الباحث القرآني

ثم قال عز وجل لما ذكر عموم علمه بعد هذه الأحكام العظيمة قال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ﴿اعْلَمُوا﴾ أي: علمًا يحصل به الامتثال، ﴿اعْلَمُوا﴾، فيجب علينا أن نعلم؛ لأن الله أمرنا بذلك، ﴿أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: المؤاخذة بالذنب، وسميت المؤاخذة بالذنب عقابًا؛ لأنها تعقبه، و﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: قوي، كمًّا وكيفًا، أو كيفًا فقط؟ * طلبة: الأول. * الشيخ: تأملوا. * طلبة: كمًّا. * طلبة آخرون: الأول. * الشيخ: كمًّا لا يمكن؛ لأن الله يقول: ﴿مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام ١٦٠]، لكن كيفًا صحيح، ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: قوي العقاب إذا عاقب المذنب. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يعني: واعلموا أيضًا أنه مع شدة عقابه غفور عن الذنوب، رحيم بعباده جل وعلا لا يكلفهم ما يشق عليهم، وإذا أخلُّوا به فهو يرحمهم عز وجل بالعفو. قارن بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر ٤٩، ٥٠] تجد بينهما فرقًا؛ الفرق أن الآية ﴿نَبِّئْ﴾ أمر من الله للرسول أن ينبئ الخلق، وقدِّم الوصف بالمغفرة والرحمة على العذاب الأليم؛ لأن المقصود الإخبار عن صفة الله عز وجل، فقدِّم الجانب الذي فيه اللطف والإحسان، وهذه ذكرت عقيب أحكام عظيمة قد يُخِل بها المرء، فقدِّم فيها جانب أيش؟ جانب التهديد. ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. * في هذه الآية الكريمة: وجوب العلم عن يقين؛ لقوله: ﴿اعْلَمُوا﴾. * ومن فوائدها: أن الله تعالى شديد العقاب لمن خالف أمره، سواء بفعل ما حرَّم أو بترك ما أوجب. فإن قال قائل: ظاهر هذه الآية: أن الله سيعاقب من خالف أمره على كل حال؟ فالجواب: أنك إذا قرأت آخرها تبين لك أنه في مقابل ذلك هو غفور رحيم، ثم اقرنها بالآية أخرى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات العقاب، وهو مؤاخذة المذنب بما يستحقه من العقوبة. * ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين الكريمين وهما (الغفور والرحيم)، الغفور؛ أي: ذو المغفرة، كما قال عز وجل: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد ٦]، والرحيم يعني ذا الرحمة، كما قال الله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الأنعام ١٣٣]، فنثبت هذين الاسمين لله عز وجل، ونثبت ما دلا عليه من الصفة؛ وهي المغفرة في (غفور)، والرحمة في (رحيم). وهل يثبت الأثر؛ يعني: الحكم المترتب على هذه الصفة؟ الجواب: نعم، يغفر لمن يشاء، ويرحم من يشاء. ما الذي يترتب على هذين الاسمين والإيمان بهما؟ يترتب على ذلك أن يتعرض الإنسان لمغفرة الله عز وجل بفعل الأسباب التي توجبه، ويتعرض لأيش؟ للرحمة بفعل الأسباب التي تحصل بها الرحمة، عكس ما يظن بعض العوام، بعض العوام إذا نهيته عن معصية قال: الله غفور رحيم، فيظن أن هذا من باب تهوين المخالفة على العبد، وليس كذلك، بل هذا حثٌّ للعبد أن يفعل ما به المغفرة والرحمة. * من فوائد هذه الآية: الجمع بين أسماء الله تبارك وتعالى التي ينتج من الجمع بينها وصف زائد على الوصف الذي تفيده بدون اجتماع. فمثلًا: إذا قلنا: إنه غفور رحيم، صار المعنى: أنه غفور للذنوب، ورحيم لحصول المطلوب في الطاعات؛ ولهذا كان المعصية الواحدة بواحدة، والطاعات الواحدة بعشر، إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب