الباحث القرآني

﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨]. ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ﴾ أصلها (إن المتصدقين) لكن قلبت التاء صادًا لعِلة تصريفية معروفة عند أهل النحو، يعني: إن المتصدقين والمتصدقات. ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ يعني: أنفقوا في سبيل الله إنفاقًا حسنًا، والإنفاق الحسن -يا إخواننا- ما جمع شرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل. والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالمرائي الذي ينفق رياء هل أقرض الله قرضًا حسنًا؟ لا، يعني: إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس، فيقولون: فلان كثير الصدقة، هذا مراءٍ وصدقته لا تنفعه ولا تُقبَل منه؛ لأن كل عمل يُراد به غير الله فهو غير مقبول، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القُدُسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]، إنسان آخر صار يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة، صاحب بدعة، لكنه مخلص لو سألته: لم فعلت هذا؟ قال: أريد ثواب الله، أريد التقرب إلى الله. هل تنفعه العبادة؟ لا، لماذا؟ لعدم المتابعة. فإذن يكون قوله عز وجل: ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحديد ١٨] أي: مخلصين فيه لله متبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهنا سؤال: ﴿أَقْرَضُوا اللَّهَ﴾ هل الله فقير حتى يقرض؟! حاشا وكلا ليس فقيرًا، ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران ١٨١] إذن كيف يقول: أقرضوا الله؟ يقول هذا جل وعلا ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، أنا لو أقرضت شخصًا ألف ريال ثبت في ذمته ولا بد أن يوفيني، كذلك جعل الله عز وجل التعبد له بمنزلة القرض، أي أنه مضمون سيُرد عليك، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة. لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهذا ربا في القرض، كيف يكون هذا؟ الجواب: أولًا: لا ربا بين العبد وبين ربه. ثانيًا: القرض إذا أعطاك المقترض شيئًا بدون شرط فهو حلال، يعني: لو استقرض منك ألف ريال وأعطاك ألفًا ومئة بدون شرط فهو حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكرًا -البكر يعني: بعير صغير- ورد خيرًا منه، وقال: «أَحْسَنُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٣٠٥) ومسلم (١٦٠١ / ١٢٠) بلفظ «إن خياركم أحسنكم قضاء» من حديث أبي هريرة.]]، هل المقرض استفاد أو لا؟ استفاد، لكنه استفاد بلا شرط، ولهذا تجدون عبارة الفقهاء: (كل شرط جر نفعًا للمقرِض فهو ربًا) شوف (كل شرط) ولم يقولوا: كل زيادة. فالمهم الآن الجواب إذا قال قائل: إن الله عز وجل يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد سمى الله تعالى الإنفاق في سبيله قرضًا، فكيف يصح أن يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف؟ قلنا: الجواب من وجهين: الأول: أنه ليس بين العبد وبين ربه ربا. ثانيا: أن الزيادة إذا لم تكن شرطًا فهي جائزة، هذه تدل على كرم الموفي. ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ [الحديد ١٨] هذه خبر (إن)، يعني ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾، أي: يُعطَون أجرهم مضاعفًا، عشرة إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة. ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي: ثواب كريم، والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذا كريم، وأصل الكرم: الحسن، دليل هذا: قول النبي ﷺ لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن قال له: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» يعني: إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال، يعني أحاسنها «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٩٦)، ومسلم (١٩ / ٣١) من حديث ابن عباس.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب