الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٩٦ - ٩٨]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾، لما بيَّن الله سبحانه وتعالى في الآيات الماضية حكم صيد البر للمحرم ذكر حكم صيد البحر فقال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾، والمحِل هو الله عز وجل؛ لأنه الذي بيده التحليل والتحريم والإيجاب. وقوله: ﴿لَكُمْ﴾ الخطاب للمقيمين في البلاد بدليل قوله: ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ أي: السائرين؛ أي: المسافرين يتزودونه بأمتعتهم. وقوله تعالى: ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ ﴿صَيْدُ﴾ بمعنى (مصيد)، وهو ما أخذ حيًّا، ﴿وَطَعَامُهُ﴾ ما يطعم بدون صيد، وهو ما يلفظه البحر من السمك والحوت، فيكون على هذا كل ما في البحر حلال، كما سيأتي إن شاء الله في الفوائد. وقوله: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ ﴿مَتَاعًا﴾ مفعول من أجله؛ أي: من أجل أن تتمتعوا به، وقد بيَّن الله تعالى في آيات أخرى أنه سخر البحر لنأكل منه لحمًا طريًّا، وكما هو مشاهد الآن أن لحم البحر من أطيب اللحوم. وقوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ ﴿حُرِّمَ﴾ المحرِّم هو الله عز وجل، وقوله: ﴿صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ هل المراد بصيد البر مصيدُه؛ أي: ما صيد، أو المراد أن تصيدوه؟ * طالب: الثاني. * الشيخ: الثاني هو المراد؛ لأن المصيد فيه تفصيل على ما سبق؛ يعني: حرِّم عليكم أن تصيدوا صيد البر، هذا المعنى يحتاج إلى تقدير، والتقدير: صيدكم صيد البر؛ لأن البر لا يُصاد، فلا بد من تقدير. أما إذا قلنا: إن الصيد بمعنى المصيد، فإنه لا حاجة إلى التقدير، ويكون معنى ﴿صَيْدُ الْبَرِّ﴾ يعني: ما صيد فيه، وقد مر علينا أن الصيد المحرَّم كل أيش؟ حيوان بري حلال متوحش. وقوله: ﴿مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ أي: حالة كونكم محرمين حتى تحلوا. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذا أعمُّ ما قيل في تفسير التقوى أنها: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه. ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (الذي) صفة للاسم الكريم (الله)، و﴿إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ صلة الموصول، وقُدِّم الجار والمجرور على عامله لإفادة الحصر ولتناسب رؤوس الآيات، ففي ذلك فائدة معنوية وفائدة لفظية؛ الفائدة المعنوية: الحصر، والفائدة اللفظية: مناسبة رؤوس الآيات. ومعنى ﴿تُحْشَرُونَ﴾ أي: تجمعون إليه، وذلك يوم القيامة، فإن الناس يحشرون إلى الله تبارك وتعالى كما جاء ذلك في السنة مبينًا. * في هذه الآية فوائد؛ منها: حِلُّ صيد البحر للمحلين والمحرمين، ويؤخذ من قوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾. * ومن فوائدها: أنه لو وجد ماء فيه سمك داخل حدود الحرم فإنه يكون حلالًا؛ لعموم قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾، ثم قال: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، وهذا هو القول الراجح. وقال بعض أهل العلم: بل هو حرام وفيه الجزاء؛ لأنه في مكان آمن. وقال آخرون: هو حرام لكن لا جزاء فيه، ولكن ظاهر الآية الكريمة أنه حلال. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن جميع حيوان البحر حلال، يؤخذ من الإضافة ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ﴾، والإضافة تقتضي العموم، فيشمل كل ما في البحر من سمكٍ وحيتانٍ، صغير وكبير، مشابه للإنسان، مشابه للذئاب، مشابه للخنزير، أي شيء؛ لأنه عام ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن جميع ما في البحر مما يطعم من سمك وأشجار وغيرها حلال؛ لعموم قوله ﴿وَطَعَامُهُ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان حكمة الله عز وجل في حل صيد البحر دون صيد البر؛ لأن الأول تناوله سهل ولا يلهو به الإنسان كما يلهو به في صيد البر، ثم هو صيد خفي في باطن المياه، فلا يكون كالصيد الظاهر على سطح الأرض. * ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى جواز ادِّخار لحم البحر، تؤخذ من قوله: ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ يعني: السائرين في السفر. وهل مثل ذلك لحم صيد البر؛ يعني في غير الإحرام؟ الجواب: نعم، لكن يشترط في ذلك ألَّا يصل إلى حد الضرر، فإن وصل إلى حد الضرر بأن أنتن وقبحت رائحته وخيف على الإنسان منه صار إما مكروهًا، وإما حرامًا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء ٢٩]، وقوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة ١٩٥]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم صيد البر على المحرمين؛ لقوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾. وقد عرفتم هل المراد مصيده أو صيده؟ فإن كان المراد صيده فالأمر ظاهر، ولا إشكال فيه أنه يحكم على المحرم أن يصيد صيد البر، لكن إذا قلنا: المراد المصيد، فهل نأخذ بعموم الآية ونقول: إن المصيد من البر حرام على المحرم سواء صاده هو، أو صيد لأجله، أو صاده حلال لغيره؟ وقد عرفتم الخلاف في هذا؛ أن بعض العلماء يقول: إن المحرم لا يجوز أن يأكل من صيد البر سواء صيد له أو صيد لغيره أو صاده بنفسه، وبيَّنا فيما سبق أن القول الراجح من أقوال العلماء: أنه إن صاده المحرم فهو حرام، وإن صيد له فهو حرام، وإن صاده حلال لنفسه فهو حلال للمحرم، وهذا هو القول الراجح الذي تجتمع فيه الأدلة. * ومن فوائد هذه الآية: أنه لا يحل الصيد؛ صيد البر لمن حلل التحلل الأول، وجه ذلك: أن من حل التحلل الأول لم يزل محرمًا، باقٍ عليه من محظورات الإحرام النساء، أفهمتم؟ هذا ما ذهب إليه بعض أهل العلم وقال: إنه لا يحل الصيد بعد التحلل الأول كما لا يحل النساء، ولكن قد دلت السنة على أنه إذا حلَّ التحلل الأول حلَّ له كل شيء إلا النساء[[أخرج أبو داود (١٩٧٨) من حديث عائشة : «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ».]]. بقي أن يقال: الذي يحل التحلل الأول سيكون في منى، ومنى من الحرم، فهل تجيزون للمحرم في هذا المكان أن يصيد؟ الجواب: لا، لا نبيح له ذلك؛ لأنه في الحرم، وصيد الحرم حرام على المحِل وعلى المحرم، لكن لو فرض أن هذا المحرم خرج إلى عرفة، وعرفة من الحل، فهل يجوز أن يصيد أو لا؟ ينبني على الخلاف؛ من قال: إن الصيد لا يحل للتحلل الأول قال: لا يحل أن يصيد، ومن قال: إنه يحل له كل شيء إلا النساء -وهو القول الراجح- قال: له أن يصيد. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب تقوى الله تعالى والحذر من مخالفته فيما فرضه من هذه الأحكام؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التحذير من عقوبة اليوم الآخر؛ لقوله: ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. * ومن فوائد الآية: إثبات اليوم الآخر الذي يكون به الحشر إلى الله عز وجل؛ لقوله: ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحشر إلى الله لا إلى غيره، فهو الذي يتولى عقاب عباده أو إثابتهم، وهو نظير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية ٢٥، ٢٦].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب