الباحث القرآني

نبدأ فيه كما هو العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونحن في سورة (ق) عند قوله تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق ٣٠]، ﴿يَوْمَ﴾ هذه ظرف زمان، والظروف الزمانية والمكانية وكذلك حروف الجر لا بد لها من متعلق، أي: لا بد لها من فعل، أو ما كان بمعنى الفعل تتعلق به. فما هو متعلق قوله: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ﴾؟ نقول: هو محذوف، التقدير: اذكر يوم نقول لجهنم، وليعلم أنه يوجد في اللغة العربية كلمات تُحْذَف، بل ربما جُمَل تُحْذَف، وذلك فيما إذا دَلَّ عليها السياق، فهنا الكلمة التي تتعلق بها كلمة ﴿يَوْمَ﴾ محذوفة، بتقدير: اذكر يوم نقول لجهنم: هل امتلأت وتقول هل من مزيد، يسألها الله عز وجل هل امتلأت؟ وهو يعلم سبحانه وتعالى أنها امتلأت أو لم تمتلئ؛ لأنه لا يخفى عليه شيء، لكنه يسألها: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾ ليُقَرِّر لها ما وعدها سبحانه وتعالى، فإن الله يقول: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]. فيسألها: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾، يعني: هل حصل ما وعد الله به؟ لأن الله تكفَّل بأن يملأ الجنة ويملأ النار. فتقول: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾، ﴿هَلْ﴾ هنا أداة استفهام، وهي حرف، هل هي استفهام طلب أو استفهام نفي؟ انتبهوا للفرق، هل هي استفهام طلب، بمعنى أنها تطلب الزيادة؟ أو استفهام نفي، بمعنى أنها تقول: لا مزيد على ما فِيَّ؟ في هذا للعلماء قولان؛ القول الأول: أن المعنى ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ أي: لا مزيد على ما فِيَّ، و (هل) تأتي لاستفهام النفي، كما في قوله تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر ٣]، أي: ما من خالق، وعلى هذا فتكون النار امتلأت، إذا قالت: لا مزيد على ذلك، فالمعنى أنها امتلأت، وقيل: (هل) للطلب، أي: تطلب الزيادة. وإذا اختلف العلماء في التفسير أو غير التفسير فالمرجع إلى ما قاله الله ورسوله، فلننظر أي القولين أولى بالصواب؟ ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ عَلَيْهَا قَدَمَهُ»، أو قال: «عَلَيْهَا رِجْلَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٦١)، ومسلم (٢٨٤٨ / ٣٧) من حديث أنس بن مالك.]]. فأي القولين أولى بالصواب؟ أنها استفهام طلب، يعني تطلب الزيادة، ولكن رحمة الله سبقت غضبه، يضع عليها عز وجل رجله على الوجه الذي أراد، ثم ينزوي بعضها، ينضم بعضها إلى بعض وتتضايق وتقول: لا مزيد على ذلك، أو وتطلب، ثم ينتهي الموضوع، فحَقَّت كلمة الله أنه ملأ جهنم من الْجِنَّة والناس أجمعين. في الحديث الذي سُقْتُه إثبات القَدَم أو الرِّجْل لله عز وجل، فهل هو قَدَم حقيقة، أو قَدَم بمعنى الْمُقَدَّم، يعني يضع الرب عز وجل مَن يُقَدِّمُهم إلى النار حتى يملأها؟ وهل الرِّجْل الرِّجْل حقيقة، أو الرِّجْل بمعنى الطائفة؛ لأنه يُقَالُ: رِجْل من جراد، مثل طائفة من جراد، أيهما أولى؟ الأول، يعني أن المراد رِجْل حقيقة لله عز وجل، إلا أنها لا تشبه أرجل المخلوقين بأي وجه من الوجوه، نعلم عِلْم اليقين أنها ليست مثل أرجل المخلوقين، من أين علمنا أنها ليست مثل أرجل المخلوقين؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا، من أين علمنا أن رِجْل الله لا تشبه ولا تماثل أرجل المخلوقين؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا، من قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١]. والمقصود من قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ﴾، هو تحذير الناس؛ لأن كل واحد منا لا يدري أيكون من حطب جهنم، أو يكون ممن نَجَّى منها، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب