الباحث القرآني

ثم قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم ٤] يعني: ما القرآن الكريم إلا وحي يوحى، أي وحي من الله عز وجل، مَن الواسطة بين الله وبين الرسول؟ ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم ٥] يعني: عَلَّم النبي ﷺ هذا الوحي ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ أي: ذو القوة الشديدة، وهو جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير ١٩، ٢٠] فجبريل عليه السلام قوي شديد أمين كريم، لا يمكن أبدًا أن يفرط بهذا الوحي الذي نقله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء ١٩٣، ١٩٤]. ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾، ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ معناه: ذو القوى الشديدة، فهو من إضافة الصفة إلى موصوفها. ﴿شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ﴾ [النجم ٥، ٦]، ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ يعني: أنه قوي، والمرة: الهيئة الحسنة، فهو ذو قوة وذو جمالٍ وحسن. وقد رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق، فهو الذي نزل بهذا القرآن، حتى ألقاه على رسول الله ﷺ كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٣، ١٩٥]. وقوله: ﴿فَاسْتَوَى﴾ [الفتح ٢٩] أي: فعلًا، أو فكمل؛ لأن الاستواء في اللغة العربية تارة يذكر مطلقًا دون أن يقيد فيكون معناه: الكمال، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [القصص ١٤] أي: كمل. وتارة يقيد بـ(على) فيكون معناه: العلو، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف ١٢، ١٣]، فقال: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾، وقال: ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: علوتم عليه. ومنه قوله تعالى فيما وصف به نفسه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥] أي: علا عليه عز وجل، العلو خاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات. وتارة يتعدى بـ(إلى) يُقال: استوى إلى كذا، فيُفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت ١١]. وتارة يُقيد بالواو فيكون معناه: التساوي، مثل قولهم: استوى الماء والخشبة؛ أي: ساواها، فقوله هنا: فاستوى يحتمل أن المعنى: استوى: علا؛ لأن جبريل ينزل من السماء فيلقي الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يصعد إلى السماء، ويحتمل أن معناه: كمل ويكون كامل القوة، كامل الهيئة، كاملًا من كل وجه مما يليق بالمخلوقات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب