الباحث القرآني
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩].
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ﴾ أي: لا يعاقبكم ولا يحاسبكم.
﴿بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ اللغو ما لم يقصد؛ بدليل قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
وقد ذكرنا أن من طرق التفسير أن تُقابل الكلمة إذا كانت خفية بشيء واضح فيتبين معناها بما قُوبل بها، وذكرنا على هذا مثالًا، وهو قوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١] فإن (ثباتًا) لا يُفهم معناها بسرعة، لكن إذا قارنتها بالمقابل ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ تبيّن أن معنى ﴿ثُبَاتٍ﴾ أي: فرادى متفرّقين، هنا قال: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ﴾.
إذن اللغو هو الذي لا يُقصد بأن يجري على اللسان بدون قصد، وهذا يقع كثيرًا، يقول لك صاحبك: أتريد أن نذهب إلى فلان؟ تقول: لا والله، لا أريد الذهاب إليه، أو يقول: اذهب فسلّم على فلان، تقول: لا والله لا أذهب، على سبيل اللغو لا القسم، فهذا على اسمه لغو، لا يترتب عليه حكم؛ ولأن هذا أيضًا من الأشياء التي قد يشق تجنبها.
وقوله: ﴿فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ جمع (يمين) وهو الحلف.
﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ﴾ أي: بالذي عقدتم، وفي هذه الكلمة ثلاث قراءات: ﴿عَاقَدْتُمُ﴾ و﴿عَقَدْتُمُ﴾ ، والمعنى واحد أي: بما نويتم عقده من الأيمان.
﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ فكفارته إذا حلفتم أو إذا حلفتم وحنثتم؟
الثاني؛ يعني أن في الآية شيئًا محذوفًا، فكفارته إن حنثتم فيه أي: التي تُكفّره، ولا يقع فيه مؤاخذة إطعام عشرة مساكين، وأطلق الله الإطعام فيُرجع في ذلك إلى العرف؛ لأن لدينا قاعدة؛ وهي: أن ما جاء مطلقًا في الكتاب والسنة فإنه يُحمل على العرف؛ على عرف الناس.
﴿عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ جمع (مسكين)، وهو الذي لا يجد كفايته، وسمي مسكينًا؛ لأن الفقر أسكنه؛ لأن العادة أن الغني يكون نشيطًا، له شخصية، يقابل الناس، ويتكلم معهم، ويأخذ منهم ويرد، والغالب على الفقير العكس، فلذلك سُمّي الفقير مسكينًا.
﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ أي: لا من أجوده ولا من أردئه، من الوسط.
وقوله: ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ معطوف على ﴿إِطْعَامُ﴾.
﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ والكسوة ما يكسو به الإنسان بدنه، وتختلف الكسوة باختلاف الأزمان والبلدان والأحوال، ولذلك ترون في مواسم الحج والعمرة اختلافًا كبيرًا في كسوة الناس، فيُرجع في هذا إلى العرف، ففي بلادنا هذه الكسوة عبارة عن قميص وسروال وغطرة وطاقية، هذه الكسوة، وإن نقص شيء من ذلك فالكسوة ناقصة، وقوله: ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ ولم يقيد من أوسط ما تكسون فيؤخذ بما يُعد كسوة.
﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أي: عتقها، وسمي العتق تحريرًا؛ لأن الرقيق يتحرر به من الملك؛ ملك سيده الذي يفرض عليه أن يكون عبدًا مطيعًا، وفي الآية الترقي من الأسهل إلى الأشد؛ لأنك لو نظرت لوجدت في الغالب أن الإطعام أسهل من الكسوة، وأن الكسوة أسهل من العتق.
﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ أي: فمن لم يجد الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، أو وجد لكن لم يجد من يطعمهم، أو يكسوهم، أو يعتقهم؛ بأن يكون المجتمع غنيًّا، كلهم أغنياء، لا يجد فيهم فقيرًا ولم يوجد أرقاء يمكن إعتاقهم، فإنه يعدل إلى الرابع من أصناف الكفارة، وهو صيام ثلاثة أيام مطلقه لم يقيدها الله عز وجل بالتتابع، والصيام إذا أُطلق فهو مُطلق لا يشترط فيه التتابع، ودليل ذلك أن الله إذا أراد سبحانه وتعالى أن يكون الصوم متتابعًا قيده كما في آية الظهار: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [المجادلة ٤]، وكما في آية القتل: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء ٩٢]، وإذا أُطلق فإنه لا يجب فيه التتابع، لكن قد ورد في قراءة عبد الله بن مسعود اشتراط التتابع، فقرأ رضي الله عنه : (فصيام ثلاثة أيام متتابعة)، وعلى هذا فتكون قراءة عبد الله بن مسعود مقيِّدة لهذا الإطلاق (فصيام ثلاثة أيام متتابعة). ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه هذه الأربعة؛ وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيام على حسب ما جاء في الآية من ترتيب وتخيير.
﴿كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ يعني إذا حلفتم وحنثتم، أما إذا لم تحنثوا فإنه لا شيء عليكم، فإذا حلف الإنسان أن لا يفعل شيئًا ولم يفعله فلا شيء عليه، أو أن يفعل شيئًا ففعله فلا شيء عليه.
قال: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ لها ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: احفظوها من الحنث؛ أي: حافظوا على ألّا تحنثوا.
الثاني: احفظوا أيمانكم؛ أي: لا تكثروا الحلف، لا تجعلوها رخيصة؛ كل شيء تحلفوا عليه، فلا تحلفوا إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة لذلك.
الثالث: احفظوها بأن لا تدعوا الكفارة عنها، وهذه المعاني الثلاثة صحيحة، ولا يناقض بعضها بعضًا فتكون الآية شاملة لها.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾، ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل ذلك البيان، وعليه فتكون الكاف مفعولًا مطلقًا؛ لأنه أضيف إلى المصدر؛ أي: مثل ذلك البيان يبين الله لكم آياته، والمراد بالآيات هنا الآيات الشرعية؛ لأن السياق يدل عليه، ولا شك أن الله بين لنا الآيات الشرعية والآيات الكونية؛ ففي مخلوقاته آيات عظيمة كما قال عز وجل: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات ٢٠، ٢١].
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (لعل) للتعليل؛ أي: لأجل أن تشكروا الله عز وجل على بيان الآيات، والشكر هو القيام بطاعة المنعِم، هذا أجمع ما قيل فيه، هذا هو الشكر، فيشمل القيام بطاعة المنعِم فيما يُقال، والقيام بطاعة المنعِم فيما يُفعل، والقيام بطاعة المنعِم فيما يُعتقد، فيكون محل الشكر ثلاثة: القلب، اللسان، والجوارح، وعلى هذا قول الشاعر:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
هذه أوسع آية فيما يتعلق بالأيمان، وإلا فقد جاء في البقرة ما يشابهها مثل قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة ٢٢٥] لكن هذه الآية مفصّلة.
* فيها من الفوائد الكثيرة: أولًا: سعة حِلم الله وعفوه حيث نفى المؤاخذة عن اللغو في الأيمان، وذلك لكثرة تكرارها ومشقة التحرُّز منها، وهذا بناءً على أيش؟ على أن المراد بها الأيمان التي لا تُقصد، والتي تكون في عدد الحديث.
وقال بعض أهل العلم: من اللغو في الأيمان أن يحلف على شيء ماضٍ يظنه واقعًا ولم يقع، مثل أن يقول: والله لقد قدم فلان البلد أمس، بناء على أيش؟ على أنه رأى رجلًا يشبهه فظنه إياه، فأقسم أنه قدم ولم يقدم، لكن الصواب خلاف ذلك، وأن هذا ليس من اللغو؛ لأن هذا قَصَد العقد؛ حلف، وأقسم بالله لم يأتِ الرجل، قال: والله لقد جاء، والله لقد رأيته، لكن هذا مما لا حنث فيه؛ لأن الرجل حلف على ما في ظنه وهو واقع، يقول: لا زلت أظن هذا، فهو حلف على ما ظنه؛ ولهذا التعليل لا يفرَّق -على القول الصحيح- بين الماضي والمستقبل، المستقبل مثل أن يقول: والله ليقدمن زيد غدًا، بناء على ما سمعه من الأخبار، أو ما سمعه من نطقه أنه سيقدم غدًا، فقال: والله ليقدمن زيد غدًا، فمضى الغد ولم يقدم، فهذا لا حنث عليه مع أنه عاقد وحالف، لكن نقول: الرجل حلف على ما في ظنه وهو يقول: لا أزال أظن هذا حتى لو انتهى الغد ولم يأتِ فأنا على ظني، وكون الواقع يكون على خلاف ظني هذا ليس إليّ، وليس من فعلي، ولا من تصرفي، ولذلك لو قال: والله ليقدمن زيد غدًا، بناء على أنه سيلزمه بالقدوم ولم يقدم فإنه يحنث، واضح؟
إذن القول الراجح أن اليمين التي يحلفها على ظنه ليست من لغو اليمين، وإنما لغو اليمين ما لا يُقصد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العبرة على ما في القلوب، وهذا كقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[[أخرجه البخاري (١) من حديث عمر بن الخطاب.]]. وينبني عليه مسائل كثيرة في الأيمان، والطلاق، والبيوع، والأوقاف، وغيرها؛ الدليل على أن العبرة بما في القلوب قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾، وفي سورة البقرة: ﴿بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أنه لا حنث في اليمين إلا إذا كانت منعقدة.
قال العلماء: والمنعقِدة هي التي يقصد عقدها على أمر مستقبَل ممكن، فإذا لم يقصد العقد فهي لغو، وإذا عقدها على ماضٍ فإنه لا يخلو من ثلاثة أقسام؛ إما أن يعقدها على أمر ماضٍ متيقَّن، فهذا لا شيء عليه، لكنه لا ينبغي إلا عند الحاجة، مثل أن يقول: والله لقد نزل المطر أمس على بلدنا، وهو يعلم أنه نزل، هذا جائز أو غير جائز؟
* طلبة: جائز.
* الشيخ: جائز، لكن الأولى ألَّا يفعل إلا لحاجة.
الثاني: أن يقصد عقدها على ماضٍ يعلم أنه كاذب، فهذه حرام، مثل أن يقول؟ مثِّل.
* طالب: اليمين الغموس يعني؟
* الشيخ: لا، ما أسألك عن وصف اليمين، مثِّل.
* الطالب: على؟
* الشيخ: على ما ذكرت.
* الطالب: على الذي (...).
* الشيخ: على ما ذكرت.
* الطالب: مثل: والله لقد صليت أمس في المسجد الحرام، وهو لم يصلِّ.
* الشيخ: إي، صحيح مثاله؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، مثل أن يقول: والله لقد صليت أمس في المسجد الحرام، وهو لم يُصلِّ، هذا لا شك أنه آثم؛ لأنه جمع بين إثمين؛ الإثم الأول: الكذب، والإثم، الثاني: الاستهانة باليمين بالله عز وجل، واليمين -كما نعلم جميعًا- هي تأكيد الشيء بذكر مُعظّم، لكن هل هذه يمين غموس أو اليمين الغموس ما تتضمن أكل المال بالباطل أو الاعتداء على الغير؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: المذهب الأول؛ أن كل يمين كاذبة على ماضٍ فهي يمين غموس، ولا شك أن اليمين على أمر ماضٍ وهو يعلم أنه كاذب لا شك أنها محرمة وأشد مما لو أخبر بدون يمين، لكن الذي يظهر أن اليمين الغموس هي التي يحلف بها الإنسان فاجرًا ليقتطع بها مال امرئ مسلم، مثاله: أن يدعي على شخص بأن في ذمته له ألف ريال، ويقيم شاهدًا؛ شاهد زور ويحلف، فهنا يُحكم له بالألف، هذه اليمين نسميها يمينًا غموسًا؛ لأنه اقتطع بها مال امرئ مسلم، أو يجحد بها مال امرئ مسلم، مثل أن يُدَّعى عليه بألف ريال، ويقول: أبدًا، ليس لك عندي شيء، ويحلف على هذا، فهذه يمين غموس، فالراجح أن اليمين الغموس هي التي يقتطع بها مال امرئ مسلم.
القسم الثالث من الحلف على الماضي: أن يحلف على ماضٍ يظنه واقعًا، وليس بواقع فهذه يسميها الفقهاء فقهاؤنا رحمهم الله، يسمونها لغو اليمين؛ يعني يجعلونها من لغو اليمين، والصحيح أنها ليست من لغو اليمين، وإنما هي من اليمين التي بر فيها؛ لأنه حلف على أيش؟
* طلبة: ظنه.
* الشيخ: على ظنه، وهو لا يزال على ظنه، ولكن مع ذلك الأوْلى ألَّا يحلف على شيء بناءً على الظن إلا إذا دعت الحاجة لذلك، طيب قلنا: التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن، ما ضد الممكن؟ المستحيل، هذا لا تنعقد عليه اليمين؛ لأنه إذا كان على إيجاده ماذا نقول له؟
نقول: إذا كان على إيجاده نقول: هذا غير ممكن فيحنث في الحال، وتلزمه الكفارة؛ لأنه لا يمكن أن يوجده، وإن كان على عدمه فهو ليس فيه كفارة؛ لأن هذا هو الواقع.
وقال بعض أهل العلم: إن الحلف على المستحيل لا كفارة فيه مطلقًا؛ لأن كونه يحلف على شيء يستحيل وجوده هذا لغو فلا حنث فيه.
بقي علينا أشياء: هل يشترط أن يكون باختياره؟ أي أنه يحلف مختارًا؟
الجواب: نعم، يشترط أن يكون حلفه اختيارًا، فإن أُكره على اليمين لم تنعقد اليمين، ولكن هنا مسألة لو أُكره على اليمين فحلف قاصدًا اليمين؛ يعني وإذا أكره وحلف إما أن يقصد باليمين دفع الإكراه أو يقصد اليمين لكنه مكره عليه، هاتان مسألتان، أحيانًا يحلف ليدفع الإكراه عن نفسه، ويتخلص من عدوان المكره، وأحيانًا يحلف يقصد اليمين، لكن حمله عليها الإكراه، أما إذا قصد دفع الإكراه فلا شك أنه لا حنث عليه، لماذا؟
لأنه لم يقصد اليمين، ما قصد اليمين أصلًا، قصد الخلاص من هذا الذي أكرهه، أما إذا حلف يقصد اليمين، لكن أُلجئ إليه، فهذا فيه خلاف، والصواب أنه كالأول، لا سيما إذا وقع من شخص عامي، العامي إذا أُكره على الشيء فعله، ولا يخطر بباله أنه لدفع الإكراه، أو لأنه أُكره إليه، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: يعني هذه إن وقعت فإنما تقع لطالب علم يفهم، فالصواب أن المكره لا تنعقد يمينه سواء نوى بذلك دفع الإكراه أو؟
* طالب: عقد اليمين.
* الشيخ: عقد اليمين للإكراه، هل يُشترط أن يكون مكلفًا أو لا يشترط؟
الصواب: أنه يُشترط أن يكون مكلفًا؛ لأن غير المكلف لا يلزمه شيء لا بأصل الشرع ولا بإلزام نفسه، ولهذا لا ينعقد منه النذر، غير مكلف، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ»[[أخرجه أبو داود (٤٣٩٨) من حديث عائشة.]] فلو حلف من له عشر سنوات ألا يشتري شيئًا معينًا فبلغ واشتراه هل يحنث أو لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن يمينه غير منعقدة، ولو حلف وهو مكلف بالغ، ثم حنث وهو غير مكلّف يحنث؟
* طلبة: يحنث.
* الشيخ: يحنث أو لا؟
* الطلبة: يحنث.
* طالب: لا يحنث.
* الشيخ: تأمل الآن.
* طالب: لا يحنث.
* الشيخ: حلف مكلفًا، وحنث غير مكلف.
* الطلبة: لا يحنث.
* الشيخ: ليس عليه شيء؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: هذا يتصور؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي؟
* الطلبة: مجنون.
* الشيخ: عاقل جُنّ، صح، إذن اليمين لا تنعقد من غير البالغ العاقل؛ لأنه غير مكلّف، واليمين فيه نوع إلزام.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: ما أشرنا إليه أولًا، وهو اعتبار النية والقصد، وهذا ينبني عليه مسائل من أهمها ما يقع كثيرًا، يطلّق الرجل زوجته بناءً على أنها تكلم الرجال في الهاتف، ثم يتبين أنها تكلم أقاربها، محارمها، فهنا الطلاق يقع أو لا يقع؟
* الطلبة: لا يقع.
* الشيخ: لا يقع، يحلف الرجل ألَّا يقدم هذا البلد؛ لأنه يعتقد أن أميره ظالم فيقول: ما لي وللأمير الظالم! ثم يتبين أن أميره ليس بظالم، فهل عليه شيء؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا؛ لأنه إنما حلف على نية أن هذا الوصف هو الذي يمنعه من دخول البلد، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينبغي الحنث إلا إذا كان خيرًا؛ لقوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ﴾، والكفارة لا تكون إلا في مقابلة ذنب أو ما يشبه، ولهذا قال في آخر الآية: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كفارة اليمين على التخيير في أشياء ثلاثة: إطعام المساكين، وكسوتهم، وعتق الرقبة، هذا على التخيير، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وما اشتهر عند العوام من أن كفارة اليمين هي الصيام فخطأ ينبغي لطلبة العلم أن يبيّنوا للناس أن الصيام لا يجوز لمن يقدر على واحد من الثلاثة التي قبلها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإطعام مُطلق لا يشترط فيه التمليك؛ لأن الله تعالى لم يقُل: فللمساكين، لو قال: فللمساكين لكان يشترط فيه التمليك كما قال في الزكاة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة ٦٠]، لكن هنا قال: إطعام عشرة، فإذا كان إطعام عشرة فما يحصل به الإطعام كافٍ، فلو غدَّى المساكين أو عشّاهم أجزأه بلا شك؛ لأنه يصدق عليه صدقًا تامًّا أنه أطعمهم، فإن أعطاهم شيئًا يطعمونه بأنفسهم -أي: يصنعونه بأنفسهم- فهل يجزئ أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: الظاهر الإجزاء؛ لأنه إذا أعطاهم مثلًا ما يكفيهم من حب ولحم، وما أشبه ذلك مما يُطعم به الحب فإنه يصدق عليه أنه أطعم عشرة مساكين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لو أطعم من يأكل الطعام، ولو كان صغيرًا كفى؛ لقوله: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ فإن كان صغيرًا، المسكين لا يأكل الطعام، فهل يُجزئ أن يُطعمه حليبًا؟ لا؛ لأن هذا خلاف ظاهر اللفظ.
وإذا قال قائل: إذا لم أجد عشرة مساكين، لم أجد في البلد إلا خمسة، فهل أعدل إلى الصيام أو أكرر على الخمسة؟
فيه احتمال؛ لأن قوله: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ يعود إلى ما سبق، والذي سبق كم العدد؟
* طالب: عشرة.
* الشيخ: عشرة، ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ أي: من لم يجد عشرة ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾، ويحتمل أن يقال: ما دام وجد مساكين فإنه يكرر عليهم الإطعام، فإذا وجد خمسة يكرر مرتين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن لله تعالى الحكمة فيما يشرع لعباده؛ لأنك لو قارنت بين إطعام عشرة مساكين وكسوتهم وعتق الرقبة لوجدت الفرق كبيرًا، لكن لله الحكمة فيما يشرع، فلا يمكن أن يعترض معترِض فيقول: لماذا لم يكونوا عشرين؟ لماذا لم يكونوا ثلاثة كالصيام مثلًا؟
لأنا نقول: هذا حكم الله عز وجل، وهذا من الأمور التعبدية؛ يعني تقدير من يُعطون من الكفارات أمر تعبدي لا مدخل للعقل فيه كعدد الصلوات.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الواجب على الإنسان يكون الوسط، فالزكاة مثلًا على صاحب الغنم الواجب، شو الواجب؟
* طالب: الوسط.
* الشيخ: الوسط، الزكاة في الثمار الواجب الوسط.
* ويتفرع على هذه الفائدة العظيمة: عدالة الإسلام؛ لأن الوسط ليس فيه حيف لا على من يجب عليه ولا على من يجب له، وهذا لا شك أنه من العدالة.
فإن قال قائل: أرأيتم لو أطعمهم من أعلى ما يكون، أيجوز أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: يجوز؛ لأن هذا أكمل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الإنفاق على الأهل؛ لقوله: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ يعني كأن هذا أمر مقرر؛ أن الرجل يطعم أهله، وهذا لا شك أنه يجب على الرجل أن ينفق على أهله، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء ٣٤] أكمل.
* طالب: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾.
* الشيخ: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكسوة مطلقة أيضًا كالإطعام، فما سُمي كسوة حصل به الإجزاء، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأماكن والأمم، هل يمكن أن نقول: فيها أيضًا مناسبة بين الكسوتين: الباطنة، والظاهرة؛ لأن في الإطعام كسوة الباطن، وفي الكسوة كسوة الظاهر، يمكن أن نقول هذا؛ لأن الله تعالى قال لآدم عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾ [طه ١١٨] الجوع عري الباطن؛ خلو المعدة، والعري أيش؟ عري الظاهر، قال: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ الظمأ حرارة الباطن ﴿وَلَا تَضْحَى﴾ حرارة الظاهر، وقد يتبادر إلى الأذهان الضعيفة أن يكون القول: ألا تجوع فيها ولا تظمى، ولا تعرى ولا تضحى؛ لأن العري يكشف البدن للشمس والكسوة تستره، لكن البلاغة العظيمة فيما جاء به القرآن.
* طالب: شيخ، هل يدخل في اللغو الحلف بغير الله تعالى؟
* الشيخ: لا، الحلف بغير الله لم ينعقد أصلًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا ينعقد أصلًا؛ لأن النبي ﷺ قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[أخرجه مسلم (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة.]].
والحلف بغير الله ليس عليه أمر الله ورسوله.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، البيت:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ .........................
معناه؟ ثلاثة.
* الشيخ: لا، ثلاثة يعني أنكم ملكتم ثلاثة مني:
؎....................... ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، أفادتكم يعني أنكم ملكتم هذي؛ ملكتم قولي وقلبي وعملي، واضح المعنى، ويؤيده والضميرَ المحجبَا بالنصب.
* الطالب: اللي أشكل عليّ أنها منصوبة لو مرفوعة كان ما أشكل.
* الشيخ: إي، أنا أقول: يعني فهمك هو الذي أوجب الإشكال، والشاعر يقول -يخاطب من يخاطب-: إن نعماءكم عليّ، ملكتم بها فؤادي ولساني، فصار يُثني عليكم وكأنكم أسياده، وكذلك الجوارح أخدمكم.
* طالب: (...) بقلبه ولسانه والجوارح.
* الشيخ: لكن هؤلاء ملكوه بذلك؛ ملكوا هذه الثلاثة بنعمائه، هو هذا المعنى، أرى ألا إشكال في الموضوع من جهة المعنى، وأما من جهة اللفظ فقوله: (والضمير المحجبا) يعين أن يكون بالنصب. (...)
* * *
قال الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾، فيها قراءات؟
* طالب: فيها ثلاث قراءات، الأولى: ﴿عَقَّدْتُمُ﴾ قراءة، والثانية: ﴿عَاقَدْتُمُ﴾ ، والثالثة: ﴿عَقَدْتُمُ﴾
* الشيخ: طيب، وكلها بمعنى واحد، قوله: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ﴾ هل فيها حذف؟
* طالب: لا، (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنه لو حذف..
* الطالب: لا يجوز (...).
* الشيخ: بمجرد الحال تمام قوله: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ هل هو مقيد بكمية أو نوع معين؟
* طالب: (...) غير مقيد.
* الشيخ: طيب ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ﴾ مو هذا تقييد؟
* الطالب: في هذا قيد.
* الشيخ: لأنه من أوسط ما نطعم أهلينا، هل يلزم في الإطعام أن نملكهم إياه؟
* الطالب: لا يلزم.
* الشيخ: لا يلزم على القول الراجح، نعم، بل إطعامهم مطبوخًا أولى من تمليكهم لموافقته ظاهر الآية.
قوله: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ يجد أيش؟
* طالب: فمن لم يجد (...).
* الشيخ: تمام؛ يعني تشمل من لم يجد من يطعم، أو يكسو أو يعتق، ومن ليس عنده شيء يُطعم به، ويكسو ويعتق، هل الأيام متتابعة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لماذا لم نقل: إنها متتابعة وإن لم تقيد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن الله لو أراد التتابع لذكره، كذا؟ لكننا نقول: إن قراءة ابن مسعود رضي الله عنه تقيد هذا.
ما معنى قوله: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾؟
* طالب: احفظوها من الحنث.
* الشيخ: احفظوها من الحنث، هذه واحدة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أي: لا تكثروا الأيمان.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني إذا حنثتم فكفّروا، بارك الله فيك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا بد من إطعام هذا العدد؛ أي عشرة، وكسوتهم، فلو كرّر الطعام على واحد عشرة أيام لم يجزئ؛ لأن الله نص على العدد فيجب اتباع ما نص الله عليه، هذا وقد قال العلماء رحمهم الله: إنه قد يُعيَّن المدفوع إليه أو المعطى دون المدفوع كما في هذه الآية، المطعَمون كم؟
* طالب: عشرة.
* الشيخ: والإطعام غير مقيّد، ما يقال: صاع ولا مُدّ، وقد يقيد المعطى يعني المدفوع دون المدفوع إليه كما في زكاة الفطر من رمضان؛ فإن المدفوع مقيد كم؟ صاع من طعام، والمدفوع إليه لم يُقيّد، ولهذا يجوز أن تعطي الصاع من الفطرة لعدة فقراء، ويجوز أن تعطي فطرًا لواحد.
القسم الثالث: أن يُقدّر المدفوع والمدفوع إليه كما في فدية الأذى، فإن النبي ﷺ قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه: «تُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨١٦)، ومسلم (١٢٠١ / ٨٥) بنحوه من حديث كعب بن عجرة.]]. فقيد المعطى يعني المدفوع والمدفوعة إليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كفّارة اليمين لا تُعطى للمؤلفة قلوبهم، ولا تعطى للغارمين، وإنما هي إطعام المساكين، كما نقول ذلك أيضًا في زكاة الفطر؛ فإنها لا تدفع إلا للفقراء فقط.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تمام عدل الله عز وجل في إيجاب الأوسط؛ لأنه لو أوجب الأكمل والأعلى لكان في هذا ضرر على من؟
* طالب: المعطي.
* الشيخ: نعم، على الحالف، ولو أوجب الأدنى لكان فيه ضرر على الْمُعْطَى المدفوع إليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكسوة مطلقة لم تخصص بشيء معين ولا بعدد معين؛ يعني لا يعطى ثوبين أو ثلاثة أو عشرة، فما يحصل به هذا المسمى وهو الكسوة يحصل به براءة الذمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الحنث في اليمين أمره عظيم، ولهذا لا يكفّره إلا عتق الرقبة التي يحصل بها عتق المعتِق من النار، لكن الله تعالى لحِلمه ورحمته خفّف عن العباد؛ دليل ذلك قوله: ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن تقدير العبادات كمية ونوعًا وكيفية موكول إلى الشرع، ولذلك لا يتقابل أو لا يتساوى إطعام عشرة مساكين مع صيام ثلاثة أيام، أليس كذلك؟
لو نظرنا إلى كفارة الظهار لكان الواجب صيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينًا، فجاء الإطعام في الفقير يقابل صيام يوم، لكن هنا يختلف الوضع، ولعل السبب -والله أعلم- أنه في كفارة الظهار الإطعام بدل عن الصيام؛ لأنه من لم يستطع الصيام أطعم، وإذا كان بدلًا عن الصيام، فالحكم أن صوم كل يوم يُطعَم عن مسكين كما في العاجز عن الصيام عجزًا لا يُرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكينًا، أما في كفارة اليمين وفدية الأذى فليس الأمر كذلك؛ لأن الأمر فيه على التخيير، فكلٌّ من خصال الكفارة نوع مستقل بنفسه، أفهمتم هذا أو لا؟ الإطعام في كفارة الظهار بدل عن الصوم، أفهمتم هذا أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الصوم شهران، والغالب أن تكون ستين يومًا، فكان بدلها إطعام ستين مسكينًا كما نقول في رمضان إذا عجز الإنسان عن الصيام عجزًا مستمرًّا فإنه يطعم أيش؟ عن كل يوم مسكينًا؛ لأن الإطعام بدل عن الصيام، في كفارة اليمين إطعام عشرة أو صيام ثلاثة أيام، لكن كل واحد مستقل أيش؟ مستقل بنفسه، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: لما كان كل واحد مستقلًّا بنفسه صار كل واحد مختصًّا بوصف يناسبه حسب حكمة الله عز وجل، فدية الأذى إطعام ستة مساكين أو صيام أيش؟ ثلاثة أيام؛ لأن صيام ثلاثة أيام ليس بدلًا عن إطعام ستة مساكين، وإطعام ستة مساكين ليس بدلًا عن الصيام؛ إذ إن الإنسان مخير بين هذا وهذا، فكل واحد منهما مستقل بنفسه؛ يعني قسم مستقل بنفسه، هذا ما ظهر لنا والله أعلم بما شرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: دفع توهُّم العوام من أن كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام، ولهذا تجد بعضهم يقول: أنا ما أنا بصايم ثلاثة أيام، فيمنعه صيام ثلاثة أيام من الحنث، فيقال: الأصل أن الواجب إطعام عشرة مساكين.
لو قال قائل: هل يجوز أن نُلزم الغني بصيام ثلاثة أيام؛ لأنها أشق عليه من إطعام عشرة مساكين؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا يجوز هذا، ولذلك غلط بعض العلماء الذين أوجبوا على أحد الملوك في كفارة الظهار، أوجبوا عليه أن يصوم شهرين متتابعين وقالوا..
بما شرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: دفع توهم العوام من أن كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام، ولهذا تجد بعضهم يقول: أنا ما أنا بصائم ثلاثة أيام، فيمنعه صيام ثلاثة أيام من الحنث، فيقال: الأصل أن الواجب إطعام عشرة مساكين.
طيب لو قال قائل: هل يجوز أن نلزم الغني بصيام ثلاثة أيام؛ لأنها أشق عليه من إطعام عشرة مساكين؟
لا يجوز هذا، ولذلك غلط بعض العلماء الذين أوجبوا على أحد الملوك في كفارة الظهار؛ أوجبوا عليه أن يصوم شهرين متتابعين وقالوا: إن هذا أشق عليه من أن يعتق رقبة؛ لأنه سلطان أمير يستطيع يعتق عشر رقاب، لكن صيام شهرين متتابعين أشق عليه، فيقال: هذا غلط؛ لأن هذا مخالف للنص، والله سبحانه تعالى يحب أن تعتق العبيد فيما فرضه الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المشروع احترام اليمين وحفظها، وهو كذلك، ولكن جاءت السنة بالتفصيل في هذا؛ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنِّي وَاللهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥١٨)، ومسلم (١٦٤٩ / ١٠) من حديث أبي موسى. ]].
وعلى هذا فنقول: الحنث في اليمين ينقسم إلى أقسام: تارة يجب الحنث، وتارة يحرم الحنث، وتارة يسن، وتارة يكره، فإذا حلف الإنسان على ألا يصلي مع الجماعة فالحنث واجب، يعني يجب أن يصلي ويكفر، وإذا حلف شقي أن يشرب الخمر أيش؟ الحنث واجب. حلف أن يشرب الخمر، نقول: يجب عليك ألا تشرب وتكفر عن يمينك، لكن الفرق بين هذا وبين الأول أن ذاك في ترك الواجب وهذا في فعل المحرم، وإذا حلف ألا يزور قريبه -وصلة الرحم واجبة- فما حكم الحنث؟ واجب، يجب أن يزور قريبه ويكفر عن يمينه، وإذا حلف على فعل محرم؟
* الطلبة: الحنث واجب.
* الشيخ: الحنث واجب، مثاله؟
* الطلبة: يشرب الخمر.
* الشيخ: حلف أن يشرب الخمر، نقول: الحنث واجب، يعني لا تشرب الخمر وكفِّر، وإن حلف ألا يشرب الخمر فالحنث حرام؛ لأنه لو شرب الخمر لكان فعل محرمًا. لو حلف شخص ألا يأكل بصلًا فالحنث مكروه، لماذا؟ لأن أكل البصل مكروه لمن أراد أن يصلي، وإذا حلف ألا يصلي راتبة الفجر فالحنث مستحب، نقول: صل وكفر.
القاعدة إذن أنه يسن الحنث في اليمين إذا كان خيرًا كما قال النبي ﷺ، وقد يجب الحنث وقد يحرم، والأصل أن الحنث جائز، ولكن عدم الحنث أولى؛ لقوله: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة ٨٩].
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى بيّن لعباده من آياته كل ما يحتاجون إليه؛ لقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه يجب علينا شكر الله تعالى على بيان الآيات؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
* ومن فوائدها: محبة الله تعالى للشكر، حيث بيّن الآيات من أجل الشكر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العلم من نعم الله التي يجب علينا شكرها؛ لأن بيان الآيات به يعلم الإنسان آيات الله، فإذا كان الله يبينها لنشكره عليها دل ذلك على أن العلم بالشريعة وبآيات الله نعمة يجب على الإنسان أن يشكرها؛ لقول الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
* ومن فوائدها: تعليل أحكام الله عز وجل وأنها مقرونة بالحكمة؛ لأن ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ للتعليل، والتعليل يفيد الحكمة، فجميع أفعال الله وأحكام الله كلها لحكمة، لكن منها ما يعلم ومنها ما لا يعلم.
{"ayah":"لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَیۡمَـٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥۤ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِینَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِیكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ ثَلَـٰثَةِ أَیَّامࣲۚ ذَ ٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَیۡمَـٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوۤا۟ أَیۡمَـٰنَكُمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق