الباحث القرآني

وقد وصلنا إلى قوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾، قال الله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق ٦]، الاستفهام هنا للتوبيخ، يُوَبِّخُهم عز وجل، لماذا لم ينظروا في هذا؟ لماذا لم ينظروا إلى السماء وما فيها من عجائب القدرة الدالَّة على أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذِّبُون. وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ﴾ يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة؛ نظر البصر يكون بالعين، ونظر البصيرة يكون بالقلب، وهو التَّفَكُّر. وقوله: ﴿إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾، قد يقول قائل: إن كلمة ﴿فَوْقَهُمْ﴾ لا فائدة منها؛ لأن السماء معروفة أنها فوق، ولكن نقول: إن النص على كونها فوقهم إشارة إلى عظمة هذه السماء، وأنها مع عُلُوِّهَا وارتفاعها وسعتها وعظمتها تدل على كمال خالقها وقدرته جل وعلا. ﴿كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾، بناها الله عز وجل بقوة، وجعلها قوية، فقال جل وعلا: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾ [النبأ ١٢]، أي: قوية، وقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾، أي: بقوة، ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات ٤٧]. وهذا البناء لا نعلم كيف بناه الله عز وجل، لكننا نعلم أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، خلق الأرض في أربعة، والسماء في يومين، كما قال تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت ١٢]. وقوله: ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾، أي: حَسَّنَّا منظرها بما خلق الله تعالى فيها من النجوم العظيمة المنيرة المنتظمة في سيرها، وهذه النجوم قال قتادة -رحمه الله، وهو من أئمة التابعين- قال رحمه الله: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، وعلامات يُهْتَدَى بها، ورجومًا للشياطين، فمن ابتغى فيها شيئًا سوى ذلك فقد أضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به[[أخرجه الطبري في التفسير (٢٣ / ١٢٣).]]، يشير إلى ما ينتحله الْمُنَجِّمُون من الاستدلال بحركات هذه النجوم على الحوادث الأرضية، حتى إنهم يبنون سعادة الشخص وشقاءه على هذه النجوم، مثلًا يقولون: إذا وُلِدَ في النجم الفلاني فهو سعيد، وإذا وُلِدَ في النجم الفلاني فهو شقي، وهذا لا أثر له، أعني تحركات النجوم في السماء ليس لها أثر فيما يحدث في الأرض. ثم قال تعالى: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾، يعني: ليس في السماء من فروج، أي: من فُطُور وتَشَقُّق، بل هي مبنية مُحْكَمَة قوية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب