاني كثيرة، وإيجاز حذف وهو أن يكون في الكلام القليل شيء محذوف يدل عليه السياق، فهنا لا شك أن في هذا الكلام شيئًا محذوفًا، والتقدير: فكذبوا.
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ البأساء يعني: الشدة، والضراء: التضرر، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ (لعل) هنا للتعليل؛ أي: لأجل أن يتضرعوا إلى الله عز وجل، ولكن هل حصل هذا؟
يقول الله عز وجل: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ [الأنعام ٤٣] أي: عذابنا، ﴿تَضَرَّعُوا﴾ (لولا) هنا بمعنى (هلَّا)؛ يعني: فهلَّا إذ جاءهم البأس تضرعوا، الجواب: لا؛ ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: صلبت ولم تَلِن وبقوا على ما هم عليه، ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (زيَّن) بمعنى (حسَّن)، حسَّن لهم ما كانوا يعملون؛ يعني: من المعاصي والكفر والشرك ولم يقتصر على تهوين الأمر في قلوبهم بل زينه لهم.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿الشَّيْطَانُ﴾ المراد به الجنس وليس شيطانًا واحدًا معينًا، كما تقول: الإنسان يراد به الجنس، ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام ٤٤] لما نسوا ما ذكروا به، ﴿نَسُوا﴾ بمعنى تركوا وأعرضوا عما ذكروا به، ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يعني: من نعيم الدنيا فتح الله لهم أبواب كل شيء من نعيم الدنيا؛ من الرزق والأمن والرخاء، وغير ذلك من أنواع الترف.
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا﴾ أي: فرح بطر ومرح، ﴿بِمَا أُوتُوا﴾ أي: بما أعطوا مما فتح الله عليهم، ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ أخذناهم بأيش؟ بالعذاب، ﴿بَغْتَةً﴾ أي: شيئًا مباغتًا لم يطرأ لهم على بال؛ لأنهم انغمسوا في الترف ونسوا العذاب، ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ (إذا) هذه فجائية، والمعنى: فاجأهم الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله عز وجل.
* ففي هذه الآيات الكريمة؛ أولًا: إقامة الحجة على الخلق بإرسال الرسل، وهذا كقوله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ [النساء ١٦٣] إلى قوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥]، ومن تمام الحجة في إرسال الرسل أن الرسل بلسان قومهم؛ أي: بلغة قومهم الذين أرسلوا إليهم، وذلك من أجل أن يفهموا الحجة.
* فيتفرع على هذا: أنه لا تقوم الحجة بمجرد البلاغ حتى يفهمها المرسل إليهم، وإلا ما الفائدة؟ إلا أنه يحب على من بلغه ولم يفهم أن يبحث، وهذه النقطة الأخيرة ربما تكون سدًّا لعذرهم إذا قالوا: ما فهمنا، نقول: يجب عليكم أن تبحثوا، لكن أحيانًا يتعذر البحث لكونهم لا يجدون من يثقون به فيبقون جاهلين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله تبارك وتعالى بالخلق؛ حيث أرسل إليهم الرسل لإقامة الحجة ولبيان المحجة، المحجة يعني: الطريق، فلولا الرسل ما عرفنا، لولا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن لنا كيف نتوضأ ما عرفنا، كيف نصلي ما عرفنا، كيف نزكي، كيف نصوم، كيف نحج، كيف نتعامل ما عرفنا، فإرسال الرسل من رحمة الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حذف السبب ليكون ذلك أشد وقعًا وهيبة للمخاطب، حذف السبب وذكر المسبب والنتيجة ليكون ذلك أشد وقعًا وهيبة في قلوب المخاطب؛ لقوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ ولم يذكر التكذيب حتى يكون أشد، ويبحث الذهن لماذا أخذوا؟ فيكون أشد هيبة ووقعًا في قلوب المخاطب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يبتلي بالبأساء والضراء لكن لحكمة لا لمجرد إلحاق الضرر بالخلق، ما هي الحكمة؟ بيَّنها في قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وإلا فإن الله لا يمكن أن يريد مجرد الإضرار، بل كل ما ضر الناس من تقديرات الله فالمراد به مصلحة الخلق.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الأخذ قد يكون بالبأساء، وقد يكون بالضراء، قد يكون بالشدة التي يتأذى بها الإنسان بدون ضرر، وقد يكون بالضرر، فمثلًا الخوف والجوع وما أشبه ذلك هذا شدة، المرض المباشر للشخص هذا ضرر، فالأخذ إما هذا، وإما هذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة في أفعال الله، تؤخذ من قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وثبوت الحكمة لله عز وجل في أفعاله وفي شرعه أمر معلوم لكل ذي عقل؛ لأن كون الأفعال والأحكام تصدر عن حكمة يدل على كمال الفاعل والمشرع.
ولكن هل كل فعل أو حكم جاء من عند الله يكون معلومًا لنا حكمته؟
الجواب: لا؛ لأن عقولنا أقصر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل، لكن نعلم علم اليقين أن ذلك لحكمة؛ ولهذا لما سئلت أم المؤمنين عائشة: «ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، » ما ذهبت تعلل فتقول: الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة، وقضاؤه سهل، والصلاة تأتي في اليوم والليلة خمس مرات، فقضاؤها صعب، والصوم لا نظير له في السنة يقوم مقامه، والصلاة لها نظير إذا لم تصلي اليوم صلت غدًا، ما قالت هذا، قالت: «كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢١)، ومسلم (٣٣٥/٦٩) واللفظ له من حديث عائشة.]]، فجعلت مجرد الحكم هو الحكمة.
وهكذا يجب على كل مؤمن أن يؤمن بأن جميع أفعال الله وجميع شرائع الله كلها لحكمة، لكن قد نعلم وقد لا نعلم.
الفقهاء رحمهم الله يعبرون عن الشيء الذي لا تعلم حكمته بأنه تعبدي؛ بمعنى أنه ليس علينا إلا أن نتعبد به لا أن نعلم حكمته، وأحيانًا يقولون عن الشيء: إنه تعبدي، وهو معلوم الحكمة، وأحيانًا يكون القول صوابًا.
من هذه الأمة من أنكر الحكمة وقال: إن الله عز وجل يفعل ما يشاء لمجرد المشيئة، ويحكم بما شاء لمجرد المشيئة، وهذا غلط ونقص، قالوا: لأنه لو فعل لحكمة لكان ذلك لغرض، وكونه يفعل الشيء لغرض نقص.
ولهذا من عباراتهم الفاسدة الحسنة منظرًا أو مسمعًا: إن الله منزه عن الأعراض، والأبعاض، والأغراض، هذه عندهم منزه عن الأعراض، والثاني الأبعاض، والثالث الأغراض.
أما الأعراض فمرادهم بذلك ما يعرض للفاعل من فعل أو ترك أو نحو ذلك؛ ولهذا ينكرون الاستواء على العرش، ينكرون النزول إلى السماء الدنيا.
والأبعاض يقصدون بها الوجه واليدين، وما أشبهه.
والأغراض يريدون بها الحكمة، فيقولون: لو كان أفعاله لحكمة أو شرائعه لحكمة لكان له غرض، والله تعالى منزه عن الأغراض.
والجواب على هذا سهل، هل الغرض الذي تتضمنه الحكمة هل هو لمصلحة الله أو لمصلحة الخلق؟ الثانية قطعًا، وإلا فإن الله يقول: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر ٧]، فهذه الحكمة التي تضمنها الفعل أو الشرع أو الحكم هذه لمصلحة الخلق، وحينئذٍ تكون كمالًا أو نقصًا؟ كمالًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب التضرع إلى الله عز وجل، والتضرع بمعنى اللجوء والإنابة إلى الله تعالى، والقيام بما يجب له من كل ما يجب؛ من عقيدة، أو قول، أو عمل.
ثم قال: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ إلى آخره.
* من فوائدها: بيان شدة قسوة هؤلاء المعذبين، أنه لما جاءهم العذاب ليتضرعوا صار أمرهم بالعكس، بل زاد ذلك قسوة لقلوبهم، نسأل الله العافية، وكان الذي ينبغي أن يتضرعوا إلى الله عز وجل.
وهذا قد يقع من الإنسان ألَّا تزيده البأساء والضراء إلا قسوة في القلب وسخطًا على الله عز وجل -والعياذ بالله- وشعورًا بما لا ينبغي، فإن بعض الناس إذا ابتلي ببلاء قال: ويش هذا؟ لأيش يظلمني؟ لأيش يصيبني بما لم يصب به غيري؟ ثم يقسو قلبه، والعياذ بالله.
ومن ثم وجب الصبر على من أصيب بمصيبة حتى لا يقسو قلبه، فيقال: أنت عبد لله، أليس كذلك؟ والعبد خاضع لفعل السيد، والله تعالى يفعل بعبده ما يشاء، كما أنه يفعل مثلًا في السماء ما يشاء، في الأرض ما يشاء، في الرياح ما يشاء، كذلك أنت، أنت خلق من المخلوقات يفعل بك ما يشاء، لكن عليك الصبر عند الضراء، والشكر عند السراء.
ومع ذلك -والحمد لله- الضراء التي تصيب الإنسان تكون تكفيرًا لسيئاته، وما أكثر السيئات، أي شيء يصيبك حتى الشوكة إذا أصابتك فإنها تكفر السيئات، فإن احتسبت أثبت ثواب الصابرين، فلم يفرط الله تبارك وتعالى بشيء فيما ينفع الخلق.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات قسوة القلب بعد لينه؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، وكما في آية البقرة ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة ٧٤]، فقسوة القلب تحدث، ولين القلب يحدث أيضًا، فكلاهما حدثان، والواجب على الإنسان أن يلاحظ دائمًا قلبه ألين هو أم لا؟ أمخبت إلى الله أم لا؟ أمخلص لله أم لا؟ الأعمال الظاهرة كل إنسان يستطيع أن يأتي بها على أحسن وجه، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: المنافق يمكن أن يأتي بالصلاة على أحسن وجه، ويمكن أن يتصدق، لكن أعمال القلوب هي -واللهِ- الصعبة، حرر قلبك من رق المعاصي حتى يفتح الرب.
فإذا قال قائل: ما دواء قسوة القلب؟ وهذا سؤال يرد كثيرًا من بعض المستقيمين الذين مَنَّ الله عليهم بالاستقامة، ثم يحصل لهم هزة فيقسو القلب.
فالجواب: أن من أسباب إزالة القسوة:
كثرة قراءة القرآن بتدبر، وأن تشعر وأنت تقرأ أن هذا كلام الله عز وجل لا كلام البشر، كلام الله خالق السماوات والأرض، وحينئذٍ تعظِّم هذا الكلام وتنتفع به.
ثانيًا: كثرة الذكر؛ ذكر الله عز وجل، أكثر من ذكر الله، وذكر الله عز وجل ليس فيه صعوبة؛ لأن الذي يتحرك هو اللسان والشفتان وليس فيه صعوبة، قال الله عز وجل: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد ٢٨].
ومنها: مصاحبة الأخيار، فإن مصاحبة الأخيار تكسب الإنسان خيرًا كثيرًا، وفي الحديث «أن الجليس الصالح كحامل المسك؛ إما أن يحذيك» -يعطيك تبرعًا- «وإما أن يبيعك، وإما أن ترى منه رائحة طيبة»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٣٤)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، احرص على مصاحبة الأخيار، ولكن انتفع بهم وانفعهم؛ لأن ما كل أحد معصوم، أنت انفعهم وانتفع بهم.
ومنها؛ أي من أسباب لين القلب: رحمة الصغار ولا سيما اليتامى؛ فإنها توجب رقة القلب، وجرب تجد، ولقد قال النبي ﷺ: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[[أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو.]].
وهناك أسباب أخرى تظهر للمتأمل في دواء قسوة القلب، أسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا جميعًا لذكره ولطاعته، إنه على كل شيء قدير.
* طالب: تأديب النفس بسنة ما وتجويعها وتعذيبها، فهل هذا صحيح؟
* الشيخ: ما يظهر هذا، وليس من الشرع هذا أيضًا؛ لأن النفس لها حق، صحيح أن الإسراف في المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب غير محمود، أما كونه يجوع نفسه هذا ليس من الشريعة.
* الطالب: على أساس أنه يعرف نفسه، يعني مثلًا لو قلل من كمية الطعام أو قلل..؟
* الشيخ: ما يخالف، قلَّل غير أنه يجوع، فليقلل؛ يأكل الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث للنفَس، لكن المشكلة الآن أن بعض الناس يقولون: لقد شرب أبو هريرة اللبن حتى لم يجد له مساغًا[[أخرجه البخاري (٦٤٥٢) بنحوه من حديث أبي هريرة.]]، وأبو هريرة فعل ذلك مرة، وهؤلاء يجعلونه كل مرة، والعامي يقول: الماء ثقيل ينفذ ولو كانت المعدة مملوءة بالطعام، والنفَس حربة يشق على النفس، وكأن هذا العامي يقول: املأ البطن، ولكن ملأ الحقيقة أن البطن دائمًا يضر، وأن الإنسان إذا خفف فإنه أصح له، وجرب تجد، نعم في بعض الأحيان يكون الطعام طيبًا شهيًّا ولا تستطيع أن تأكل قليلًا، أو تكون أتيت إليه وأنت جائع، ومن شدة الجوع تقوى النهمة وتأكل كثيرًا، لكن مرنْ نفسك.
* طالب: الرحمة «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[[أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو.]]، حتى المخلوقات والحيوان، تشمل كل شيء؟
* الشيخ: نعم، تشمل كل شيء، هل ترحم الحيوان؟ نعم، ارحم الحيوان، لا تكلف البعير أكثر مما تطيق.
* الطالب: (...) العوام يقولون: هذا حلال، هذا حيوان ما يحس ويضربوه؟
* الشيخ: لا، أعوذ بالله، يحس، كيف ما يحس؟! أليست البعير إذا ضربتها ترغي؟
* طالب: بالنسبة لهؤلاء الذين يغلب على الظن أنهم لم تقم عليهم الحجة باتباعهم كبار علماء وكذا، كيف تكون معاملتهم إذا كانوا يعملون أعمال شرك، هل يتعامل معهم الإنسان معاملة مسلمين أو كفار؟
* الشيخ: هؤلاء يتوقف فيهم، وإذا قدمت جنائزهم يستثني يقول: اللهم اغفر له إن كان مؤمنًا.
* من فوائد الآية: إثبات قسوة القلب، وهي صلابته وعدم لينه للحق؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن الشيطان يزين لبني آدم سوء العمل، كما قال عز وجل: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وفي آية أخرى ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأنفال ٤٨].
* ومن الفوائد: أن الله تبارك وتعالى قد يسلط على العبد من هو عدو له، ولا يعد هذا ظلمًا من الله عز وجل، كلا؛ لأن الله قد بين لنا هذا العدو وحذرنا من اتباع خطواته، فلا عذر لنا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرجل إذا سلط عليه الشيطان صار السيء في نظره حسنًا، وصار الحسن سيئًا؛ لقوله: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، ومن المعلوم أنهم يعملون بالمعاصي.
ثم قال عز وجل: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى عجَّل لهم بالعقوبة لكن على وجه الاستدراج؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
* ومن الفوائد: أن يحذر الإنسان عقوبة الله عز وجل إذا مَنَّ الله عليه بتيسير أمور الدنيا من مأكل ومشرب ونكاح ومركب ومسكن، فلا يغتر بهذا؛ لأنه قد يكون استدراجًا، ولهذا قال بعض السلف: «إذا رأيت الله عز وجل ينعم على الإنسان مع تماديه في العصيان، فاعلم أن ذلك استدراج»[[أخرجه أحمد في المسند (١٧٣١١) مرفوعًا من حديث عقبة بن عامر، ولم نقف عليه من قول غيره. ]]، وصدقوا فلا تغتر أيها الإنسان، فقد تبتلى بالنعم كما تبتلى بالنقم، وقد تكون البلوى بالنعم أشد من البلوى بالنقم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذي بيده الرخاء والشدة هو الله؛ لقوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
* ومن فوائد الآية: أنه يجب الحذر من الفرح الذي هو فرح البطر بنعم الله عز وجل؛ لقوله: ﴿فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ أي: فرح بطر، أما إذا فرح الإنسان بما يسره من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة فرح سرور وانبساط بنعمة الله فإن هذا لا بأس به، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس ٥٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يأتيه العذاب بغتة، فبينا هو في نعيمه وسروره في الدنيا منغمسًا في معاصي الله إذا بالعذاب يأتيه بغتة، وسواء كان هذا العذاب عامًّا شاملًا أو كان خاصًّا، قد يبتلى بمرض أو بحوادث تكسره وتحطمه أو بموت عاجل؛ ولهذا قال: ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ أي: أخذ بغتة؛ أي: مباغت، والمباغت هو الشيء الذي لا يتوقعه الإنسان، فيقع في غير توقع له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا الأخذ الذي توعد الله به عز وجل أخذ مدمر؛ لقوله: ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ أي: آيسون من كل خير.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ","فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَـٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَبۡوَ ٰبَ كُلِّ شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَاۤ أُوتُوۤا۟ أَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ"],"ayah":"فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَـٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق