الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر ١]. (اقتربت) بمعنى: قرُبت، لكن العلماء يقولون: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، وهنا (اقتربت) فيها زيادة في المبنى على قربت، ويش الزيادة؟ الهمزة والتاء، فيدل على أن الاقتراب قريب جدًّا، أو يدل على أن القرب قريب جدًّا، فمعنى (اقتربت) أي: قربت جدًّا. والساعة هي يوم القيامة، وقد قال الله تعالى فيها: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد ١٨] أي: علاماتها. من علاماتها: بعثة النبي ﷺ، فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وكونه خاتم الأنبياء دليل على أنه قد قربت الساعة، ولهذا حقق النبي عليه الصلاة والسلام هذا بقوله: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَابَةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٣٠١)، ومسلم (٢٩٥٠/١٣٢) من حديث سهل بن سعد.]]. الآن السبابة قريبة من الوسطى أليس كذلك؟ ليس بينهما إلا جزء يسير مقدار الظفر، وهذا يدل على قربها، لكن مع ذلك كم بيننا وبين الرسول ﷺ الآن، نحن في القرن الخامس عشر الهجري أيضًا بعد بعثة الرسول ﷺ بثلاث عشرة سنة، ومع ذلك ما زالت الدنيا باقية، مما يدل على أن ما مضى طويل جدًّا، حتى إن الرسول ﷺ خطب الناس ذات يوم عند غروب الشمس فقال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا» يعني بالنسبة لمن سبقكم «إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا»[[أخرجه الترمذي (٢١٩١) من حديث أبي سعيد الخدري.]] ». إذن: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ أي: قرب يوم القيامة. ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ وكأن الله عز وجل أشار إلى أن هذا من أشراط الساعة، انشق القمر يعني صار فرقتين، تميز بعضهما عن بعض، أحدهما على جبل أبي قبيس والثاني على جبل قعيقعان، يعني: واحد على الصفا وواحد على المروة، والمسافة في رؤيا العين ما بين الصفا والمروة بعيدة جدًّا قد تستغرق سنوات. انشق القمر في لحظة بأمر الله عز وجل، وتباعدت أجزاؤه بلحظة؛ لأن قريشًا كانوا يتحدون الرسول عليه الصلاة والسلام ويطلبون منه الآيات، وقد قال الله ردًّا عليهم: ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت ٥٠، ٥١]، لكن ما هو كافيهم؛ لأنهم معاندون لا يريدون الحق، أتوا إلى رسول الله ﷺ، قالوا: يا محمد، أنت تقول: إنك رسول وإنك يأتيك الخبر من السماء وكذا وكذا؛ أرنا آيةً، فأشار النبي ﷺ إلى القمر ودعا ربه، فانفلق فلقتين في لحظة. مَن يفك هذا الجسم العظيم الأفقي العالي إلا رب العالمين عز وجل! أراهم إياه، لكن هل نفع؟ لا، ما نفع، وقالوا: سحرنا محمد، وبعضهم قال: سحر القمرَ، وأنكروا، فقال بعضهم لبعض: اسألوا المسافرين إذا قدِموا هل رأوه أم لا؟ فصاروا يسألون المسافرين من كل وجه يقدَمون مكة فيقولون: نعم، رأيناه في الليلة الفلانية كذا وكذا، وهذا بالنسبة للقريبين منهم كأهل الجزيرة مثلًا، أما البعيدون فقد لا يرونه، ليش؟ للبعد. وكما نعلم الآن أن الليل هنا يكون نهارًا في مكان آخر، أو يوجد غيوم وضباب كثير يمنع الرؤية، ولهذا لا يمكن أبدًا لأي عاقل أن ينكر انشقاق القمر انشقاقًا حسيًّا؛ لأنه لم يُذكر في تاريخ اليونان، ولم يذكر في تاريخ الهند، ولم يذكر في كذا وكذا، هذا ليس حجة يُبطَل بها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن القمر انشق فعلا انشقاقًا حسيًّا. ونحن نؤمن بأن القادر على أن يطوي السماوات بيمينه كطي السجل للكتب قادر على أن يفلق القمر فلقتين، أي شيء يعجزه؟ لا شيء؛ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤]. ولهذا لا وجه لإنكار مَن أنكر ذلك ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويقولون: إن الأفلاك السماوية لا يمكن أن تتغير، من الذي خلق الأفلاك السماوية؟ أليس الله؟ بلى، إذن هو قادر على أن يغيرها؛ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]. إذن انشقاق القمر انشقاق حسي، انفلق فلقتين، ورآه الناس وشاهدوه، ولكن المكابر المعاند لا يقبل شيئًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب