الباحث القرآني

ثم أعاد الله عز وجل إلى بيان حقيقة هذه الأصنام المعبودة، فقال: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [النجم ٢٣]، (إِنْ) هنا نافية بمعنى: ما، وهذا ضابط ينتفع به طالب العلم: أنه إذا أتت إلا مثبتة بعد (إِنْ) فـ(إِنْ) هنا تكون نافية، مثل: إن هذا إلا بشر، إن هذا إلا مجتهد، وما أشبه ذلك. فإن هنا نافية، بمعنى: ما هي إلا أسماء سميتموها؛ يعني: ما هذه الأصنام إلا مجرد أسماء لا حقيقة لها، أسماء سموها إلهًا، سموها معبودًا، ولكنه لا حقيقة لذلك، ما هي إلا مجرد أسماء، وهل الاسم يدل على مسماه؟ لا، لو أنك سميت الحديد خشبًا ما صار خشبًا، ولو سميت الخشب حديدًا ما صار حديدًا، ولو سميت البغل حمارًا لم يكن حمارًا، وهكذا، هذه الأصنام يسمونها آلهة هل تكون إلهًا؟ لا. مجرد اسم، والاسم بلا مُسمى لا فائدة منه، ولهذا قال: ﴿إِنْ هِيَ﴾ أي: ما هذه الأصنام والمسميات ﴿إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾، ﴿أَنْتُمْ﴾ المخاطبون الذين أدركوا البعثة، ﴿وَآبَاؤُكُمْ﴾ يعني: الأجداد السابقين، مجرد اسم ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾، ﴿مَا﴾ نافية يعني: أن الله عز وجل لم ينزل بها دليلًا، وسُمِّي الدليل سلطانًا؛ لأن صاحب الدليل معه سلطة يعلو بها على خصمه، ومن ليس له دليل ليس له سلطان، فالسلطان يأتي دائمًا بمعنى الحجة؛ أي: الدليل؛ لأن من معه الدليل ذو سلطة على خصمه. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [النجم ٢٣] ماذا تقولون في ﴿إِنْ﴾؟ ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ نافية بمعنى: ما بناء على الضابط اللي ذكرته لكم، أنه إذا جاءت (إلا) مثبتة بعد (إن) فـ(إن) تكون نافية، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ﴾ أي: هؤلاء وآباؤهم ﴿إِلَّا الظَّنَّ﴾ أي: الوهم الذي لا حقيقة له؛ لأنهم يقولون: هذه آلهة، على أي شيء اعتمدوا؟ على الوهم، فالظن هنا بمعنى الوهم؛ يعني: ما يتبع هؤلاء لقولهم: إنها آلهة إلَّا الظن؛ أي: الوهم، الخيال الذي لا حقيقة له، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ يعني: وما تميل إليه نفوسهم من الباطل. ثم قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم ٢٣] الجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المحذوف، واللام، و(قد)، والتعبير على هذا الوجه كثيرٌ في القرآن الكريم، وهو تأكيدٌ بثلاثة مؤكداتٍ، كما قلت لكم: القسم، واللام، و(قد)، القسم تقديره: والله لقد جاءهم من ربهم الهدى، واللام موجودة، و(قد) موجودة، فيؤكد الله عز وجل هنا أنه قد جاءهم من ربهم الهدى، وفي قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ﴾ لم يقل: من الله إشارة إلى أنه لا يجوز تلقي الشريعة إلا من عند الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب، والرب هو الخالق المالك المدبر. ﴿الْهُدَى﴾ فاعل جاء، والمراد به العلم المقابل بقوله: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ هم يتبعون الظن والعلم جاء من عند الله ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ أي: العلم على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام الذين خُتموا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب