الباحث القرآني

ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة ٩٢]، أطيعوا: فعل أمر من الإطاعة، وهي الانقياد، والمراد بالانقياد هنا فعل الأوامر واجتناب النواهي، وعليه فإذا قال الإنسان: ما المراد بطاعة الله؟ نقول: فعل أوامره واجتناب نواهيه. ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ الخطاب لا شك أنه لهذه الأمة، وعلى هذا فتكون (أل) في الرسول للعهد، أي العهود؟ الذهني، يعني أطيعوا الرسول محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أرسله الله عز وجل. فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن الله أرسله؟ نقول: الدليل على أن الله أرسله: ما أيده به من المعجزات التي أعظمها القرآن الكريم، ثم ما يشاهد من الآيات الحسية التي لا يقدر بشر أن يأتي بها، لا الرسول ولا غيره، آيات واضحة على رسالته، وهي أكثر من أن تحصَى. ومن أراد المزيد من ذلك فعليه بمراجعة آخر كتاب الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد عقد فصلًا مفيدًا جدًّا في آيات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن أراد المزيد أيضًا فعليه بما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في آخر سيرة النبي ﷺ، فقد ذكر كثيرًا من الآيات في السماء وفي الأرض، في الإنسان وفي الحيوان، ولا حاجة إلى أن نذكر شيئًا كثيرًا منها، لكنها موجودة والحمد لله. وينبغي لنا أن نحرص على معرفة هذه الآيات؛ لأن الإنسان بشر، والشيطان حريص، قد يهاجم القلب ويضعف الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إذا راجع الآيات ازداد بذلك إيمانًا، فعليكم بها. ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ احذروا: أي من معصية الله ورسوله، يعني احذروا المعصية، معصية الله ورسوله، ولم يأمرنا الله تعالى بشيء إلا لمصلحتنا، ولم ينه عن شيء إلا لمضرتنا. ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي أعرضتم عن طاعة الله وعن طاعة رسول الله؛ فإنكم لن تضروا الله ولا رسول الله، لن تضروا الله ولن تضروا رسول الله، أما كون الإنسان لا يضر الله بمعصيته فأمر ظاهر، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٧] وقال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر ٧] وقال تعالى في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي»[[ أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]. كذلك المتولِّي لا يضر النبي ﷺ، لماذا؟ لأن النبي ﷺ قد بلغ وأدى الأمانة، ولا يُلام على معصية غيره، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ [الذاريات ٥٤]، فهم لن يضروا الرسول ﷺ بمعصية الله؛ لأنه بلغ وأدى الأمانة ونصح الأمة، ولهذا قال: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾، (اعلموا) أمر بالعلم، ومعلوم أننا يجب أن نعلم كل ما أخبر الله به عن نفسه وعن غيره، لكن هذا علم خاص ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾، وهنا نسأل عن إعراب ﴿أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾، كيف نعرب ﴿أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؟ * طالب: (أنما) أداة حصر لا محل لها من الإعراب، (على رسولنا) جار ومجرور، (رسول) مجرور بـ (على)، و(نا) مضاف إليه، وشبه الجملة في محل رفع مبتدأ. * الشيخ: ساعد أخاك. * طالب آخر: (...) خبر مبتدأ مقدم، و(البلاغ) مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، و(المبين) صفة. * الشيخ: صفة. * الطالب: صفة للبلاغ. * طالب: والجملة المتكونة من حرف الحصر وما بعده في محل نصب سدت مسد مفعولي اعلموا. * الشيخ: هل يمكن أن يكون هناك وجه آخر في الإعراب وأن نقول: أن الذي على رسولنا البلاغ المبين؟ انظر للكتابة: الكتابة (أن) مقرونة بـ(ما) هذا عندي وعندكم كذلك. لو كانت موصولة لفُصلت عن (أن)؛ لأن (ما) الموصولة إذا كانت اسمًا لـ(أن) أو لـ(إن) فإنها تفصل عنها. وهنا قد يقول قائل: لعل هذه القاعدة وهي اتصال (ما) الموصولة بـ(إن) كانت قاعدة قديمة في خط المصحف؟ فنقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأن (ما) إذا اتصلت بـ(إن) أو (أن) فهي تكفها عن العمل وتجعل الجملة فيها حصر. قوله: ﴿أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ﴾ يعني التبليغ، وأصل التبليغ من: بلغ الشيء كذا؛ أي: وصل إليه، أي: عليه أن يوصل الوحي الذي أوحاه الله إليه إلى المرسَل إليه، هذه وظيفته، ليس له أكثر من هذه الوظيفة. ﴿الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ من (أبان) المتعدي، وليست من (أبان) اللازم، أبان اللازم تقول: أبان الصبحُ، كما تقول: بان الصبحُ، (أبان) المتعدي تتعدى للمفعول به، فهنا نقول: المبين أيش؟ من أبان المتعدي أو اللازم؟ المتعدي، يعني البلاغ الذي أبان الحق، وذلك لفصاحته عليه الصلاة والسلام وحلاوة كلامه ووصوله إلى القلب حينما يصل إلى الأذن واقتناع النفس به، فلهذه الأوصاف كان بلاغ النبي ﷺ مبينًا بما يبلغه صلوات الله وسلامه عليه. في هذه الآية الكريمة مناسبة لما قبلها، وهي أن الله تعالى لما أمر بالانتهاء واجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام؛ أمر بطاعته عمومًا، وحذر من مخالفته. * فيكون فيها من الفوائد أولًا: وجوب طاعة الله ورسوله؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. * ومن فوائدها: أن طاعة النبي ﷺ مستقلة، بمعنى أنه إذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء لا نقول: هل يوجد في القرآن هذا الأمر أو لا يوجد، بل طاعته مستقلة. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله: ﴿أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. * ومن فوائدها: أن النبي ﷺ يمتاز عن غيره بالرسالة، ولا يمتاز عن غيره بأنه رب يفعل ما يشاء، بل هو نفسه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا؛ لقوله: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. * ومن فوائده: أن الرسالة من أفخر الأوصاف التي يتصف بها العبد؛ لقوله: ﴿الرَّسُولَ﴾، ولا شك أن الرسول يفضل ويشرف بحسب منزلة مرسِله، أتوافقون على هذه الجملة؟ نعم توافقون إن شاء الله، نعم لو جاء رسول من عند رجل شريف عالي المنزلة فهل يكون في نفوسكم كرسول جاء من عامة الناس؟ لا أبدًا، بل يكون في نفوسنا لهذا الرسول بمقدار ما يستحقه من منزلة من أرسله، فعليه تكون الرسالة فخرًا لمن أرسل. وهل مقام النبوة أفضل أو مقام الرسالة؟ مقام الرسالة؛ لأن الرسول نال مقام النبوة ومقام الرسالة، مقام النبوة فيما أُوحي إليه، ومقام الرسالة بما كُلف بتبليغه، فيكون أشرف، خلافًا لأهل الباطل الذين يقولون: أفضل بني آدم الولي، ثم النبي، ثم الرسول، معللين بأن الرسول خادم، والنبي من النبوة، وهي العلو والارتفاع، والولي من الولاية، وهي أخص، ويقول شاعرهم: ؎مَقَامُ النُّبُــــــــــوَّةِ فِي بَرْزَخٍ ∗∗∗ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِي قاتله الله، فويق الرسول يعني ما هناك فرق بيِّن. بالنسبة للولي؟ بعيد، دون الولي، ولقد ضل ضلالًا مبينًا؛ لأن النبي وليّ وزيادة، والرسول ولي ونبي ورسول، لكن الله يقول: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور ٤٠]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التحذير من معصية الله ورسوله؛ لقوله: ﴿وَاحْذَرُوا﴾، وكلمة (احذروا) التي حذف مفعولها أشد وقعًا من (احذروا) إذا ذكر مفعولها؛ لأنها أبلغ في التخويف، كأن المتكلم اقتصر عليها دون متعلقاتها. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأصل في أوامر الله ورسوله الوجوب؛ لأن التحذير لا يكون إلا من شيء يأثم به الإنسان، فإن ما لا إثم فيه لا يكون الحذر منه. وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل الأصول؛ أصول الفقه؛ فمنهم من يقول: الأصل في الأمر الوجوب، ومنهم من يقول: الأصل فيه الندب، ومنهم من يقول: أما في الآداب فهو للندب، وأما في العبادات التي هي حق الله فهي للوجوب، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه، لكن الشيء الذي يهمنا هو أن الإنسان إذا سمع أمر الله ورسوله لا يتردد فيقول: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ هذه عبارة منتقَدة: (هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟)، الأصل أن الأمر الموجَّه من خالقك أو رسوله الذي أرسله إليك أن يكون ملزِمًا، هذا هو الأصل، وإلى ساعتي وإلى ساعتكم أنتم لم يعهد من الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أمرهم بأمر قالوا: يا رسول الله، هل هذا واجب علينا ولّا مستحب، أبدًا، وخير لنا أن نقتفي آثاره. نعم لو أن الإنسان تورط في المخالفة فإن السؤال عن الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب قد يكون وجيهًا، كيف ذلك؟ إذا كان واجبًا وجب عليه أن يحدث عنه توبة ويتوب إلى الله من ذلك، وأما إذا لم يكن واجبًا فالأمر سهل، لكن كلامي على أول ما يرد عليك الأمر لا تتردد، افعل ما استطعت، أما إذا جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا جاء أنك مخيَّر فأنت مخير، كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بَريرة أن ترجع إلى زوجها مُغِيث ، وكانت بَريرة عَتقت وزوجها رقيق، فلما عتقت ملكتْ نفسها، فخيرها النبي عليه الصلاة والسلام، قال: «إِنْ شِئْتِ أَنْ تَبْقَيْ مَعَ مُغِيثٍ فَابْقَيْ، وَإِنْ شِئْتِ أَلَّا تَبْقَيْ فَلَا (...)». قالت: لا أريد البقاء معه. فحزن مغيث عليها وجعل يبكي وراءها في أسواق المدينة، يريد أن تَرجع إليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ لِبَرِيرَةَ وَبُغْضِ بَرِيرَةَ لِمُغِيثٍ؟»[[أخرجه البخاري (٥٢٨٣) من حديث ابن عباس.]]. ما جوابكم أنتم؟ بلى نعجب؛ لأن الغالب أن القلوب إذا تآلفت فهي تتآلف من الجانبين، فأمرها أن ترجع إليه، قالت له: يا رسول الله، إن كان أمرًا فسمعًا وطاعة -ولم تقل: إن كان أمرًا على سبيل الوجوب- إن كان أمرًا فسمعًا وطاعة، وإن كانت مشورةً فلا رغبة لي فيه. قال: «بَلْ مَشُورَةً»، هذا صرح النبي عليه الصلاة والسلام بأن الأمر ليس للوجوب، بل للمشورة. ولما قال: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» قام الأقرع بن حابس قال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال: «لَا»[[أخرجه مسلم (١٣٣٧ / ٤١٢) من حديث أبي هريرة. ]]. فالحاصل أن نقول: الأصل في الأمر الوجوب، وأن تفعل ما أمرت، ولا تسأل تتردد؛ لأن المسألة خطيرة إذا ترددت، قال الله عز وجل: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠] أعاذنا الله وإياكم من ذلك، وقال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ بعدها ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق ٥] متقلب غير مستقر؛ لأنهم كذبوا بالحق لما جاءهم، فاقبل -يا أخي- الحق ولا تتردد، ولا تقل: واجب أو مستحب، لكن كما قلت لكم: إذا تورطت في شيء فلا بأس. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن تولي الناس عما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يضره؛ لقوله: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. ويتفرع على ذلك: أن الداعية إلى الله في وقتنا وفيما قبلنا لا يضره ألا يقبل الناس منه؛ لأنه أدى الواجب، وينبغي أن يفرح نفسه بأنه أدى الواجب، وألا يحزن بعدم قبولهم دعوته؛ لأن الله تعالى قال للرسول: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل ١٢٧]، لكن ربما نقول: يحزن لعدم قبول الشريعة، لا لعدم قبولهم منه، والفرق بين هذا وهذا واضح. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ لا يستطيع أن يهدي أحدًا؛ لأنه بلغ البلاغ المبين، ومع ذلك حصل المخالفة والتولي. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ بلغ البلاغ المبين، ففيه إبطال لقول أهل التفويض فيما يختص بأسماء الله وصفاته الذين قالوا: إن الرسول ﷺ لم يبلغ البلاغ المبين، ولا يعرف ما قال، وإنما ألقى كلامًا للناس كأنه حروف هجائية أو ألغاز. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن بلاغ الرسول ﷺ بلاغ مبين، لا عي فيه ولا تعقيد ولا إشكال، بل هو بين في نفسه مبين لغيره؛ لقوله: ﴿الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الرجوع إلى قول النبي ﷺ؛ لقوله: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾، وأنه عليه الصلاة والسلام قام بالواجب، فعلينا نحن أن نقوم بالواجب. هل يمكن أن نأخذ منه: أن من لم تبلغه الرسالة فهو معذور؟ يمكن أن نأخذ منه أن من لم تبلغه الرسالة فإنه معذور، أو بلغته على وجه مشوش فإنه معذور، ولكن الثاني الذي بلغته على وجه مشوش يكون واجبًا عليه أن يطلب الوصف الصحيح لهذه الرسالة التي بلغته، وألا يسكت ويقول: الأمر ما بان لي ولا يلزمني، بل يجب أن يبحث، أما إذا كان الأمر لم يعلم به إطلاقًا فهذالم تقم عليه الحجة فهو معذور. فلو رأينا رجلًا لم يسمع عن الشرع شيئًا، عن الإسلام، في الكهوف والجبال والأدغال يرعى الغنم ويحلب الإبل، ما يعلم من شيء، فهل نقول: إن هذا معذور أو غير معذور؟ معذور، لا شك أنه معذور، ولكن إذا ذكر له أن هناك رسالة وجب عليه أن يبحث، وحينئذ قد نقول: إن هذا الذي بلغه ترتفع به الحجة؛ لأن الواجب أن يسأل. الآية الكريمة: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء ٥٩] هل يمكن أن تتعارض طاعة الله ورسوله؟ لا يمكن، ولا يمكن أن تتعارض طاعة النبي ﷺ بالنصوص الواردة عنه، فإذا رأينا حديثًا يناقض ما في القرآن فإننا نحكم برده، وإن لم نعرف سنده، بل ولو عرفنا سنده فإننا نقول: هذا منكر إذا خالف القرآن، لا يمكن أن يكون الله يأمر بطاعته وطاعته مقدمة على كل شيء وبطاعة الرسول، لو كان هذا أننا نأخذ بما يتناقض من الكتاب والسنة لكانت مستحيلة. من ذلك ما يذكر عن النبي ﷺ في لحوم البقر أنها داء وفي ألبانها أنها دواء أو شفاء، هذا بدون أن ننظر إلى سنده نحكم بأنه باطل ولا يصح، لو كان لحومها داء هل يمكن أن يحلها الله لعباده؟ لا يمكن أبدًا، لو كان لحمها داء ما أحلها الله للعباد أبدًا؛ لأن الله تعالى لا يحل لعباده ما كان ضررًا عليهم. حتى لو قال قائل: يمكن أن نحمل هذا الحديث على أكل لحم البقر بدون طبخ، هل يصح هذا؟ لا، لماذا؟ لأن أكله بدون طبخ نادر، ولا يمكن أن يحمل الحديث على الشيء النادر، والشيء بالشيء يذكر، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٥٢)، ومسلم (١١٤٧ / ١٥٣) من حديث عائشة. ]]، بعض العلماء يقول: المراد من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه، أما صيام الفرض كصيام رمضان والكفارة فلا يصام عن الميت. فيقال: سبحان الله! أنتم صححوا الحديث ثم نقحوا المراد، صيام النذر بالنسبة لصيام الفرض والكفارة كثير أو نادر؟ نادر، كيف تحملون الحديث على شيء نادر وتتركون الشيء الكثير، ولهذا كان القول الراجح أن من مات وعليه صيام، سواء كان واجبًا بالنذر أو بأصل الشرع فإنه يصام عنه. * طالب: أشكل علي فيما لو بلغ الإنسان الدين على وجه مشوش أننا لا نعذره بالجهل، يعني يا شيخ هذا البلاغ كأنه لا بلاغ؟ * الشيخ: لا، اصبر، ما نقول: لا، نقول: قد لا نعذره لتركه الواجب، وهو البحث. * طالب: إنسان عامي أو عجوز في داخل أوربا، وما أشبه ذلك، والإعلام غطى عليهم ولا يعرفون شيئًا؟ * الشيخ: سبحان الله، كل شيء محتمل، إذا بلغه أن محمدًا رسول الله ﷺ، وأنه أتى لجميع الخلق، وأن من خالفه فهو في النار، ومن وافقه ففي الجنة، يسمع هذا. * طالب: (...) عربي يقول: إنه رسول. * الشيخ: وليس بصادق، هذا نعم قد يكون معذورًا، خصوصًا إذا كان الذي أخبره ممن يعد من رؤسائهم في الدين، قد يكون معذورًا، ولهذا لما «أنكر عمر على الرجل الذي قرأ في سورة الفرقان خلاف ما كان يعرفه عمر أنكر آية من كتاب الله ظانًّا أن الرجل أخطأ فيها، حتى ذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال «هَكَذَا أُنْزِلَ» لقراءة الرجل، و«هَكَذَا أُنْزِلَ» لقراءة عمر»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤١٩)، ومسلم (٨١٨ (٢٧٠) من حديث عمر بن الخطاب.]]. والمسألة هذه الناس فيها طرفان ووسط، طرف يغلو في التكفير ويقدم على التكفير ويقول: لا يعذر بالجهل في أصل الدين، وهذا غير صحيح، قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل ٤٣، ٤٤] وقسم آخر لا، يغلو في رفع التكفير حتى وإن كان الإنسان في حال يحكم في كفره يقول: لا، والقول الوسط هو الوسط أن نقول: من لم تبلغه فهو معذور، ومن بلغته ولم يفهمها فهو معذور؛ لأن عدم الفهم كعدم العلم، لو أتى إليك إنسان أعجمي وقام يتكلم بأعجميته في شيء هل تدري ما يقول؟ ما تدري ما يقول، هذا معذور، فالفهم شرط، يعني مجرد البلاغ لا يكفي. وأما قوله تعالى: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام ١٩] فهل المعنى: ومن وصل إليه وإن لم يفهمه، أو من بلغه فأدركه؟ الثاني هو المطلوب. * طالب: بعض الناس يدعي الإسلام ويخالفون آراء النصوص الشرعية (...). * الشيخ: لا.. * الطالب: مثل الرافضة يا شيخ يقولون: الله خان العالمين، ويخونون جبريل، ويسبون عمر وأبا بكر وعائشة ويبارزون المسلمين.. * الشيخ: لا شك أن الذي يسب أبا بكر وعمر ليس من الدين في شيء. * الطالب: (...). * الشيخ: الله يكفينا شرهم ويهديهم. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، يجب بغضهم، كيف من قال: يجب محبتهم؟ يجب بغضهم، ما فيه إشكال، لكن نسأل الله لهم الهداية. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة ٩٣، ٩٤]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ هل يمكن أن يكون أمر الله وأمر الرسول متناقضين؟ * طالب: لا يمكن. * الشيخ: ما وجه ذلك من الآية؟ * طالب: العطف، قوله: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. * الشيخ: أي ما وجهه؟ * طالب: كونه عطف طاعة الرسول ﷺ على طاعة الله. * الشيخ: لا. * طالب: أنه أعاد الفعل. * الشيخ: لا. * طالب: وجه ذلك أن الواو لمطلق الجمع (...). * الشيخ: (...). * طالب: طاعة الرسول مأمور به من عند الله عز وجل (...) طاعة الله عز وجل. * طالب: أن الله عز وجل قال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فجعلهما في مقابلة من تولى عن طاعتة؛ كقوله ﴿فَمَنْ تَوَلَّى﴾ [آل عمران ٨٢](...). * الشيخ: لا يقع التناقض؛ لأنه لو وقع التناقض لكانت طاعة الرسول معصية لله وطاعة الله معصية للرسول، هذا التناقض؛ لأن التناقض يكون النقيض حكمه ضد حكم نقيضه، فلو قلنا: إنه يقع التناقض لزم من ذلك أن تكون طاعة الله معصية للرسول وطاعة الرسول معصية لله. هل في الآية ما يدل على أن طاعة الرسول مستقلة، بمعنى أننا لا نحتاج إلى شاهد من القرآن فيما أمر به الرسول ﷺ؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: ما هو الدليل؟ * الطالب: لأنه أعاد الفعل هنا، قال: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. * الشيخ: لأنه أعاد الفعل فقال: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، وإعادة الفعل تدل على أن الطاعة مستقلة. هل لقوله: ﴿وَاحْذَرُوا﴾ ما يشبهها من القرآن (...)، هل في القرآن ما يشبه هذا التحذير؟ * الطالب: إي نعم. * الشيخ: ما هو؟ * الطالب: (...). * الشيخ: آية تدل على الحذر من مخالفة أمر الله ورسوله؟ * الطالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء ١٤]. * الطالب: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. * الشيخ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور ٦٣] قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. * الشيخ: هل يلام النبي ﷺ على عدم قبول دعوته؟ * الطالب: لا يلام (...). * الشيخ: ومن الآية هنا لا يلام؛ لقوله: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ [الذاريات ٥٤] لكن من الآية هنا؟ * الطالب: هنا لقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. * الشيخ: فإذا كان ليس عليه إلا البلاغ فإنه لن يضره توليه ولا يلام عليه. ﴿الْمُبِينُ﴾ هل هي بمعنى المبين أو بمعنى البين؟ * الطالب: المبين. * الشيخ: وهل تأتي المبين بمعنى البين؟ * الطالب: نعم قد تأتي. * الشيخ: مثاله؟ * الطالب: أبان الصبح. * الشيخ: أبان الصبح، لكن هذه (أبان) فعل لكن نريد اسم الفاعل (مبين) ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة ٢] يعني: بين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب