الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
(ما) نافية، و(الحياة) مبتدأ، وما بعد (إلا) هو الخبر، وهذا طرق من طرق الحصر، وهو أقوى طرق الحصر، أعني النفي والإثبات.
﴿مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾، الحياة الدنيا هي حياتنا هذه، ووصفت بالدنيا لوجهين:
الوجه الأول: دنو زمنها.
والوجه الثاني: دنو مرتبتها.
أما الأول فظاهر، فإن الدنيا قبل الآخرة، وأما الثاني فظاهر أيضًا لمن كان ذا عقل، فإن هذه الدنيا دنية، ليس فيها خير، وغاية ما فيها أن ينعم البدن دون القلب، فأهل الدنيا محرومون من نعيم القلب؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧] فالحياة الطيبة لمن جمع بين هذين الوصفين؛ العمل الصالح والثاني: الإيمان.
إذن سميت دنيا لهذين الوجهين:
الأول: دنو الزمن.
والثاني: دنو القدر والمرتبة؛ فإنها دانية، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيما رواه الإمام أحمد عن المستورد بن شداد، قال: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه أحمد في المسند (٩٦٥١) من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد. ]] من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها وما فيها، وهو موضع سوط، فكيف والإنسان في الجنة -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- ينظر إلى أقصى ملكه كما ينظر إلى أدناه مسيرة ألفي عام.
وقوله: ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أي: لعب بالأبدان ولهو بالقلوب. كل عمل الدنيا لعب، كل عمل الدنيا لهو، لكنه لهو بشيء عن شيء، لهو بأعمال الدنيا عن أعمال الآخرة، لعب بالنسبة أنه لا يحصل فاعله على شيء، فأدنى ما يقال: إنه ليس له ولا عليه في هذا العمل، لا له ولا عليه، مع أنه قد يكون عليه إذا كان لا له ولا عليه، فهل هو جد أو لعب؟ أجيبوا، لعب لا شك، إذا كان لا له ولا عليه، وهكذا نقول في معنى قوله: ﴿لَعِبٌ﴾.
إذا قال قائل: كيف يكون لعبًا وأهل الدنيا عندهم جد وعزيمة ونشاط في أعمالهم؟
قلنا: لكنه بالنسبة للثواب والأجر لعبٌ لا خير فيه.
﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ اللام هنا لام الابتداء، وتفيد التوكيد.
و(الدار الآخرة) فيها قراءتان: هذه القراءة ﴿لَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾، والثانية: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ بالإضافة.
الدار الآخرة هي عديلة الدنيا، وضرة الدنيا، وهي ما يكون بعد البعث، وسماها الله تعالى آخرة لأنها آخر المراحل؛ فإن بني آدم لهم أربع مراحل:
المرحلة الأولى: في بطون الأمهات.
والمرحلة الثانية: في هذه الحياة.
والمرحلة الثالثة: في البرزخ بين البعث والممات.
والمرحلة الرابعة: في البعث بعد الممات إذا قامت الساعة، ولذلك سميت آخرة.
﴿خَيْرٌ﴾ منين؟
من المعلوم أن سياق الكلام يقتضي: خير من الدنيا ولعبها ولهوها. وحذف المفضل عليه للعلم به. ومن قواعد البلاغة: أن المعلوم الذي لا يحتاج إلى تكلف في تقديره حذفه أولى؛ لما في ذلك من الاختصار، وقد يكون الأمر بالعكس تقتضي البلاغة أن يبسط في القول.
﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أي: يتقون الله عز وجل.
وتقوى الله تعالى مرت علينا كثيرًا، يجمعها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي على علم وبصيرة.
وبعضهم يتفنن في تعريفها، كقولهم:
؎خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَـــــــــا ∗∗∗ وَكَبِيرَهَا ذَاكَالتُّقَـــــــــــــــــــــــــــــى؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى؎لَا تَحْــــــــــقِرَنَّ صَــــــــــــــــــغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَالْحَصَـــــــــــــى
وبعضهم يقول: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله.
لكن الأول أجمع وأوضح؛ لأنه يُعرف به اشتقاق التقوى، اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه على علم وبصيرة.
﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ الاستفهام هنا للتوبيخ، والمعنى: اعقلوا هذه الحقيقة، واعرفوا قدر الدنيا وقدر الآخرة.
والمراد بالعقل هنا: عقل الرشد، لا عقل التكليف؛ لأن هؤلاء يعقلون، لكنها عقول ليست عقول رشد.
* في هذه الآية فوائد:
* منها: التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، وجه ذلك بأنه وصف الدنيا بما سمعتم، ووصف الآخرة بما سمعتم.
* ومنها: أن الدنيا كلها لعب ولهو، لعب في الجوارح، ولهو في أيش؟ في القلوب.
* ومنها: أنه لا حال للدنيا سوى ذلك، وجه الدلالة الحصر ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
* ومنها: أن الدار الآخرة خير للمتقين؛ للذين يتقون، خير من أيش؟ خير من الدنيا.
وعلى هذا فما يصيبهم في الدنيا من الأذى في الله عز وجل، أو في أمراض تصيبهم، أو في فقد حبيب، أو ما أشبه ذلك، فإنه في الآخرة يُنسى وكأنه لم يكن؛ لأن الدار الآخرة تمحو كل شيء سبق، كأنه لم يكن.
* ومنها: إثبات الدار الآخرة؛ لأن إثبات وصفها يدل على وجود أصلها.
* ومنها: أن الآخرة خير لهؤلاء المعتصمين بالتقوى، ولغيرهم ليست خيرًا، بل هي شر، ولهذا جاء في الحديث «أنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وجَنَّةُ الْكَافِرِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٥٦ / ١) من حديث أبي هريرة. ]].
فهي بالنسبة للمؤمن سجن؛ لأنه لو نسب نعيم الدنيا كلها إلى نعيم الآخرة لم يكن شيئًا، أما الكافر فهي جنته؛ لأنه في الدنيا كان في أهله مسرورًا، لكن في الآخرة على العكس من ذلك.
وقد حدثناكم بما جرى للحافظ ابن حجر، وكان رئيس القضاه في مصر، ومر بيهودي زيات تعبان من الأذى؛ أذى الزيت والحرارة وغير ذلك، وابن حجر -رحمه الله- تجره الخيول أو البغال على العربة؛ لأنه كان قاضي القضاه في مصر، فاستوقفه هذا اليهودي وقال: كيف تكون أنت في هذه الحال، وأنا في هذه الحال، والحديث عندكم «إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٥٦ / ١) من حديث أبي هريرة. ]]؟ فأجابه على البديهة، قال: ما المؤمن فيه من النعيم بالنسبة للآخرة إلا سجن، وما العذاب الذي أنت فيه بالنسبة للآخرة إلا جنة. فعلم اليهودي الحقيقة وأسلم.
ذكر الله تعالى في تفضيل الآخرة على الدنيا ثلاث آيات: الآية الأولى: تتعلق بشخص معين، والثانية: بمعين بوصف، والثالثة: إطلاق.
ما هي الآية المقيدة بشخص معين؟
* طالب: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى ١- ٤].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ وهو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والمعينة بوصف ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء ٧٧]. وما هي المطلقة؟
* طالب: في آخر سورة (سَبِّح).
* الشيخ: آخر سورة (سبح): ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] بارك الله فيك.
{"ayah":"وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق