الباحث القرآني

﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٩] (كلوا) نعربها على أنه أيش؟ على أنه فعل أمر، وهل هذا الأمر تكليف ولَّا تكريم؟ تكريم، فالأمر هنا للتكريم؛ أي: يقال لهم: كلوا واشربوا، كلوا من كل ما في الجنة من النعيم، وفيها من كل فاكهة زوجان، وفيها فاكهة ونخل ورمان، وفيها من كل النعيم. ﴿وَاشْرَبُوا﴾ مما فيها من الأنهار. وأنهار الجنة ذكرها الله تعالى أربعة في سورة القتال، ﴿أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد ١٥] معنى ﴿غَيْرِ آسِنٍ﴾ أي: غير متغيَّر، المياه في الدنيا إذا لم يأتِها ما يمدها وبقيت راكدة لا بد أن تتغير فتكون آسنة، ماء الجنة لا يتغير غير آسن. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ اللبن في الدنيا إذا بقِيَ يتغير ويفسد، لكن في الآخرة لا. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ خمر الدنيا فيه رائحة كريهة، ثم فيه أنه يقلب العاقل إلى مجنون، فيه أيضا الصداع، فيه خراب المعدة، لكن في الجنة لا. ﴿أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾، وقد قال الله تعالى في سورة الصافات: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات ٤٧]. ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور ١٩] الهنيء هو الذي لا يكون له عاقبة سيئةٌ ولا تبعةٌ من تجاوز أو إسراف. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بسبب ما كنتم تعملون، فالباء هنا للسببية وليست الباء للعوض، أقول هذا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٥٦٧٣ / ٧٢) من حديث أبي هريرة.]]، وهنا قال: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل. فقال بعض العلماء: كيف يقول رسول الله ﷺ: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ»، مع أن الله يقول: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟ والجواب على هذا الإشكال أن يقال: الباء تأتي للسببية وتأتي للبدلية؛ فإذا قيل: دخل الرجل الجنة بعمله، فالمعنى السببية، وإذا قيل: لن يدخل الجنة أحد بعمله، فالمعنى البدلية. وأضرب مثلًا يبين هذا: بعتك الثوب بدرهم، الباء للبدلية؛ لأن الدرهم صار عوضًا عن الثوب، هذه للبدلية. وإذا قلت: أدَّبت الولد بعبثه، هذه للسببية. إذن كلُّنا لن يدخل الجنة بعمله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو حاسبنا على عملنا ما قابل عملنا نعمة من نعم الله؛ نعمة واحدة. النفس الآن الذي هو من ضرورة الحياة، يخرج منك ويدخل بدون تعب وبدون مشقة، وكم ينفس الإنسان في الدقيقة؟ كثيرًا، لو أننا حُوسِبنا على أعمالنا بالمعاوضة والمبادلة لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع العمل، أليس كذلك؟ ونحن الآن لا نحس بنعمة النفس، لكن لو أصيب أحد منا بكتم النفس لوجد أن النفس من أكبر نعم الله، لذلك نقول: إن الباء في قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ للسببية وليست للبدلية. وفي قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ شمول لكل العمل؛ عمل الجوارح والقلب واللسان. فالجوارح الأفعال كالركوع والسجود، والأقوال كالأذكار، والقلوب كالخوف والرجاء والتوكل، وما أشبه ذلك، فكل هذه تُسمَّى أعمالنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب