الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [ق ٣١]، أي: قُرِّبت للمتقين مكانًا ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾. ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا﴾ [ق ٣١، ٣٢] أي: ما تشاهدون من قرب الجنة، ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ أي: هذا الذي توعدون. فإن الله تعالى وَعَدَ المؤمنين العاملين الصالحات وَعَدَهُم الجنة، وصدق وعده عز وجل، ولكن لمن؟ ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾، الأوَّاب صيغة مبالغة من (آب يؤوب) بمعنى: رجع، أي: لكل أَوَّاب إلى الله، أي: رَجَّاع إليه. ﴿حَفِيظٍ﴾ أي: حفيظ لما أمرهم الله به، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ»[[أخرجه الترمذي (٢٥١٦).]]، المعنى: أنه حفيظ لأوامر الله، لا يضيعها ولا يقابلها بكسل وتَوَانٍ، بل هو نشيط فيها، وإذا أَذْنَبَ بِتَرْك واجب أو فِعْل مُحَرَّم تجده يرجع إلى الله، ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾، فهو أَوَّاب رَجَّاع إلى الله تعالى من المعاصي للطاعات، وكذلك ﴿حَفِيظٍ﴾: حافظ لما أمر الله به، محافظ عليه، قائم به، ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾. ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق ٣٣]، ﴿مَنْ﴾ هذه بدل مما سبقها. ﴿خَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ أي: خَافَهُ عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، الدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، فهي خشية، أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم. وقوله: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ لها معنيان؛ المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يَرَهُ، لكن رأى آياته الدالة عليه. والمعنى الثاني: خَشِيَهُ بالغيب، أي: بغَيْبَتِه عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس مَن يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله، مثل من؟ * طالب: المرائي. * الشيخ: المرائي، المنافق، إذا كان مع الناس تجده من أحسن الناس خشية، إذا انفرد لا يخشى الله. كذلك أيضًا من الناس مَن يكون عنده خشية ظاهرية، لكن القلب ليس خاشيًا لله عز وجل، فيكون بالغيب أي بما غاب عن الناس، سواء كان عمله في مكان خاص، أو ما غاب عن الناس في قلبه، فإن خشية القلب هي الأصل. ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ أي: جاء يوم القيامة، ﴿بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ أي: رَجَّاع إلى الله عز وجل، يعني أنه مات وهو مُنِيبٌ إلى الله، فهو كقوله: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]، المعنى أنه بَقِيَ على الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل إلى أن مات، إلى أن لقي الله؛ لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب