الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل مسلِّيًا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومُثْبِّتًا له ومقوِّيًا عزيمته: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام ١٧]، والضر هنا يشمل: الضر في البدن، والعقل، والمال، وكل ما يكون به الضرر على الإنسان. وكلمة ﴿ضُرٍّ﴾ كما تشاهدون نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، أيُّ ضر يمسسك الله به، يعني يصيبك، ﴿فَلَا كَاشِفَ﴾ أي: لا مزيل له إلا الله عز وجل. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، والخير هنا المراد به ضد الضرر؛ من الصحة، والعقل، والمال، والأهل، والأمن، وشرح الصدر، وغير ذلك. ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: قادر على أن يزيل الضرر الذي أصابك إلى خير. وفي الآية الأخرى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس ١٠٧] عز وجل. * يُستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يُعلِّق رجاءه بالله عز وجل؛ لأنه إذا علم مضمون هذه الآية فسوف يعتمد في أموره كلها على الله. وفي الآية الأخرى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس ١٠٧] عز وجل. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يعلِّق رجاءه بالله عز وجل؛ لأنه إذا علم مضمون هذه الآية فسوف يعتمد في أموره كلها على الله. * ومنها: تقوية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدعوة إلى الله، وأنه مهما حاول هؤلاء أن يصيبوك بضرر فإنهم لا يملكون ذلك إذا لم يكن الله أراد. * ومنها: الحث على الصبر؛ لأنك إذا علمت أن الذي أصابك بالضُّرِّ هو الله فلا بد أن تَصْبِر؛ لأنك عبده يفعل بك ما شاء، فتصبر على ما يصيبك من الضَّرَر. * ومنها: قوة رجاء العبد بالله عز وجل إذا أصابه الضرر أن يزول عنه الضرر؛ وجه ذلك قوله: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وكم من أضرار حدثت للإنسان حتى أوصلته إلى اليأس والقنوط كشفها الله عز وجل، كم من إنسان أصيب بمرض حتى وصل إلى حافة القبر ثم شفاه الله، وكم من إنسان أصيب بالفقر حتى وصل إلى ألَّا يجد قوت يومه وليلته أغناه الله، وكم من إنسان كان وحيدًا فرزقه الله، وهلم جرًّا؛ لأن الله على كل شيء قدير. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تمام سلطان الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى هو المتصرف كما يشاء بعباده؛ لقوله: ﴿إِنْ يَمْسَسْكَ﴾ بكذا، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ﴾ بكذا. * ومنها: عموم قدرة الله؛ لقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، يقابل القدرة العجز، وهنا صفتان متشابهتان أو متقاربتان؛ القوة والقدرة، والفرق بينهما يحصل بالتعريف، القدرة: التمكن من الفعل بلا عجز، والقوة: التمكن من الفعل بلا ضعف؛ والدليل قول الله تبارك وتعالى في القدرة: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤]، والدليل للقوة قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم ٥٤]، أيهما أكمل أو أيهما أعمُّ؟ نقول: أما القوَّة فهي أعمُّ؛ لأنها تكون في ذي الشعور وغيره؛ ذي الشعور يعني: في ذي الإرادة وغيره؛ فتقول: فلان قويٌّ، وتقول: الحديد قويُّ، وأما القدرة فإنها لا تكون إلا من ذي الإرادة؛ إذ لا يصح أن تقول: الباب قادر؛ لأنه ليس له إرادة، أيهما أكمل؟ القوة أكمل؛ لأنه يلزم من وجود القوة القدرة ولا عكس، ونضرب مثلًا لهذا برجل قيل له: احمل هذا الجحر، فحمله لكن بمشقة، بماذا نصف هذا الرجل؟ بأنه قادر غير قوي، وإنسان آخر قلنا له: احمل هذا الحجر، أراد أن يحمله فعجز، نقول: هذا عاجز غير قادر، ورجل ثالث قلنا: احمل هذا الحجر، فأخذه وكأنه ريشة، هذا قويٌّ، وهل هو قادر؟ نعم، من باب أولى. ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ فالله قادر عليه، حتى وإن بَعُدَ في ذهنك فالله قادر عليه؛ ولهذا نبَّه الله تبارك وتعالى زكريا حين قال: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم ٨] قال الله له: ﴿كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم ٩] قال: لا، أنا خلقتك من قبل ولم تك شيئًا، قادر على أن يخلق لك ولدًا، أليس كذلك؟ وهذا قياس أولوية واضح أو على الأقل قياس مِثْلِيٌّ واضح، فالقادر على العدم قادر على الإيجاد، والقادر على الإيجاد قادر على العدم. إذن يا أخي، لا تستكثر أن تسأل الله تبارك وتعالى شيئًا لا تكون فيه معتديًا في الدعاء، ولو كان في نظرك بعيدًا؛ لأن الله تعالى على كل شيء قدير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب