الباحث القرآني

﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ [القمر: ١٨] هذه هي الأمة الثانية ممن قصهم الله علينا في هذه السورة الكريمة، وعاد تتلو قوم نوح غالبًا، وقد تتقدم عليها كما في الذاريات، ولكن الغالب أن قصة نوح هي الأولى في قصص الأنبياء؛ لأنه أول نبي أُرسل إلى أهل الأرض. ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ وهم قوم هود، كما قال تعالى: ﴿أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود ٦٠] كذبوا نبيهم هودًا عليه الصلاة والسلام، وكانوا أشداء أقوياء، وكانوا يفتخرون بشدتهم وقوتهم، ويقولون: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت ١٥، ١٦]. يقول هنا: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾. والجواب كان شديدًا عظيمًا واقعًا موقعه، فالاستفهام إذن للتفخيم والتعظيم والتقرير، وهو أن عذاب الله كان عظيمًا وكان واقعًا موقعه. نُذُره -يعني آياته- كذلك كانت عظيمة واقعة موقعها، فبماذا أهلكهم الله؟ أهلكهم الله بألطف شيء، وهو الريح التي تملأ الآفاق، ومع ذلك لا يحس الإنسان بها؛ لأنها سهلة لينة يخترقها الإنسان بسهولة، مكاننا الآن الذي نحن فيه مملوء من الهواء، أليس كذلك؟ ومع ذلك نخترقه لا نحس به، فهي من ألطف الأشياء. أهلك الله عادًا الذين يفتخرون بقوتهم بهذه الريح، كما قال الله عز وجل هنا: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر ١٩] الجملة هنا مؤكدة بـ(إن)، و﴿أَرْسَلْنَا﴾ يعني الرب عز وجل نفسه، يعني أن الرب عز وجل يعني نفسه بقوله: ﴿أَرْسَلْنَا﴾، وجمع الضمير للتعظيم. ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي: على عاد، ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ أي: ذات صرير؛ لقوتها وشدتها، حتى إن مجرد نفوذها يُسمَع له الصرير، وإن لم تصطدم بما يقتضي الصرير؛ لأنها قوية عظيمة جدًّا، وهي الريح الغربية، أتت من قبل الغرب، أي: من جهة الغرب لعاد، فقالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف ٢٤] وكانوا قد أجدبوا قبل ذلك سنواتٍ، فلما أقبلت بسوادها وعظمتها وزمجرتها قالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾، ولكن الأمر كان بالعكس، كانت ريحًا فيها عذاب أليم، كانت ريحًا عقيمًا ليس فيها مطر ولا يُرجَى أن يأتي منها مطر. فهنا يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ أي ريح هي؟ الغربية التي تأتي من ناحية المغرب. ﴿صَرْصَرًا﴾ أي: شديدة الصوت والصرير لقوتها وسرعتها. ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾، ﴿نَحْسٍ﴾ أي: في يوم شؤم ﴿مُسْتَمِرٍّ﴾ بالنسبة لعاد، ما هو في كل وقت، فاليوم الذي أُهلكوا فيه ليس هو نفسه نحسًا مستمرًّا، ولكنه بالنسبة لهؤلاء كان يوم نحس مستمر، كما قال الله تعالى عن قوم نوح: ﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح ٢٥]، هؤلاء أُهلكوا بالريح فأُدخلوا النار، فالنحس -أي: الشؤم- كان مستمرًّا معهم، عذاب الآخرة متصل بعذاب الدنيا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب