الباحث القرآني

﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ ، ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ فيها أيضًا قراءتان: ﴿مَنْ يَصْرِفْ﴾ و﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾. ﴿عَنْهُ﴾ يعني: عنه العذاب. ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ أي: رحمه الله عز وجل، والضمير في قوله: ﴿رَحِمَهُ﴾ قد يقول قائل: كيف نعرف أنه عاد إلى الله عز وجل؟ فيقال: لأنه تقدم ذكره: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، ﴿مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ﴾ يعني ربي، هذا العذاب، ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾، أو ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ هذا العذاب ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ أي: ربي. ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾، المشار إليه ﴿ذَلِكَ﴾ يعني الصرف المفهوم من قوله: ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾. وقوله: ﴿الْفَوْزُ﴾ هذه خبر المبتدأ، ﴿الْمُبِينُ﴾ صفة للفوز. * في هذه الآية: دليل على أن الفوز الحقيقي هو الذي يحصل بصرف الله العذاب عن الإنسان يوم القيامة؛ أي الفوز لبيان الحقيقة الذي هو الفوز الأعظم؛ لأن غير هذا الفوز فوز زائل، حتى مَن وُفِّق في الدنيا فإن فوزه ناقص، إلا أن يكون فوزه في الدنيا سببًا للأعمال الصالحة التي يفوز بها في الآخرة. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ أي: البيِّن، وهي اسم فاعل من (أبان)، و(أبان) يصح أن تكون لازمة، ويصح أن تكون متعدية، فإذا قلت: أبان المعلم للطالب معنى الكتاب، هذه أيش؟ متعدية، وإذا قلت: أبان الصبح، بمعنى انجلى، فهذه لازمة، إذن ﴿الْمُبِينُ﴾ هنا بمعنى بَيِّن. * في الآية فوائد، منها: فوز من يُصْرَف عنه العذاب يوم القيامة. * ومنها: إثبات الرحمة لله عز وجل بلفظ الفعل؛ لقوله: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾، ورحمة الله تبارك وتعالى من الصفات الذاتية الفعلية؛ فباعتبار المفهوم تكون فعلية، وباعتبار كونها وصفًا ثابتًا لله تكون من الصفات الذاتية، والرحمة يكون بها حصول المطلوب، والنجاة من المرهوب. فإذا قال قائل: هل رحمة الله حقيقية، أو هي عبارة عن الثواب، أو إرادة الثواب؟ فالجواب: هي حقيقية ولكنها ليست كرحمة المخلوق يكون فيها نوع من الضعف، ولكنها رحمة الخالق الذي هو فوق عباده -عز وجل-. وقد أنكر قوم الرحمة، وقالوا: إن الله لا يُوصَف برحمة حقيقية؛ لأنها تدل على الرقة واللين، وهذا لا يليق بالله عز وجل، فإذا قلنا لهم: فسِّروها لنا، قالوا: الرحمة هنا عبارة عن آثار الرحمة، وهي إما الإرادة، وإما الثواب والفضل الذي حصل برحمة الله. فإذا قيل لهم: ما الذي حملكم على صرف الكلام عن ظاهره؟ قالوا: لأن الرحمة على الوجه الذي ذكرنا تدل على الضعف، هذا منتهى تقريرهم. فنقول لهم: هذه الثمرة من تقريركم جوابها لدينا سهل جدًّا، وهو أن نقول: هذه الرحمة التي ادعيتم أنها تدل على الضعف إنما هي رحمة المخلوق، أما رحمة الخالق فإنها لا تدل على هذا بوجه من الوجوه، بل تدل على كمال فضله وكرمه عز وجل. ثم إن لنا أن ننازعكم في دعواكم أن اللين والرقة يدل على الضعف، فكم من ذي سلطان قوي يكون رحيمًا، وهو ذو سلطان قوي يستطيع أن يبطش برعيته كما يشاء، ويكون رحيمًا بمن يستحق الرحمة، فنمنع أولًا الدعوى، ثم لو سلَّمنا جدلًا بأن الرحمة تدل على اللين والرقة فهذه رحمة المخلوق. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الفوز الحقيقي البيِّن الظاهر هو الفوز من نجاة العذاب يوم القيامة، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب