الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى مستدلًّا بربوبيته على ألوهيته، قال: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور ٣٥]، (أم) نقول فيها ما سبق بمعنى: بل والهمزة؛ بل أخلقوا من غير شيء، أي: من غير خالق ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾؟
والجواب: لا خُلِقوا من غير خالقٍ ولا هم الخالقون؛ أما كونهم لم يُخْلَقوا من غير خالق فلأن القاعدة العقلية الحسية التي أجمع عليها العقلاء: أن كل مُحْدَثٍ لا بد له من محدِث.
هذه قاعدة اتفق عليها العقلاء، فإذا كان كل حادث لا بد له من مُحْدِثٍ، نظرنا في أنفسنا: نحن حادثون، أليس كذلك؟ قال الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان ١]، الواحد منا الذي له عشرون سنة، هو قبل اثنين وعشرين سنة ليس شيئًا مذكورًا، ولا يُعْرَف ولا يُدْرَى عنه، إذن نحن حادثون، كل حادث -يا إخوان- لا بد له من مُحْدِث، فهل أنتم خُلِقْتُم من غير محدِث؟ الجواب: لا، هذا جواب عقلي لا يُنْكَرُ. أم هم الخالقون لأنفسهم؟ الجواب: لا؛ لأنهم قبل أن يُوجَدُوا عدمٌ، وكيف يمكن للعدم أن يخلِق؟ لا يمكن هذا.
فإذا تبين أنهم لم يُخْلَقوا من غير خالقٍ، وأنهم لم يخلِقوا أنفسهم؛ تعيَّن أن يكون لهم خالق قادر على إيجادهم. من هو؟ الله عز وجل، لا يستطيع أحدٌ منهم أن يقول: إن الذي خلقني أبي أو أمي، لا يستطيع أحد ذلك أن يقول هذا، فإذا لم يكن كذلك تعيَّن أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، وإذا كان لهم خالق وهم مخلوقون مربوبون مُدبَّرون فالواجب أن يخضعوا لهذا الخالق وأن يعبدوه وحده، كما أنه هو الخالق وحده.
هذه الآية سمعها جبير بن مطعم، وكان قد قدِمَ على المدينة وهو مشرك، قدِمَ إلى النبي ﷺ في طلب الفداء لأسرى بدر، أظنه لا يخفى على كثير منكم أن بدرًا انتصر فيها النبي ﷺ وأصحابه والحمد لله، ونصرهم نصرٌ لنا، قتلوا من قريشٍ سبعين رجلًا، وأسروا سبعين رجلًا وجاؤوا بهم إلى المدينة، وانقسموا إلى أقسام: منهم من أطلقه النبي عليه الصلاة والسلام ومَنَّ عليه، ومنهم من فداه بمال، ومنهم من فداه بأسير، إن كان هناك أسير لا أدري، ومنهم مَن فداه بتعليم أهل المدينة الكتابة.
جبير بن مطعم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام يطلب فداء أسرى بدر؛ لأنه من صميم قريش، والأسرى أيضًا من قريش، ويظهر لي -والله أعلم- أن جبيرًا سمع قول النبي ﷺ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»[[أخرجه البخاري (٣١٣٩) من حديث جبير بن مطعم.]]. لأنكم تعرفون قصة جبير حين رجع النبي عليه الصلاة والسلام من الطائف أجاره، وصار يمشي معه من حين دخل مكة إلى أن وصل إلى الكعبة، وأمر أبناءه وهم متقلدو السيوف أن يقف كل واحد على ركن من أركان الكعبة؛ حتى لا يعتدي على الرسول أحد، فهو أحسن إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أبوه. هذا الإحسان قال النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أوفى الناس عليه الصلاة والسلام في كرمه، قال: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى». من هم النتنى؟ الأسرى، ووصفهم بأنهم نَتْنَى لأن المشركين نجس، والنتن هو الرائحة الكريهة، «فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».
جبير ابنه، فلعله -والله أعلم- سمع بهذه المقالة، فجاء إلى النبي ﷺ يطلب فداء الأسرى، «وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ في المغرب بسورة الطور لما بلغ هذه الآية:» ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ «قال جبير: كاد قلبي يطير»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٦٥)، ومسلم (٤٦٣ / ١٧٤)، وابن ماجه (٨٣٢) واللفظ له من حديث جبير بن مطعم.]]؛ لأن هذه حجة ملزمة لا يمكن أن يتخلص منها أحدٌ، قال: «ووقر الإيمان في قلبي»؛ معناه أنه دخل الإيمان في قلبه.
سبحان الله! انظر تأثير القرآن الكريم مع أنه ما دعاه الرسول ﷺ في تلك الساعة، لكن سمع هذه الآية العجيبة العظيمة فكاد قلبه يطير.
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾؟ الجواب بكل سهولة: لا، في الأمرين، لا خُلِقُوا من غير شيء، ولا هم الخالقون، بل لهم خالق وهو الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يمكن أن ينكر هاتين المقدمتين، كلاهما حجة قطعية تدمغ كل كافر؛ لأنه إذا قال: نعم وله خالق خلقه، قلنا: إذن لماذا لا تعبده؛ لأنك عبدٌ له مملوكٌ له؟
{"ayah":"أَمۡ خُلِقُوا۟ مِنۡ غَیۡرِ شَیۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَـٰلِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











