الباحث القرآني

﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧]، ﴿آمِنُوا﴾ الخطاب للعباد كلهم، ﴿بِاللَّهِ﴾ رب العالمين ﴿وَرَسُولِهِ﴾ محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأمر هنا للوجوب، الذي هو أشد أنواع الوجوب تحتمًا، الإيمان بالله أن تؤمن بأنه رب العالمين، أن تؤمن بأنه الإله المعبود حقًّا الذي لا يستحق العبادة إلا هو، أن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا، أن تؤمن بأنه الفعال لما يريد، أن تؤمن بأنه لا معقب لحكمه وهو السميع العليم، أن تؤمن بأن مرجع الخلائق إليه في الأحكام الشرعية وفي الأحكام الكونية، فمن يدبر الخلق؟ من؟ لا يدبر الخلق إلا الله عز وجل، يدبر أمره. من الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ الله عز وجل. رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق؛ الإنس والجن، وختم به النبوات، فلا نبي بعده، والدليل: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ يعني وكان رسول الله ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠] فلا نبي بعده، فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر، يجب أن يقص عنقه إلا أن يتوب ويرجع. قال تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد ٧] الإنفاق: البذل، و﴿مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ يعني المال؛ لأن الله جعلنا مستخلفين في هذا المال، فهو الذي ملكنا إياه، فلا منة لنا على الله بما ننفق، بل المنة لله علينا بما أعطى، والمنة له علينا بما شرع لنا من الإنفاق، ولولا أن الله شرع لنا أن ننفق لكان الإنفاق ضياعًا وبدعة، ولكن شرع لنا أن ننفق، إذن له المنة أولًا لما ملكنا من المال، وله المنة ثانيًا بما شرع لنا من إنفاقه. ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد ٧] الذين آمنوا بمن؟! بالله ورسوله؛ لأنه قال: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا﴾ أي: مما جعلهم مستخلفين فيه لهم أجر كبير، والآيات كما تعلمون لهم أجر كبير، ولهم أجر عظيم، ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام ١٦٠]، إذن أجر كثير، فوصف الله الأجور على العمل بهذه الأوصاف كبير، عظيم، كثير؛ الكثير نأخذه من قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾، وبهذا تعرف منة الله عز وجل علينا والحمد لله، يأمرنا بالعمل ونعمل به ويأجرنا عليه أجرًا كثيرًا، أجرًا عظيمًا، أجرًا كبيرًا، منة عظيمة كبيرة، فعلينا أن نشكر الله، وأن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه. وهل ننفق كل ما نملك أم بعضه؟ ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ﴾ (من) هذه هل هي للتبعيض أو هي لبيان، بيان ما ينفق منه؟ إذا كانت للتبعيض فالمعنى أنفقوا بعض ما جعلكم ما هو كله، إذا جعلناها للبيان فالمعنى أنفقوا مما جعلكم حسب ما تقتضيه المصلحة، إما الكل وإما البعض، فأيهما أحسن؟ أن نجعل (من) للتبعيض أم نجعل (من) للبيان؟ الثاني إذا جعلناها للبيان صار الإنسان مخيرًا أن ينفق كل ماله أو بعض ماله، أكثره أو أقله حسب ما تقتضيه المصلحة. ومعلوم أنه كلما كان المعنى أوسع كان أولى بالأخذ به، والقرآن الكريم العظيم معانيه واسعة عظيمة، ولذلك حث النبي ﷺ مرة على الصدقة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى الخير، كل واحد يحب أن يكون هو السابق، فقال عمر رضي الله عنه: اليوم أسبق أبا بكر؛ لأن هذين الرجلين هما أخص الصحابة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وأحب الصحابة إلى الرسول. إن النبي ﷺ يحب أبا بكر رضي الله عنه أشد من حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع أن علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته، لكن أبا بكر يحبه أشد وأكثر، فقد سئل: «مَن أحبُّ الناس إليك؟ قال: «أَبُو بَكْرٍ»[[أخرجه أبو داود (١٦٧٨) والترمذي (٣٦٧٥) من حديث عمر بن الخطاب.]] وهذا كلامه، وكلامه صدق ولَّا فيه شك؟ صدق ولا شك في هذا، يقول: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٦) ومسلم (٢٣٨٢ / ٢) من حديث أبي سعيد.]]. المهم عمر كان هو وأبو بكر كفرسي رهان، يحب أن يسبقه، لا حسدًا لأبي بكر، ولكن حبًّا للفضل لنفسه، قال: اليوم أسبق أبا بكر، فجاء بنصف ماله لينفقه، نصف ماله يعني لو كان عنده مئتان جاب، ألفان، مليونان، نصف ماله، «أتى به النبي عليه الصلاة والسلام، قال: «يَا عُمَرُ، مَاذَا تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ؟» قال: تركت لهم الشطر، يعني النصف، جاء أبو بكر، قال: «مَا تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ؟»، قال: تركت لهم الله ورسوله، كل ماله، فقال عمر: والله لا أسابقك على شيء بعدها أبدًا»[[أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (٥٢٧) من حديث عمر بن الخطاب.]]، عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر. الشاهد من هذا الحديث أيش؟ أن أبا بكر تصدق بجميع ماله، فإذا رأى الإنسان المصلحة في التصدق بجميع ماله وأن عنده من قوة التوكل، والاعتماد على الله، واكتساب الرزق، ما يمكنه أن يسترد شيئًا من المال لأهله ونفسه، حينئذ نقول: تصدق بجميع مالك، أنفق جميع مالك، إذا كان الأمر بالعكس؛ كان رجلًا أخرق لا يعرف أن يكتسب، وليس هناك داع أن ينفق كثيرًا، فهنا نقول: الأولى أن تنفق بعض المال. إذن يا جماعة ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ﴾ هل (من) للتبعيض أو للبيان؟ للبيان، يعني: أنفقوا من هذا المال ما يكون فيه المصلحة. في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته، وكلما رأى فيه تزعزعًا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى في سبيله، وأن ينفق من المال. وهنا سؤال: هل المال محبوب للنفوس؟ قال الله تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر ٢٠] وقال عز وجل: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر﴾ يعني المال ﴿لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات ٨] لا يمكن أن يبذل الإنسان شيئا محبوبًا إليه إلا لما هو أحب، فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاء رضوان الله، علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من محبة المال، وبذلك يتحقق الإيمان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب