الباحث القرآني

﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ ﴾ [الواقعة: ٢٨ - ٣٤] كم هذه؟ ستة. ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ (السدر) معروف، شجر معروف بارد، ظله مُنَشِّط، لكن لا تظن أن السدر الذي في الجنة كالسدر الذي في الدنيا، الاسم واحد والمعنى مختلف، كما قال الله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لَكُنَّا نعلم، لكن الاسم اسم، والمعنى يختلف؛ يعني حقيقة الشيء تختلف. ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ يعني: أنه ليس فيه شوك. ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾ (الطلح)، قيل: إنه شجر الموز، والمنضود: معناه الذي ملأ ثمرةً، ولكن مع هذا ليس الذي في الجنة كالذي في الدنيا. ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ ظل يعني لا نهاية له؛ لأنه ما فيه شمس في الجنة ما فيه شمس، بل هي ظل، وصفها بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قُرْب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نورًا ولكن لا تُشاهد شمسًا، فهو ﴿ظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ أي: ممدود في المساحة ممدود في الزمن، دائم. أما قوله: ﴿مَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾ فالمعنى: أنه ماء مستمر دائمًا، كما قال الله عز وجل: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾ [الرحمن ٥٠] دائمًا، وغير الماء أيضًا فيه أنهار أخرى، من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد في الحديث أن هذه الأنهار تجري بدون أُخدود، تعرفون الأخدود؟ الآن السواقي لها أخدود يعني شيء مرتفع، نحن نسميها في لغتنا أهل القصيم (...)، ما أدري تعرفونها هكذا؟ هذه تمنع الماء يذهب يمينًا وشمالًا، الجنة ما فيها أخدود، كذلك أيضًا في الدنيا، إذا لم يكن أخدود، لا بد من حفر للماء يمشي مع هذا الحفر، في الجنة ما فيها لا هذا ولا هذا، أنهار تمشي بدون أخدود، سبحان الله العظيم! قال ابن القيم رحمه الله في النونية:؎أَنْهَارُهَا فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ جَرَتْ ∗∗∗ سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الْفَيَضَانِ الله أكبر! سبحانه! ما تحتاج تعبًا لا إقامة أخدود ولا حفر خنادق. إذا قال قائل: هل هذا ممكن؟ نقول: لا تتحدث، هل هذا ممكن؟ صَدِّق، أما ممكن غير ممكن هذا ما هو بوارد، أخبار الغيب ما فيها ممكن وغير ممكن، صَدِّق ولا تتحدث، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ؟ الجواب: بلى، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق، كيف يكون عاليًا وينزل؟ كيف يكون؟ ما الواجب؟ الواجب التصديق، ولا نقول: كيف ولِمَ؟ هذا شيء فوق مستوى عقولنا. أمور الغيب أيها الإخوة -الشباب ومن فوقهم- لا تسأل عنها، ما دام ثبتت في القرآن أو السنة لا تسأل عنها؛ لأنه لا يمكنك الإحاطة بها، قل: آمنت بالله ورسوله واستمر، هنا نقول: أنهار الجنة تمشي بغير أخدود هل هذا ممكن؟ أمكن أو لم يمكن، ما يهمنا ما دام ثبت عن المعصوم وجب علينا التصديق، على أنه في الدنيا يمكن، الآن لو مسحت يدك بدهن، وصببت عليها الماء ما تجد أنها تكون زُبرًا زُبرًا بدون شيء، بدون حائل، بدون حفرة، هذا وهو في الدنيا أما في الآخرة فهو أعظم، أليس الله تعالى يقول في أهل الجنة: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات ٥٠- ٥٣] قرينه في الدنيا يقول: أنت تصدق أننا بعدما نكون ترابًا وعظامًا أننا نبعث ونُجازى تصدق بهذا؟! شوف كيف التلبيس؟ ما جواب المؤمن؟ هل تصدق أنك بعد ما تموت وترمس بالتراب، وتصير عظامًا ورفاتًا أنك تبعث؟ مُصدِّق والله، أشد مما أصدق الشمس، هذا القرين السيئ يقول لقرينه: أنت تصدق بهذا؟ ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات ٥٣] وهو قرينه بالدنيا، لكن هذا مَنَّ الله عليه بالثبات وثبت وصار من أهل الجنة فقال لأصحابه: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات ٥٤] تعالوا نطلع على قريني اللي كان يقول لي ها الكلام هذا. ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ٥٥]، في قعر الجحيم، وهذا في أعلى عليين في الجنة، قال له يخاطبه: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات ٥٦] أي: لتهلكني، بأيش؟ بقوله: أتصدق بهذا. ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات ٥٧] للعذاب، كما أنت محضر الآن، يخاطب هذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين، ويطَّلع عليه: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾؟ هل هذا ممكن؟ كنا نقول: ما هو ممكن في الدنيا، وإلا في الآخرة مصدقون على طول ما فيه إشكال، لكن وجدنا الآن أنه يوجد في الدنيا من صُنع الآدمي، الآن فيه هواتف يتخاطب بها القريب والبعيد، ويتراءون الصورة، موجود هذا ولَّا غير موجود؟ موجود، وهو من صنع مَنْ؟ صنع البشر، كيف بصنع الخالق عز وجل؟! أنا قصدي بهذا يا إخواني ألَّا تستبعدوا شيئًا مما أخبر الله به ورسوله، ويجب عليكم أن تصدقوا على طول، ولا تُوردوا على أنفسكم ولا على غيركم كيف يكون هذا، هذا خبر صادق عن الله ورسوله، قل: آمنت بالله واستقم على دين الله. هنا يقول عز وجل: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾ [الواقعة ٣٢] الفاكهة كل طعام أو شراب يتفكه به الإنسان؛ لأن طعامك وشرابك أحيانًا يكون ضروريًّا معتادًا لا تتفكه فيه، لكنه شيء ضروري للبقاء، والثاني: فاكهة يتفكه به الإنسان، مثل أيش الفاكهة؟ في الدنيا تفاح، برتقال، موز أشياء كثيرة. ﴿كَثِيرَةٍ﴾ يعني ليس فيها قلة، في أي وقت من الأوقات تجد هذه الفاكهة، بينما في الدنيا الفواكه لها أوقات معينة تنقطع؛ ولهذا قال: ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة ٣٣]؛ يعني: لا تُقطَع أبدًا، في كل الأوقات، ليل نهار، مع أنه ليس فيه ليل ولا نهار، لكنها دائمة. ﴿وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ يعني: لا أحد يمنعك منها، بل قد قال الله تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة ٢٣] أي: ما يقطفه الإنسان من الثمرة دانٍ، حتى إنه إذا اشتهى الإنسان ثمرة فوق تدلى الغصن حتى يكون بين يديه، الله أكبر! بدون تعب، فاكهة الدنيا مقطوعة، تأتي في وقت دون آخر، ممنوعة ولَّا غير ممنوعة؟ ممنوعة أيضًا لا يمكن أن تدخل البستان وتأكل كما شئت، يمنعك صاحب البستان، أما في الآخرة فلا. ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ [الواقعة ٣٤] ﴿فُرُشٍ﴾ (الفُرش): ما ينام عليه الإنسان، جمع (فِرَاش)، ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾: عالية، شوف الآن ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ [الواقعة ٢٨ - ٣٤]، ما الذي معك على الفراش؟ الحور.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب