الباحث القرآني

ثم ذكر الله تعالى جزاء المؤمنين، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ [الطور ١٧]، هذه الجملة خبرية مؤكدة بـ(إن). وأشرح لكم التوكيد؛ إذا قلت مثلًا: العلم نافع، هذه جملة خبرية خالية من التوكيد. فإذا قلت: إن العلم نافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكد واحدٍ وهو (إن). فإذا قلت: إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكدين: (إن، واللام). فإذا قلت: والله إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي: (القسَم، وإن، واللام). والتوكيد أسلوب من أساليب اللغة العربية مستعمل عند العرب، وهذا القرآن نزل بلغة العرب، وإلا ففي الواقع أن خبر الله عز وجل لا يحتاج إلى توكيد؛ لأنه أصدق القول، فالرب عز وجل إذا أخبر بخبر فإنه لا يحتاج إلى أن يؤكَّد؛ لأن خبر الله صدق، لكن لما كان القرآن العظيم نزل بلسان عربي صار جاريًا على ما كان يعرفه العرب في لغتهم. وهنا أكد الله عز وجل هذه الجملة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ بماذا؟ بـ(إن)؛ يعني: بمؤكد واحد. ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾. من هم المتقون؟ المتقون هم الذين قاموا بطاعة الله امتثالًا لأمره واجتنابًا لنهيه، هذه هي التقوى. إذن التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فالذي يصلي امتثالًا لأمر الله نقول: هو متَّقٍ بصلاته، والذي يدَعُ الزنا نقول: هو متَّقٍ بترك الزنا. وإنما سمي ذلك تقوى؛ لأنه وقاية من عذاب الله، فإن الإنسان إذا قام بطاعة الله فقد اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل. هؤلاء المتقون يقول الله عز وجل: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾، و(جنات) جمع جنة، وهي الدار التي أعدَّها الله تعالى للمتقين في الآخرة، بدليل قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١٣٣]. نحن قلنا: التي أعدها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة. فهل يمكن أن تكون في الدنيا؟ نقول: أما بالنسبة لدخول الجنة التي هي الجنة، فهذا لا يمكن في الدنيا، أما بالنسبة لكون الإنسان يأتيه من نعيم الجنة ما يأتيه، فهذا يمكن، وذلك في القبر إذا سُئِل الإنسان عن ربه ودينه ونبيه، فأجاب بالصواب، فإنه يُفْرَش له فراش من الجنة، ويُفْتَح له باب إلى الجنة، ويُفْسَح له في قبره مَدَّ البصر. إذن (جنات) جمع أيش؟ وهي الدار التي أعدها الله للمتقين في الآخرة، وجمعها لأنها أنواع، ذكر الله في سورة الرحمن أربعة أنواع: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٤٦]، ثم قال: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٦٢] إذن هذه أربع، تختلف هذه الجنان الأربع فيما جاء في وصفهما في سورة الرحمن. يقول عز وجل: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ [الطور ١٧] (نعيم) أي: نعيم البدن ونعيم القلب، فهم في سرور دائم، وهم في صحة دائمة، وهم في حياة دائمة، فجميع أنواع النعيم كاملة لهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب