الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ [القمر ٢٦] سيعلمون غدًا، متى؟ يوم القيامة، والسين هنا للتحقيق والتقريب؛ لأنك إذا قلت: سيقوم زيد فهذا تأكيد وتقريب أيضًا. فإذا قال قائل: التحقيق معروف أنه حق أن الساعة آتية لا ريب فيها، لكن كيف التقريب؟ قلنا: إن الله يقول: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب ٦٣]، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى ١٧] ومن الأمثال العابرة: كل آتٍ قريب. الذي بقي عليه ألف سنة أقرب من الذي لم يمض عليه إلا عشر دقائق، أليس كذلك؟ لأن الذي مضى عليه عشر دقائق لا يمكن أن يرجع، لكن المستقبل لا بد أن يأتي: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾ [الأنعام ١٣٤]. إذن ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ السين هنا لأيش؟ * الطلبة: للتحقيق. * الشيخ: وأيش؟ * الطلبة: التقريب. * الشيخ: والتقريب: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾، ﴿غَدًا﴾ يوم القيامة، سُمي غدًا لأنه يأتي بعد يومك، سيعلمون ﴿مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ فمن هو الآن، أسألكم؟ أصالح أم ثمود؟ * طالب: صالح. * الشيخ: صالح؟ * طالب: الثاني. * الشيخ: الثاني، ثمود، سيعلمون يوم القيامة من هو الكاذب الأشر؛ أصالح هو الكذاب الأشر، أم هؤلاء؟ وهذا وعيدٌ عظيم، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء ٢٢٧]، الإنسان بشر في غفلة عن هذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [المؤمنون ٦٣] يعني: من عمل الآخرة، بل قلوبهم في غمرة مغطاة عن عمل الآخرة: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [المؤمنون ٦٣]، يعني: أعمال الدنيا هم لها عاملون، أتى بالجملة اسمية، يعني أنهم محققون للعمل فيها، لا يتركونها ولا يفرطون فيها، وأما الآخرة فهم في غفلةٍ منها. ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ [القمر ٢٧] ﴿إِنَّا﴾ يعني نفسه جل وعلا، وأتى بها بصيغة الجمع تعظيمًا له جل وعلا؛ لعظمة صفاته وكثرة كمالاته وكثرة جنوده، فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ يعني: باعثوها، ﴿فِتْنَةً لَهُمْ﴾ اختبارًا، هل يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وماذا كان الأمر؟ آمنوا أو لا؟ ما آمنوا. وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم، فكان عقابه أشد وأوجع، ولهذا جعل الله الناقة فتنة؛ لأنها أظهرت الحق لهم، ولكن لم يقبلوا، وانتبه لهذا الاستدراج من الله عز وجل، انتبه، إذا يسر الله لك أسباب المعصية لا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنةً له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل، يُسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أنَّ الله حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانت الحوت تأتي يوم السبت شُرَّعًا على وجه الماء، وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك في يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم، فرجعوا إلى طبيعتهم، وهي الغدر والحيلة والمكر، فاحتالوا على صيد السمك، صاروا يجعلون شباكًا يوم الجمعة، فتأتي الحيتان تدخل في الشباك، فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان، وهذه حيلة واضحة، فقلبهم الله قردة، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥]. في صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد: ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة ٩٥] فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون، تناله أيديهم ورماحهم، يعني أن الزاحف يمسكونه باليد مثل أرنب مثلًا، الغزال يمسكه الواحد بيده، ﴿وَرِمَاحُكُمْ﴾ [المائدة ٩٤] يعني الطائر، كان الطير لا يناله إلا بالسهم؛ لأنه بعيد، لكن صار الطير يطير وكأنه على الأرض، الرمح يدركه، فتنة، هنا يسر الله لهم أسباب المعصية أو لا؟ * الطلبة: يسرها. * الشيخ: يسرها، لكن الصحابة رضي الله عنهم خير الناس لم يأخذ أحدٌ منهم صيدةً واحدة رضي الله عنهم، بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخدعوا الله، أما سلف هذه الأمة -وفقنا الله وإياكم لمرافقتهم في الدنيا في أعمالهم وفي الآخرة في مساكنهم- فإنهم لم يأخذوا. فهنا الناقة أرسلها الله تعالى فتنةً لثمودَ، لكن ما أغنتهم. ﴿فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ [القمر ٢٧، ٢٨] ﴿فَارْتَقِبْهُمْ﴾ يعني: ارتقب عذابهم، أو ارتقب أفعالهم وانظر ماذا يفعلون ﴿وَاصْطَبِرْ﴾ يعني: اصبر، لكن فيها التاء زائدة، وأصل (اصطبر): اصتبر بالتاء للمبالغة، لكن قُلبت التاء طاءً لعلةٍ تصريفيةٍ اقتضتها اللغةُ العربية، يعني أن الله قال لرسولهم صالح: ارتقب هؤلاء واصطبِر؛ اصبر فالنصر قريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب