الباحث القرآني

﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: ٥٢] يعني: أن الأمر الذي حصل لك يا محمد حصل لمن قبلك؛ فقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ خبر مبتدأ محذوف، التقدير: الأمر كذلك؛ يعني: أن أمر الأمم السابقة كأمر هؤلاء الذين كذَّبوك يا محمد، وفسَّر هذه الكذلكة بقوله: ﴿مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ يعني: ما آتاهم رسول إلا قالوا كذا، و﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ زائدة من حيث الإعراب كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾ [المائدة ١٩] المعنى: ما جاءنا بشيرٌ ونذير، لكن تُزادُ الحروف في بعض الجمل للتأكيد. فـ﴿مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ يعني: ما آتاهم رسول إلا وصفوه بهذين الوصفين: ﴿إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ ساحر باعتبار تأثيره وبيانه وبلاغته؛ لأن النبي ﷺ قال: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»[[أخرجه البخاري (٥١٤٦) من حديث عبد الله بن عمر.]]. ﴿أَوْ مَجْنُونٌ﴾ يعني: أو قالوا مجنون باعتبار تصرفاته؛ لأن هذا التصرف في نظر هؤلاء المكذبين جنون نسأل الله العافية، وفي هذا تسليةٌ للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الإنسانَ إذا علم أن غيره أصابه ما أصابه تَسَلَّى بذلك وهان عليه الأمر، ولهذا قالت الخنساء تُماضِر، وهي ترثي أخاها صَخْرًا في رثاء لها: ؎وَلَوْلَا كَــثْرَةُ الْبَاكِـــــــينَحَـــــــوْلِي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْـــسَ عَـــنْهُبِالتَّأَسِّي وقد دل لذلك قولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩]؛ لأن الإنسان إذا شاركه غيره في العذاب هان عليه، لكن يوم القيامة لا ينفع الإنسان أن يشاركه غيره في عقوبته. المهم أن في هذه الجملة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام تسليةً له حتى لا يحزن، فإن ما أصابه قد أصاب غيره، وفيها أيضًا دليل على أن المكذبين للرسل طريقهم واحدة ولو تباعدت أزمانهم، ولو تباعدت أقطارهم؛ لأن المجرم أخو المجرم، فالطريقة واحدة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب