الباحث القرآني
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ [الأنعام: ١٤]، ﴿أَتَّخِذُ﴾ هذه تنصب مفعولين؛ المفعول الأول (غير) مقدَّمًا، والثاني ﴿وَلِيًّا﴾، ولو أردنا أن نرتب حسب العمل لكانت الآية: قل أتخذ غير الله وليًّا، المهم أن الله أمر نبيه ﷺ أن يقول مُعْلِنًا: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ أستنصر به ويتولى أمري وأتولى شرعه؟ والاستفهام هنا للنفي.
﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خالقهما على غير مثال سبق.
و﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تقدم الكلام عليها مرارًا.
﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ هو الله عز وجل، ﴿يُطْعِمُ﴾، ما من طاعم يطعم إلا والله الذي أطعمه، أطعمه: يسَّر له الطعام، ولولا ذلك ما وصل إليه الطعام.
قال الله عز وجل مبينًا هذا: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة ٦٣، ٦٤]، الجواب: بل أنت يا ربنا، ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [الواقعة ٦٥ - ٦٧]، ولو جعله الله حطامًا ما طعمناه.
ثم: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة ٦٨، ٦٩] الجواب: بل أنت يا ربنا، هذا الطعام وهذا الشراب، الزرع: الطعام، والماء: الشراب.
ثم ما يصلح به الطعام والشراب وهو الطبخ والطهي الذي يكون بالنار، ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ [الواقعة ٧١، ٧٢].
إذن الذي يُطْعِم هو الله عز وجل، ثم لو شاء الله تعالى ما طعِمْنَا حتى لو وُجِدَ الطعام، لو شاء الله لم يخلق لنا أفواهًا ولا أمعاء ولا معدات فلا نطعم.
إذن ﴿يُطْعِمُ﴾ أي: يوجِد الطعام من مأكول ومشروب، وما يصلح به الطعام والشراب، وكذلك يوجِد الآلات في بني آدم التي تقبل الطعام وتنتفع به.
ذكر بعض أهل العلم -رحمهم الله- أنه لن يصل إليك الطعام إلا بعد أن يعمل به أكثر من ثلاث مئة واحد؛ لأنك تبدأ من الحرث، والسقي، وتصريف الماء، وغير ذلك، والشراء، والطحن، والعجن، تجد أشياء كثيرة لا يصل إليك الطعام إلا بعد أن يتجاوز هذه الأشياء.
﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾ أو: ولا يَطْعَم؟ اللي عندنا ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾، إذن غيره محتاج إليه، وهو لا يحتاج لأحد، فهو ﴿لَا يُطْعَمُ﴾؛ لغناه عن كل أحد، ثم هو جل وعلا لا يَطْعَم؛ لأنه أحد صمد، ولو طعم لكان محتاجًا للطعام، وهذا مستحيل على الله عز وجل.
﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ﴾، إعلان آخر، ﴿إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾، فالأمر الأول لتحقيق توحيد الربوبية، والثاني لتحقيق توحيد العبادة.
﴿قُلْ﴾ أي: للناس معلِنًا، ﴿إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾، ﴿أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ من هذه الأمة، لا من جميع الأمم، ومعنى ﴿أَسْلَمَ﴾ هنا أي: استسلم لله ظاهرًا وباطنًا؛ لأن الإسلام يطلَق على هذا، وإذا كان الإسلام بمعنى هذا دخل فيه الإيمان.
﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، قوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ﴾ معطوفة على ﴿قُلْ﴾، يعني: قل هذا ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، بل أَخْلِص العبادة والإسلام لله عز وجل.
* في هذه الآية الكريمة: أمر النبي ﷺ أن يعلن أنه لن يتخذ وليًّا من دون الله، وهذا واجب عليه أو لا؟ نعم، واجب عليه أن يعلن؛ لأنه رسول إمام مقتدًى به، فلا بد أن يعلِن تحقيق الربوبية.
* ومن فوائدها: ألا يلجأ العبد إلا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله هو الولي، ثم ولاية الله عز وجل ولاية مبنية على الحمد، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى ٢٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله وحده خالق السماوات والأرض على غير مثال؛ يعني أنه سبحانه وتعالى لم يخلق سماوات وأرضين قبل ثم أعادها مرة أخرى، بل هي على ما هي عليه.
* ومن فوائد الآية: تمام قدرة الله تبارك وتعالى؛ حيث فطر السماوات والأرض، وبقيت السماوات والأرض على حسب ما أراد الله تبارك وتعالى: ﴿الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس ٣٨] ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس ٣٩] لم تختلف.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الله تبارك وتعالى هو الْمُطْعِم لا مُطْعِمَ سواه.
* وينبني على هذه الفائدة: ألا نسأل الإطعام إلا من الله تبارك وتعالى، ولو أننا -ونستغفر الله ونتوب إليه- لو أننا تمسَّكنا بهذا مع التوكل على الله والاستعانة به لكان رزقنا مضمونًا؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق ٢، ٣]، لكن غلبت علينا الأمور المادية الحسية، فصار الإنسان -مع الأسف- يعتمد على الأسباب أكثر مما يعتمد على المسبِّب عز وجل.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا»، أي: تذهب في أول النهار جائعة، «وَتَرُوحُ بِطَانًا»[[أخرجه الترمذي (٢٣٤٤)، وابن ماجه (٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطاب. ]] : ترجع في آخر النهار.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى لا يُطْعِمُه أحد؛ لعدم حاجته إلى الطعام، وعدم حاجته إلى غيره، فهو ﴿لَا يُطْعَمُ﴾؛ لأنه لا يحتاج للطعام، ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾ أيضًا يعني: لا يحتاج إلى غيره، فهو غني عن كل من سواه، وكل من سواه مفتقر إليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب إعلان النبي ﷺ عن نفسه أنه أول من أسلم؛ لقوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام ١٤]، يعني من هذه الأمة، وهذا هو الذي صار.
* ومن فوائد الآية: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محتاج إلى الإسلام، وليس له حق في الربوبية، كما صرح بذلك هو عليه الصلاة والسلام، حيث دعا عشيرته الأقربين، وجعل يناديهم بأسمائهم: يا فلان ابن فلان، إلى أن وصل إلى بنته فاطمة فقال: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٥٣)، ومسلم (٢٠٦ / ٣٥١) من حديث أبي هريرة. ]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: صحة النهي عما لا يمكن أن يقع؛ لقوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، فشرك النبي ﷺ لا يمكن أن يقع شرعًا، ومع ذلك نهى عنه.
إذا قال قائل: ما هي الحكمة مع أنه لا يمكن أن يقع؟
قلنا: الحكمة فيما نعلمه وجهان:
الوجه الأول: دعوته إلى الثبات على الإخلاص حتى لا يشرك في المستقبل.
والثاني: تطمين أمته إذا نُهُوا عن الشرك أن ذلك ليس بمستنكَر، وليس به بأس؛ لأنه أمر إمامهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا يكون من المشركين.
هل يؤخذ من هذا أننا نقول للشخص: أنت مشرك، إذا فعل ما يكون شركًا؟ يمكن أن نقول هذا، وهو على حسب الحال، إن كنا نظن أنَّا إذا قلنا: أنت مشرك، أخذته حمية الجاهلية واستكبر واستنكر، فإننا لا نخاطبه بهذا الأسلوب، وإن كان نعلم أنه ممن يتقي الله، وأننا إذا قلنا: هذا شرك، فإن فعلته فأنت مشرك، وإن قلته فأنت مشرك، أخذه خوف الله عز وجل، فأبعد عن ذلك إبعادًا كاملًا، فإننا لا بأس أن نقول: إنك مشرك، على حسب ما تقتضيه الحال.
{"ayah":"قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق