الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات ٣٥] أخرجناهم، أي: أمرناهم أمرًا قدريًّا فخرجوا، قال الله تعالى للوط: ﴿أَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود ٨١]. ﴿أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ مَنْ هم؟ لوط، وأهله إلا امرأته؛ ولهذا قال: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات ٣٦]. بيت واحد، قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله، وإلى ترك هذه الفاحشة، ما اتبعه أحد، حتى أهل بيته لم يخلصوا، فيهم مَن لم يؤمن بلوط، فانتبه يا أخي، انتبه يا أخي الداعية، لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المئة إلا عشرة، هذه نعمة. الرسل عليهم الصلاة والسلام يبقون في أممهم دهورًا كثيرة، ولا يتبعهم إلا القليل، لوط عليه الصلاة والسلام، مَن اتَّبعه مِن القرية؟ لا أحد، من اتبعه مِن أهله؟ اتبعه من أهله من اتبعه، وتخلَّف عن دعوته مَن تخلَّف؛ ولهذا قال: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. وهنا يتساءل الإنسان في نفسه؛ كيف قال: ﴿أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾؛ هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين في الآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليلًا على أن الإيمان والإسلام شيء واحد. وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نَجَوْا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته ما تتظاهر بالكُفْرِ، تتظاهر بأنها مسلمة؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم ١٠]، ليس المعنى ﴿خَانَتَاهُمَا﴾ بالفاحشة بل ﴿خَانَتَاهُمَا﴾ بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: يقال إنه مجتمع مُسْلِم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي. إذن نقول ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ إنما قال: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾؛ لأن امرأته ليست مؤمنة، ولكنها مسلمة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب