الباحث القرآني

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢١، ٢٢] السماء فيه رزقنا، فما رزقنا هذا؟ ذهب كثير من العلماء أن المراد بالرزق هنا المطر؛ لأن الله تعالى قال: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [غافر ١٣]. فقال: ﴿فِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ أي: المطر، وسُمِّي المطر رزقًا؛ لأنه سبب للرزق، إذا أنزل الله المطر أخرجت الأرض الماء والمرعى متاعًا لنا ولأنعامنا، وهذا رزق، كم من أناس يكونُ رزقهم على ما ينزل من المطر، من الزروع والحشيش والمياه وغيرها، بل إنَّ الله تعالى قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة ٦٨، ٦٩]. هل أحد يستطيع أن ينزِّل من المُزْنِ ماء؟! لا يمكن. هل أحد يستطيع أن يخلُق في المُزْنِ ماء؟ لا يمكن، الله عز وجل هو الذي يتولى ذلك، هذا هو مادة الرزق، لولا الماء لهلكنا، وتأملْ قولَه تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٦٩، ٧٠]. لم يقلْ: لو نشاء لم نُنْزِلْه، مع أنه لو شاء لم يُنْزِلْه، لكن قال: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٧٠] يعني: لو نشاء أنزلناه، لكن جعلناه أجاجًا مالحًا لا يمكن أن يشرب، وحسرة الإنسان على ماء بين يديه ولكن لا يستطيعه ولا يستسيغه أشد من حسرته على ماء مفقود؛ لأن ماءً موجودًا لا تنتفع به ولا تستطيع شُرْبَه أشدُّ حسرةً من ماء مفقود؛ ولهذا ذكَّرنا الله هذه الحال، أرأيتم الآن لو أن هذا المطر العذب الزلال اللذيذ صار أجاجًا مالحًا، ماذا تكون الحال؟ صعبة جدًّا؛ ولهذا قال: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٧٠]. يقول: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ إذن الرزق هو المطر، كما في الآية الكريمة: ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾ [غافر ١٣]. ويمكن أن نقول: إن الرزق الذي في السماء أعمُّ من ذلك، فقد يُقال: إن في السماء رزقنا من المطر، وما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ من المصالح والمنافع الجسدية من أموال وبنين وغيرِ ذلك، فيكون هذا القول أشملَ وأعم. واعلم أنه ينبغي أن يُراعِيَ المستدلُّ بالقرآنِ والسنة أن يراعي قاعدة مفيدة؛ وهي: إذا فسَّرنا النص القرآني أو النبوي إذا فسرناه بمعنى أقل وفسرناه بمعنى أعم، فأيهما نأخذ؟ نأخذ بالثاني بالأعم؛ لأنَّ الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، اللهم إلا إذا دلَّ دليل على أنه خاصٌّ فهذا يُتَّبَع فيه الدليل، لكن عندما لا يدل الدليل خذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، فهنا إذا قلنا: المراد بالرزق هنا ما هو أعم من المطر، فالجواب صحيح، فيدخل فيه المطر وغيره. وقوله: ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ يعني: وفيه الذي تُوعَدون، فما الذي نوعَد؟ الذي نوعد الجنة، فالجنة في السماء ليست في الأرض؛ ولهذا قال الله تعالى في قصة آدم: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا﴾ [البقرة ٣٨]، والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فالجنة في السماء، وقد أخبر النبي ﷺ أن الجنةَ درجات، وأن أعلاها الفِرْدَوسُ، وأنه أعلاها وأوسطها أيضًا، وهو إشارة إلى أن الجنَّاتِ مثل القُبَّة، أعلاها هو وسطُها، قال: «وِمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ»[[أخرجه الترمذي (٢٥٣٠)، وابن ماجه (٤٣٣١) من حديث معاذ بن جبل.]] إذن هي أعلى شيء، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها، إنه على كل شيء قدير. فالذي نُوعَدُ هو الجنة، الرزق في السماء، والجنة التي نوعدها في الآخرة في السماء. إذن نحن أهل الأرض مفتقرون إلى السماء في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي السماء رزقنا في الدنيا، وفيها ما نوعد في الآخرة وهو الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب