الباحث القرآني

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد. نبتدئ الآن بمعونة الله وتوفيقه الكلام على ما يتيسَّر منْ تفسيرِ القرآن الكريم؛ لأني أحب دائمًا أن يكون للمسلمين صلة في معرفة معاني كلامِ الله، فإن الله تعالى أنزل القرآن لهذا؛ فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩]، وتدبُّرُ الآياتِ يعني: تفهُّمَ معانيها، والتذكُّر يعني: الاتِّعاظ والعمل والتصديق. قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ [الذاريات ١، ٢] إلى آخره. اعلم أوَّلًا: أن البسملة آية من كتاب الله؛ لكنها آية لا تُحسَب من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، ولذلك نقول: إن الفاتحة أول آياتها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كما جاء ذلك صريحًا في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم[[(٣٩٥ / ٣٨).]] عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أن الله قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَإِذَا قَالَ:» ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ «قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:» ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ «قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:» ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ «قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:» ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ «قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ:» ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ «قَالَ اللَّهُ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». وبناء على ذلك لو قرأ الفاتحة بدون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست آية من الفاتحة، وتجدون في المصحف أنها معدودة من آياته، فهي رقم (١)، لكن هذا مبني على قول ضعيف، والصواب أن آياتها سبع: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ سبع آيات. يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾ [الذاريات ١ - ٤] أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات؛ لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى، ولما فيها من المصالح والمنافع. أما قوله: ﴿وَالذَّارِيَاتِ﴾ فالذاريات هي: الرياح تذرو التراب وغير التراب، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ [الكهف ٤٥] ﴿أَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ أي: تُفَرِّقه في أمكنة متعددة. وأقسم الله بالذاريات لما فيها من المصالح الكثيرة، ففي تصريفها حكمة بالغة؛ فمنها الرياح الدافئة، ومنها الرياح الباردة، على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل؛ ولأنها أيضًا -أعني الرياح- تثير سحابًا، فيسقي به اللهُ الأرض؛ ولأنها تسير السفن، ففيما سبق كانت السُّفن تجري على الرياح، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [يونس ٢٢]. وقوله: ﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ المراد بها: السحاب؛ تحمل المياه موقرة، أي: مثقلة محملة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾ [الرعد ١٢] فهي ثقيلة مُحمَّلة بمياه عظيمة؛ بحار، ولذلك تمطر الأرض فتجد الأرض أنهارًا بإذن الله عز وجل. إذن: الذاريات: الرياح، والحاملات: السحاب، والارتباط بينهما ظاهر؛ لأن الرياح هي التي تثير السحاب، وأيضًا هي التي تُلَقِّح السحاب بالماء، قال الله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الحجر ٢٢]. قال تعالى: ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾ ﴿الْجَارِيَاتِ﴾ هن السفن، ﴿يُسْرًا﴾ أي: بسهولة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة ١١] أي: في السفينة، هذه السفن تجري مُيَسَّرة بإذن الله عز وجل بما يسره الله تعالى من الرياح الطيبة. ﴿الْجَارِيَاتِ يُسْرًا﴾ هي: السفن، تجري بإذن الله عز وجل ميسرة مسهلة، وكلما كانت الريح مناسبة كان سيرها أيسر. جاءت السفن الآن النارية التي لا تحتاج إلى الرياح، فصارت أيسرَ وأيسر، تجدها قرى كاملة تمخُر عباب الماء، وتسير بسهولة. الارتباط بين هذه الثلاثة: أن السحب تَحمِلُ الأمطار فتنزل إلى الأرض، ويكون فيها الرزق للمواشي والآدميين. ﴿الْجَارِيَاتِ﴾ يعني: السفن، هي أيضًا تحمل الأرزاق من جهة إلى جهة، لا يمكن أن تصلَ مثلًا الأرزاق من جهة إلى جهة أخرى بينها وبينها بحر إلا عن طريق السفن. ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾ وهم الملائكة، وجمعهم؛ لأنه يجوز جمع المؤنث باعتبار الجماعات؛ يعني: فالجماعات المقسمات. ﴿أَمْرًا﴾ التي تُقسِّم الأمرَ أي: شؤون الخلق، ويحتمل أن يكون ﴿أَمْرًا﴾ أي: بأمر الله، والمعنى صحيح على كِلا التقديرين؛ فإن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام يُقسِّمون ما يريد الله عز وجل من أرزاق الخلق وغيرها بأمر الله عز وجل، هذه أربع جمل: الأولى؟ * طلبة: الذاريات. * الشيخ: الثانية؟ * طلبة: الحاملات. * الشيخ: الحاملات. الثالثة؟ * طلبة: الجاريات. * الشيخ: الرابعة؟ * طلبة: المُقَسِّمات. * الشيخ: كل هذه مُقْسَمٌ بها، المُقسَمُ عليه: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ [الذاريات ٥] يعني: ما وعدكم الله تعالى فهو وَعدٌ صادق، والصادق هو: المطابق للواقع؛ وذلك لأن الخبر نوعان: نوع يخالف الواقع، وهذا يسمى كَذِبًا، ونوع يطابق الواقع، وهذا يُسمَّى صدقًا، سواء كان المخبر عنه ماضيًا أو مستقبلًا. فأقسم الله عز وجل بهذه المخلوقات العظيمة على أن ما نُوعَدُ صادق، فلا بد أن يقع، إذا وقع ما نُوعَد وهو البعث يوم القيامة يتلوه الجزاء؛ ولهذا قال: ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات ٦] ﴿الدِّينَ﴾ يعني: الجزاء، وتعلمون أن الدين يطلق أحيانًا بمعنى الجزاء، وأحيانًا بمعنى العمل، ففي قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦] المراد به العمل، وفي قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار ١٧، ١٨] المراد به الجزاء. هنا ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ أي: الجزاء لا بد أنْ يقعَ؛ لأن الله على كل شيء قدير، وقد مر في سورة (ق) أن الله تعالى قال: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق ٤٤].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب