الباحث القرآني

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ لا شك أن (كان) تحتاج إلى اسم وخبر، و(كبر) تحتاج إلى فاعل، فهل نقول: إن (كان) اسمها ضمير الشأن مستتر، و(كبر عليك إعراضهم) خبرها، أو نقول: إن (إعراضهم) تنازع فيه؛ (كان) تطلبه اسمًا، و(كبر) تطلبه فاعلًا، يحتمل هذا وهذا، ولكن الأول أوجه، يعني: فإن كان الشأن في هذا الأمر أنه كبر عليك إعراضهم، أي عظم عليك إعراضهم، وذلك بما كان في نفسك من الحزن والأسى، فحاول أن يهتدوا على يدك، ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾ يعني فافعل، ولكن ليس عليك إلا الصبر. وهذه الجملة: ﴿إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ أتى بعدها جملة شرطية أخرى ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾، وهذا من تداخل الجملتين الشرطيتين، فتكون الجملة الثانية في محل جزم جواب الجملة الأولى، وهذا يوجد حتى في القرآن وفي كلام العرب: أما في القرآن؛ كهذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة ٨٦، ٨٧] هذا شرط داخل شرط. ومنه في قول العرب: ؎إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا ∗∗∗ .................................. فعل الشرط الأول، ثم الثاني قيد فيه، و(تجدوا) هي جواب الشرط. المهم ﴿إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ هذه جملة شرطية، الجملة الأولى، يعني الجملة شرطية في ضمن جملة شرطية أخرى، الأولى: ﴿إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾، الثانية: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ﴾. جواب الجملة الثانية محذوف، التقدير: فافعل ولن يمكنك ذلك، فإذا كان لا يمكنك فإنه لا يمكنك أن تأتي بالآيات التي اقترحوها، وإذا كان لا يمكنك فلا تحزن عليهم؛ لأن الإنسان لا يحزن إلا على شيء يمكنه أن يفعله ولم يفعل. ﴿كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ أي: عظم عليك وشق عليك. ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ أي: قدرت على ﴿أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: تطلب نفقًا في الأرض، والنفق هو السرداب يُحفَر في الأرض ويدخل الإنسان فيه ليصل إلى أعماق الأرض، فالآية هنا فتأتيهم بآية، ﴿أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ﴾ تبتغي سُلَّمًا في السماء أي مصعدًا تصعد إلي الجو ﴿فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾. فبيّن الله عز وجل له النزول والارتفاع، لا يستطيع أن ينزل إلى نفق في الأرض فيستخرج الآيات، ولا أن يصعد إلى السماء فيأتي بالآيات. واضح المعنى؟ واضح. إذا كان لا يمكنك هذا وهو معلوم للجميع، فإنه لا يمكنك أن تأتي بما اقترحوه من الآيات، كما قال عز وجل في آية أخرى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [العنكبوت ٥٠] ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ (لو) شرطية، فعل الشرط (جاء) جوابه (لجمع)، لكن أين المفعول في (شاء)؟ هل نقدره مطابقًا للفظ الجواب، أو نقدره بمعنى آخر؟ قدره بعضهم بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ هدايتهم ﴿لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾، وقدره آخرون بقولهم: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ أن يجمعهم على الهدى ﴿لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾. أيهما أنسب؟ الثاني أو الأول؟ الثاني، أن نقدر المحذوف مطابقًا للموجود، أي: ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى. وجمعهم على الهدى أعظم من مجرد الهداية؛ لأنهم قد يهتدون ولا يجتمعون. وهذا أيضًا ينبغي لنا أن نطرده في كل ما كان مشابهًا. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ [البقرة ٢٥٣] ماذا نقدر؟ ولو شاء الله ألا يقتتلوا ما اقتتلوا. فتقدير الشيء مطابقًا للموجود أولى من تقدير شيء غير مطابق، ولا نعلم هل الله أراده أم لا، فما بين أيدينا هو المتعين. إذن ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم؛ لأن القلوب بيد الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [هود ١١٨]؛ أي: على دين الإسلام. ﴿لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [الرعد ٣١] لأن الأمر كله بيده عز وجل. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ نهي مؤكد بأيش؟ النهي هنا مؤكد بأيش؟ ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ بنون التوكيد، يعني: ينهاه الله عز وجل نهيًا مؤكدًا ألا يكونن من الجاهلين. والجهل نوعان: جهل سفاهة وجهل انتفاء علم، أيهما المراد؟ الثاني بلا شك. مثال الجهل الذي هو السفاهة: قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء ١٧] بسفاهة، وليس المراد بالجهالة انتفاء العلم؛ لأن انتفاء العلم يَرتفِع به الحرج والإثم. إذن ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ بأيش؟ أي: من الذين لا يعلمون سنن الله عز وجل في خلقه. فإن قال قائل: هل يلزم من نهيه تبارك وتعالى نبيه عن أن يكون من الجاهلين أن يكون النبي ﷺ فَعَلَ فِعْلَ الجاهليين؟ الجواب: لا، كما في قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة ١٤٧]، وقال عز وجل: ﴿إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [يونس ٩٤] فلا يلزم من هذا الشرط أن يقع المشروط، أعني ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر ٦٥] وأشباهها. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أي: من ذوي الجهل الذين لا يعرفون سنن الله في خلقه، انتبه فأنت يا محمد لست جاهلًا حتى يكبر عليك إعراضهم، وحتى تحزن لعدم إيمانهم؛ لأن ذلك من حكمة الله عز وجل. نعود إلى استخراج الفوائد: * في هذا من الفوائد: أن النبي ﷺ قد عظم عليه إعراض المدعوين إلى الإسلام. هل هذا انتصار لنفسه أو رغبة في هداية عباد الله؟ الثاني بلا شك، وهذا من تمام نصحه للأمة عليه الصلاة والسلام. * ومن فوائد هذه الآية: أن الإنسان ينبغي له ألا يهون عليه إعراض الناس، بل يكون كبيرًا في نفسه، لكن لا تعصب لما هو عليه، ولكن أيش؟ من أجل مصلحة الآخرين، إذا رأينا مثلًا رجلًا عالمًا عابدًا كريمًا لكنه في الأسماء والصفات على غير ما يرام، فهل يشق علينا هذا أو لا يشق؟ نعم يشق، لا شك أنه يشق علينا. وإذا نظرنا إليه بعين القدر رحمناه وقلنا: سبحان الله، كيف يكون هذا الرجل الفاضل على عقيدة غير سليمة؟! نرحمه، فهو حقيقة؛ لأنه محروم، لكن إذا نظرنا إليه بعين الشرع فإننا نجادله، فإن رجع إلى الحق فهذا المطلوب، وإن لم يرجع فإننا نفعل به كما قال الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب، والسنة وأقبل على علم الكلام. رجل زانٍ، زنا، وهو من علية القوم، ومن أهل الخير، إذا نظرنا إليه بعين القدر نعم رحمناه ورققنا له؛ كيف يصدر الزنا من هذا؟! لكن إذا نظرنا إليه بعين الشرع أقمنا عليه الحد ولا نرأف به، كما قال عز وجل: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور ٢] ما قال: في قدر الله، قال: فِي دِينِ اللَّهِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النور ٢]، أفهمتم؟ ولهذا جاء في الحديث، وإن كان فيه نظر: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»[[أخرجه أبو داود (٤٣٧٥) من حديث عائشة.]]. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى قد يبين الشيء المستحيل بضرب مثل له دون أن يذكره بعينه، وجهه أن الله قال: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾. يعني: فافعل بدلًا من أن يقول: وإن كان كبر عليك إعراضهم فإنهم لن يؤمنوا؛ لأن هذا هو المتوقع؛ أن يقول: إن كان كبر عليك إعراضهم فإنهم لن يؤمنوا، لكن الله تعالى ضرب مثلًا، حتى يكون مقنعًا للرسول عليه الصلاة والسلام ولغيره أيضًا. * ومن فوائد في هذه الآية: أن نقول -وانتبهوا-: الملاجئ قسمان: إما نفق في الأرض، وإما صعود في السماء، هل يستقيم هذا؟ أو نقول: طلب الشواهد قد يكون من الأرض وقد يكون من السماء؟ طلب الشواهد للصحة؛ صحة ما يقول الإنسان؟ الظاهر أن الثاني أولى؛ لأن الله إنما قال له ذلك لا لأجل أن يلجأ، ولكن من أجل أن يأتي بما يشهد له، ولهذا قال: ﴿فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا بد لكل نبي من آية، وهذا من حكمة الله عز وجل، أرأيتم لو جاء رجل في غير هذه الأمة وادعى أنه رسول، وقال: أنا رسول، ومنهجي كذا، وعقيدتي كذا، وعبادتي كذا، فأطيعوني. بدون أي آية، هل يكون هذا من الحكمة، أو لا؟ ليس من الحكمة. ومن كذبه فهو معذور، وإلا لكان كل كاذب دجال يدعي أنه نبي أو ربما يدعي أنه رب. إذن الآيات فيها نصر للرسل، ورحمة بالمرسَل إليهم حتى يؤمنوا عن يقين. * ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الهداية والضلالة بيد الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات مرتبة من مراتب الإيمان بالقدر، وهي المشيئة؛ أن الله تعالى قد شاء جميع أفعال العباد. ومراتب القدر مرت علينا أظن كثيرًا، وهي أربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق. مجموعة في قول الشاعر: ؎عِلْمٌ كِتَابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ ∗∗∗ وَخَلْقُهُ وَهْوَ إِيجَادٌ وَتَكْوِينُ هذه المراتب الأربع. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل في جعل الناس صنفين: مؤمنين وكافرين. وهذا أمر لا بد منه؛ لأنه لولا الكفر لم يُعرف قدر الإيمان، ولولا الإيمان لم يُعرَف قُبح الكفر، أليس كذلك؟ كما أنه لولا الحلو ما عُرف المر، وهذا واضح. إذا لم يكن هناك أشياء متضادة ما عرف فضل الأشياء المحمودة، ثم إنه لولا اختلاف الناس في الإيمان والكفر ما قامت راية الجهاد؛ لأنهم كلهم إما مؤمنون وإما كافرون، فمن يجاهد؟ لولا هذا الاختلاف ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناس سيكونون كلهم إما على منكر وإما على معروف. لولا هذا الاختلاف ما قامت الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأنهم إن كانوا مؤمنين كلهم لم يحتاجوا إلى دعوة، وإن كانوا كافرين ما دعوا، واضح؟ إذن من الحكمة: أن الله جعل الخلق صنفين، لكن قد يقول قائل: إذا كان أحد الناس من الصنف الآخر الكافر، أفلا يكون في هذه ظلم له؟ وهذا قد يرد على النفس ما دمنا نقول: إن الكفر بمشيئة الله، وإن الله عز وجل بحكمته قسم الناس إلى قسمين، أفلا يقول الكافر: إن هذا ظلم لي؟ فالجواب: لا، كما قال بعض أهل السنة وهو يجادل معتزليًّا لما قال: أرايت إن منعني الهدى وقضى علي بالشقاء، فهل أساء إليّ أم لم يسئ إلي؟ فقال له السني: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو فضله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. أعيد السؤال الأول: أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالشقاء أحسن إليّ أم أساء؟ فقال له: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو فضله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ [الأنعام ٢١]. هذا الاستفهام بمعنى؟ * الطالب: هذا الاستفهام بمعنى النفي، والمعنى لا أحد أظلم. * الشيخ: لا أحد أظلم، ما هي فائدة الإتيان بالاستفهام عن النفي؟ * الطالب: تأكيد النفي. * الشيخ: تأكيد النفي، وغير؟ * الطالب: أي: لا أحد أظلم من هذا. * الشيخ: وغير؟ * الطالب: حصره في هذا. * الشيخ: لا، كيف كان أبلغ في النفي؟ * طالب: يكون مشربًا بالتحدي يعني. * الشيخ: يكون مشربًا للتحدي، يعني متضمنًا للتحدي، كأنه يقال: إن كنت صادقًا فبيِّن لي من هو أظلم. طيب يرد مثل هذه العبارة في ذنب آخر غير هذا، مثل قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ [البقرة ١١٤] فكيف نجيب؟ * الطالب: نجيب -أحسن الله إليك يا شيخ- بأن هذا خاص بهذا الذنب، أي في منع المساجد لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله، وهذا افتراء على الله الكذب، وكل واحد خاص به. * الشيخ: يعني: معناها أن منع محل العبادة، أو المعاملة، أو الدراسة، أعظمها من منع مساجد الله أن يُذكَر فيها اسمه، فيكون هذا أمرًا نسبيًّا. طيب والافتراء أعظمه؟ * طالب: أعظمه من افترى الله الكذب أو كذب بآياته. * الشيخ: الافتراء على الله كذبًا. هل هناك وجه آخر؟ * طالب: أن كل هذه اشتركت في الأظلمية، وكل مقام بحسبه. * الشيخ: طيب، تقول: كلها اشتركت في أنها أظلم شيء نعم، وكل شيء وعقوبته. قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام ٢١] قد وجدنا من أفلح وهو ظالم؟ * طالب: يظهر أنهم قد أفلحوا في الدنيا، لكن لا نعرف في الحقيقة أمرهم، قد يصبهم من الأمور النفسية والباطنية ما لا نعرف، فأما في الآخرة لا شك أنهم سوف يحاسبون على ما فعلوا في الدنيا، لم يفلحوا. * الشيخ: نعم، يعني كأنك تقول: الفلاح أنواع، هؤلاء وإن أفلحوا ظاهرًا وحسيًّا فإنهم لم يفلحوا في الباطن، تجد نفوسهم في حسرة، في حزن، في ألم، نعم. أو يقال شيء آخر: ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يعني فلاحًا مطلقًا لا ينتكسون بعده، أو يقال: ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ في الآخرة؛ لأنه لو قُدر أن هؤلاء لم يصابوا بأمراض، ولم ينتكسوا عن الفلاح، فوراءهم اليوم الآخر، لا يفلحون فيه. إذن النفي يكون محمولًا على أحد الوجوه الثلاثة. * * * قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [الأنعام ٢٥] الضمير يعود على من؟ * طالب: على هؤلاء المكذبين. * الشيخ: على هؤلاء المكذبين. طيب هل ينتفعون بهذا الاستماع أو لا؟ * الطالب: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الأنعام ٢٥]. * الشيخ: الجواب نعم ولّا لا؟ * الطالب: لا ينتفعون. * الشيخ: لا ينتفعون. الدليل؟ * الطالب: قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ [الأنعام ٢٥]. * الشيخ: تمام ثلاثة أشياء. طيب ما هي نهاية مجادلتهم؟ * الطالب: مذكورة في الآية. * الشيخ: ما هي؟ * الطالب: أنهم يقولون في النهاية قولًا جحدوا به واستيقنته أنفسهم: إن هذا إلا أساطير الأولين. * الشيخ: المكابرة، نهاية المجادلة المكابرة. قالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام ٢٥] واضح؟ مثل ما يوجد الآن بين أهل البدع وأهل السنة، تجد الواحد منهم يقول: نحن ما ثبت عندنا هذا، حتى لو كان في البخاري ومسلم، ما ثبت عندنا هذا، أو يقول فيما يحتج به لبدعته: هذا عندنا ثابت بنقل الرواة العدول، وهذا أكثر ما يكون في الرافضة. ولهذا يقال: إن بعضهم زاد في القرآن الكريم نحو الثلث وحذف من القرآن الكريم، وهذه مكابرة مشكلة، المكابر لا تستطيع أن تقنعه أبدًا لكن قد يهديه الله عز وجل. إذن هؤلاء المجادلون المكابرون نهاية أمرهم أن يقولوا: هذا أساطير الأولين، وليس وحيًا، ولا نعترف به. ما الفرق بين ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ و﴿يَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾؟ * طالب: ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ ينهون الناس أن يأتوا إليه، ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ ينأون بأنفسهم أن يسمعوه. * الشيخ: نعم، أي يبعدون بأنفسهم وينهون الناس عن الاستماع إلى الرسول ﷺ. طيب الضرر في هذه الحال عليهم أو على الرسول؟ * الطالب: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾. * الشيخ: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بارك الله فيك، قوله عز وجل: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام ٢٧] الخطاب لمن؟ * طالب: الخطاب للنبي ﷺ في الأصل، وأمته تبع له. * الشيخ: أو لكل من يتأتى خطابه هنا، يعني لو ترى أيها الرائي، أو أيها الإنسان، بقطع النظر بكون هذا للرسول ﷺ. ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام ٢٧] من يوقفهم عليها؟ * طالب: الله عز وجل. * الشيخ: الله عز وجل بواسطة الملائكة. طيب قولهم: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ﴾ [الأنعام ٢٧] ما معناها؟ * طالب: أي يتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا، فلا يكذبون بما جاء (...) جاءت به الرسل. * الشيخ: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ﴾ على النصب، يعني يتمنون الرجوع إلى الدنيا مع كونهم لا يكذبون. طيب فيها قراءة ثانية، ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ والحال أننا لا نكذب، والفرق بين المعنيين أن الأول تمنوا أن يردوا إلى الدنيا ولا يكذبوا بآيات الله، فهو داخل في التمني، أما الثانية: ﴿وَلَا نُكَذِّبُ﴾ فهم تمنوا أن يردوا إلى الدنيا ثم وعدوا ألا يكذبوا بآيات ربهم. طيب هل صدقهم الله بما قالوا؟ * طالب: لا. * الشيخ: الدليل؟ * الطالب: كذبهم الله عز وجل ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٨]. * الشيخ: نعم ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، إذن قولهم: لا نكذب هذا وعد كاذب. هل في هذا ما يدل على أن الناس يتكلمون يوم القيامة؟ * طالب: نعم. * الشيخ: نعم، وجهه؟ * الطالب: أنهم يقولون. * الشيخ: أنهم يقولون، وأنهم يتمنون، والناس في الآخرة كحالهم في الدنيا، يعني أنهم عندهم عقول يجادلون ويدافعون عن أنفسهم. ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ [الأنعام ٣١] ما معنى تكذيبهم بلقاء الله؟ * طالب: إنكارهم البعث. * الشيخ: إنكارهم البعث، يعني أنهم يكذبون بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦] طيب وما خسرانها؟ هل هو في الدنيا ولّا في الآخرة؟ * الطالب: خسرانهم في الآخرة. * الشيخ: وفي الدنيا؟ * الطالب: في الدنيا أيضًا خسرانين.. * الشيخ: في الدنيا والآخرة؛ لأنهم لم يستفيدوا في وجودهم في الدنيا شيئًا، واضح؟ وهذا حق، هم الخاسرون في الدنيا وفي الآخرة. قولهم: ﴿يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ [الأنعام ٣١] فما معناها؟ * الطالب: ﴿يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ للندم يقولون هذا، للندم على ما فاتهم من قبول الإيمان، قالوا ذلك ندمًا وتحسرًا على تفريطهم في الإيمان. * الشيخ: على تفريطهم في الدنيا حيث لم يستغلوا الأوقات فيما يرضي الله. لو قال لك قائل: ﴿يَا حَسْرَتَنَا﴾، هل الحسرة تنادى؟ * الطالب: (يا) هنا للتنبيه. * الشيخ: للتنبيه، ماذا تقولون؟ * طلبة: صحيح. * الشيخ: صحيح؛ لأن (يا) إذا دخلت على ما لا يمكن أن يصلح للنداء فهي للتنبيه، ومثلها قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ [يس ٢٦]، ومثل الآية السابقة ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام ٢٧]. طيب، أحسنت. قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنعام ٣١] هل هذا على حقيقته؟ * طالب: نعم في الآخرة على حقيقته. * الشيخ: في الآخرة على حقيقته، يعني تجعل هذه الأوزار بمنزلة الأشياء المحسوسة التي تحمل على الظهور زيادة في فضحهم وتعذيبهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب