الباحث القرآني

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: ٢٣] أي: بما جاءهم من النذر، وهي الآيات التي جاء بها صالح عليه الصلاة والسلام، وديارهم معروفة الآن في بلاد الحِجر في طريق تبوك من المدينة، كان صالح عليه الصلاة والسلام مرسلًا إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كسائر الأنبياء، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل ٣٦]، أرسله الله عز وجل إلى قومه، وأعطاه آية وهي ناقة لها شِربٌ ولهم شرب، أي أن بئر الناقة الكبير الغزير الماء يومٌ تأتي به الناقة وتشرب، وقد ذكروا أنها إذا شربت إناءً من الماء فإن الذي يسقيها إناء من الماء يحلِب من لبنها بقدر ما سقاها، وهذا من آيات الله عز وجل؛ أن ناقة تشرب ماءً ثم تُخرِجه في الحال لبنًا، فإن هذا ليس له عادة، ولكنها آية من آيات الله عز وجل، أراهم الله تبارك وتعالى إياها حتى يعتبروا؛ لأن الله لم يرسل رسولًا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر رحمة منه وحكمة؛ لأنه لا يعقل أن رجلًا من بين الناس يأتي ويقول: إني رسول الله إليكم إلا إذا آتاه الله آياتٍ تدل على صدقه. قال العلماء: وما من آية أُوتِيَها نبي من الأنبياء السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلها أو أشد، ولكن قد تكون غير متوفرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها موجودة في أمته الذين اتبعوه، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء: أن كل كرامة لولي فهي آيةٌ للنبي الذي اتبعه؛ لأن هذه الكرامة تشهد بصدق ما كان عليه الولي، وهذا الولي تابع لرسولٍ سابق، فيكون في ذلك آية على أن هذا الشرع الذي عليه هذا الولي حق، وهذه تكون آية للنبي، فالقاعدة الآن: أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه. وعليه فنقول: من آيات موسى أنه ضرب الحجر، وإذا ضربه انفجر عيونا تنبع ماءً من حجر يابس، فهل كان للرسول الله ﷺ مثله؟ الجواب: كان له أعظم؛ فإن النبي ﷺ جيء إليه بقدحٍ من ماء وليس مع الناس ماءٌ إلا ما في هذا الركوة، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع يده كالعيون[[أخرجه البخاري (٣٥٧٦) من حديث جابر.]] -سبحان الله! - هذه أعظم من آية موسى، يعني: آية موسى يخرج الماء من الحجر، وخروج الماء من الحجر معتاد، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة ٧٤]، لكن هل جرت العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل؟ لا. إذن هذه أعظم. موسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقًا يابسة، وهذه لا شك آيةٌ عظيمة، جرى لهذه الأمة أعظم من هذه، مشوا على الماء دون أن يُضْرَب لهم طريقٌ يابس، مشوا على الماء المائع الهين -الذي يغوص فيه من يقع فيه- بدوابهم وأرجلهم، ولم يغرقوا، في قصة العلاء بن الحضرمي[[انظر: صفة الصفوة (١/٢٧٠).]]، وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه[[أخرجه ابن أبي شيبة (٣٣٧٤٧).]]، مشوا على الماء، وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي يتفرق عنها الماء. فالمهم أنه ما من نبي بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، قلنا: هذا رحمة وحكمة، رحمة بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجوا من عذاب الله، حكمة لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس ويقول: أنا رسول الله حتى يؤتَى آيات. من آية صالح هذه الناقة، لها شرب ولثمود شرب، لها يوم ولهؤلاء يوم، هذه من آيات الله، وقع مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة، فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن، فمسح النبي ﷺ ضروعها فجعلت تبش من اللبن[[أخرجه الحاكم (٤٣٢٠) من حديث هشام بن حبيش.]]، هذاك آية معينة في عين معينة، ناقة معينة هذا فيه أي شيء. يقول عز وجل: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر ٢٣] النذر: جمع نذير، والمراد به الآيات التي أُوتيها صالح عليه الصلاة والسلام، فقالوا من جملة ما قالوا في تكذيبهم: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ [القمر ٢٤] نسأل الله العافية! أنكروا الآيات، ما كأنها أتتهم، يعني: أنتبع بشرًا منَّا واحًدا؟! لا نقبل، ما نقبل، وهذا النفي بمعنى الإنكار، يعني: لا يمكن أن نتبع واحدًا منا ﴿إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ [القمر ٢٤] يعني: إنا إن اتبعناه لفي ضلال وسعر، أي: لفي جهل وفي عذاب، كأنه وعدهم بأنهم إن اتبعوه اهتدوا ونجوا من النار، فقالوا بالعكس: لو اتبعناك لضللنا واعترفنا بالسُّعُر؛ بالنار، عكس ما قال، وهذا من أشد المراغمة للرسل عليهم الصلاة والسلام والمحادة لله تبارك وتعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب