الباحث القرآني

ثم قسَّم الله تعالى المحتضرين إلى ثلاثة أقسام، فقال: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة ٨٨، ٨٩] اللهم اجعلنا منهم. ﴿أَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات، وأتوا بالمستحبات وتنزهوا عن المكروهات -أي: أكملوا دينهم- والمقربون هم ﴿السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة ١٠] الذين ذُكروا في أول السورة، السابقون إلى الخيرات. ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ اختلف المفسرون في قوله: ﴿فَرَوْحٌ﴾ فقيل: فراحة؛ لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به؛ لأنه بَشَّر عند النزع بروح وريحان ورب غير غضبان، فيُسر ويبتهج، ولا يكره الموت حينئذٍ بل يحب لقاء الله عز وجل، وهذا لا شك راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها وغمومها، وقيل: الرَّوْح بمعنى الرحمة، كما قال الله تعالى عن يعقوب حين قال لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾ [يوسف ٨٧] أي: من رحمته، وهذا المعنى أعم من الأول؛ لأن الرحمة أعم من أن تكون راحة أو راحة مع حصول المقصود، وإذا كان المعنى أعم كان حمل الآية عليه أولى، إذن: فروح أي: رحمة، ومن الرحمة الراحة. ﴿وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ قيل: المراد بالريحان: كل ما يسر النفس، وليس خاصًّا بالريحان ذي الرائحة الجميلة أو الطيبة، بل كل ما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومشموم، وقيل: المراد بالريحان: الرائحة الطيبة كالريحان المعروف، أيهما أشمل؟ الأول أشمل فتُحْمل الآية عليه. ﴿وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ أي: جنة يُنَعَّم بها؛ وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه -جعلنا الله وإياكم منهم- ﴿جَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ ينعم الإنسان فيها ببدنه وقلبه، فهو لا يتعب ولا ينصب، ولا يمرض وهو لا يحزن، ولا يهتم ولا يغتم، بل هو في نعيم دائم، الدنيا فيها نعيم لكن نعيمها مُنغَّص على حد قول الشاعر:؎فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ وهكذا الدنيا، إذا سُرِرتَ يومًا فاستعد للإساءة من غده، وإذا أُسِئتَ يومًا فقد تنعم في الثاني أو لا تنعم، على كل حال الجنة في الآخرة دار نعيم في القلب ونعيم في البدن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب