﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ ﴾ [الواقعة: ٧٥، ٧٦] يخبر الله تبارك وتعالى أنه يُقسم بمواقع النجوم، و(لا) في قوله: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ للتنبيه والتوكيد، وليست للنفي؛ لأن المراد إثبات القسم وليس نفيه، وهذا كقوله تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد ١]، وقوله تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة ١]، وقوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [النساء ٦٥] وأمثال ذلك.
يؤتى بـ(لا) بصورة النفي، ولكن المراد بذلك التوكيد والتنبيه، والقسم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّمٍ بأدوات مخصوصة، وهي: الواو، والباء، والتاء.
وقوله: ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة ٧٥] اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فمنهم من قال: إن المراد بذلك أوقات نزول القرآن؛ لأن القرآن نَزَلَ مُفرَّقًا، والشيء المفرَّق يسمى مُنجَّمًا، كما يقال في الدَّين الْمُقسَّط على سنوات أو أشهر، يقال: إنه دَيْن مُنَجَّم.
وقيل: المراد بمواقع النجوم مواقع الطلوع والغروب؛ لأن مواقع غروبها إيذان بالنهار، ومواقع طلوعها إيذان بالليل، وتعاقُب الليل والنهار من آيات الله العظيمة التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، فيكون الله تبارك وتعالى أقْسَم بما يدل على إقبال الليل وإدباره.
وقيل: المراد بمواقع النجوم: الأنواء، وكانوا في الجاهلية يُعَظِّمونها، حتى إنهم يقولون: إن المطر ينزل بالنَّوْء، ويقولون: مُطِرنا بِنَوْء كذا وكذا.
والمهم أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم على أمر من أعظم الأمور، وهو قوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة ٧٧] لكن الله بَيَّن عِظَم هذا القسم قبل أن يُبَيَّن الْمُقسَم عليه، فقال: وإنه لقسم عظيم، وأتى بالجملة الاعتراضية في قوله: ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ﴾ إشارة إلى أنه يجب أن نتفطن لهذا القسم وعظمته حتى نكون ذوي علم به.
﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة ٧٦، ٧٧] أي: إن الذي نزل على محمد ﷺ لقرآن كريم، والكرم يُراد به الحسن والبهاء والجمال، كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يُبين للناس أن عليهم زكاة في أموالهم، قال: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» . «كَرَائِمَ» جمع (كَرِيمة)، والمراد بها: الشاة الحسنة الجميلة.
وهو كريم -أعني القرآن- في ثوابه، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، وهو كريم في آثاره على القلوب وصلاحها؛ فإن قراءة القرآن تلين القلوب، وتوجب الخشوع لله عز وجل، وكريم في آثاره بدعوة الناس إلى شريعة الله، كما قال تعالى: ﴿فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٢]، فالمهم أن القرآن كريم بكل معنى الكرم.
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٧ - ٧٩] اختلف العلماء في الكتاب المكنون، فقيل: إنه اللوح المحفوظ؛ لقوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج ٢١، ٢٢].
وقيل: المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس ١٢ - ١٦]، وهذا القول رجَّحه ابن القيم رحمه الله في كتابه: التبيان في أقسام القرآن أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة.
وأكثر المفسرين على أن المراد به: اللوح المحفوظ. ﴿لَا يَمَسُّهُ﴾ أي: لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون وهم الملائكة، طهَّرهم الله تعالى من الشرك والمعاصي؛ ولهذا لا تقع من الملائكة معصية بل هم ممتثلون لأمر الله، قائمون به على ما أراد الله. ﴿تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة ٨٠].
وقبل أن نفوت الآية التي قبلها ذهب بعض المفسرين إلى قول غريب وقال: المراد بقوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٩] أي: لا يمس القرآن إلا طاهر، ولكن هذا قول ضعيف، لا تدل عليه الآية؛ لأنه لو كان المراد ذلك لقال: (إلا المُطَّهِّرون) -يعني: المتطهرين- ولكنه قال: ﴿الْمُطَهَّرُونَ﴾؛ أي: من قِبَل الله عز وجل، فهذا القول ضعيف، ولولا أنه يُوجد في بعض التفاسير التي بأيدي الناس ما تعرضنا له؛ لأنه لا قيمة له، والصواب أن المراد بذلك الملائكة.
فإن قلنا: إن المراد بالكتاب المكنون الصحف التي بأيديهم فواضح في قوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾، وإذا قيل: المراد به اللوح المحفوظ، فكذلك ﴿الْمُطَهَّرُونَ﴾ قد يمسونه بأمر الله عز وجل، وقد لا يمسونه.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["۞ فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ","وَإِنَّهُۥ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ","إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ","فِی كِتَـٰبࣲ مَّكۡنُونࣲ","لَّا یَمَسُّهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ"],"ayah":"۞ فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ"}