الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة ٧٦] ﴿قُلْ﴾ أي: يا محمد، أو قل: أيها المخاطب المُوَحِّد لمن؟ لكل من يَعبد من دون الله أحدًا، قل له: ﴿أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾. وقوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: مِن سواه. ﴿مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ يعني: لا يملك أن يَدفع الضُّر عنكم ولا أن يجلب لكم النفع، وقيل: المعنى ما لا يملك لكم ضرًّا لو عصيتموه ولا نفعًا لو أطعتموه، فعلى التفسير الأول يكون في الآية حذف، ما هو الحذف؟ ما لا يملك لكم دفع الضُّر، والقاعدة أنه إذا دار الأمر بين أن يكون في الكلام شيء محذوف أو لا يكون فما الأصل؟ * طالب: عدم الحذف. * الشيخ: عدم الحذف، وعلى هذا فيكون ﴿مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا﴾ يعني لو؟ * طالب: عصيتموه. * الشيخ: عصيتموه وخالفتموه، ﴿وَلَا نَفْعًا﴾ لو أطعتموه. ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يعني: كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا وتَدَعون من هو السميع العليم وهو الله عز وجل، السميع لما تقولون، العليم بما تعملون من قول وفعل. * في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: الإنكار على عابدي الأوثان؛ لأن الاستفهام في قوله: ﴿أَتَعْبُدُونَ﴾ للإنكار. * ومن فوائدها: أن الأصنام لا تملك نفعًا ولا ضرًّا، وهذا مُسلَّم به. * وينبني على هذه الفائدة: ضلال أولئك الذين يعبدون الأصنام، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف ٥] لا يسمعونها ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً﴾ [الأحقاف ٦] فهم لا ينفعونهم في الدنيا ولا في الآخرة، بل يعادونهم. فإن قال قائل: إنه قد يَدْعُو الإنسان الصنم في كشف ضُرٍّ فيُكْشَف الضُّر أو في جلب نفع فيأتي النفع والقرآن صريح بأن جميع الأصنام لا تنفع ولا تضر؟ فالجواب: أن هذا من الابتلاء وأنه يحصل عند دعائها لا بدعائها؛ لأننا نؤمن يقينًا بأنها لا يمكن أن تستجيب إلى يوم القيامة لو دُعيت إلى يوم القيامة ما استجابت، لكن قد يَفْتِن الله العباد بحصول الشيء أيش؟ * الطلبة: عنده. * الشيخ: عند الدعاء لا بالدعاء، يكون الله عز وجل قد قدَّر حصول هذا الشيء في هذا الوقت المعين الذي كان فيه الدعاء وليس بالدعاء، نعلم بهذا يقينًا؛ لأن الله يقول: ﴿مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأحقاف ٥]. وفي هذا الذي قررناه الحذر أي أن يحذر الإنسان من تسهيل أسباب المعصية له فإن الإنسان قد يُبْتَلَى وتُسَهَّل له أسباب المعصية فيقع فيها إلا من شاء الله؛ ولهذا كان مَنْ تيسرت له أسباب المعصية، ولكنه تركها لله كان أعظمَ أجرًا ممن لم تتيسر له. انظر إلى الشاب الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، فهذا المدعو رجل دعته امرأة وهو شاب به الشهوة ليس عندهما أحد ولا يطلع عليهما أحد؛ لأنه لم يذكر مانعًا إلا أنه يخاف الله، وهذا يدل على أن جميع الأمور متيسرة له، لكن لما ترك هذا لله أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعلنا من هؤلاء. المهم أنه لو لَبَّس علينا أولئك القوم الذين يعبدون من دون الله ويدعونهم بحصول المقصود فالجواب؟ أن هذا لم يحصل بالدعاء قطعًا وإنما حصل عند الدعاء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الضرر والنفع من الله عز وجل؛ لأنه أَعْقَب نفيَ الضرر والنفع لهذه الأصنام بقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وهو كذلك؛ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ»[[أخرجه الترمذي (٢٥١٦) من حديث عبد الله بن عباس.]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين الكريمين لله عز وجل وهما: السميع والعليم. هل هو سميع بسمع أو بغير سمع؟ * طالب: بسمع. * الشيخ: ما هو الدليل أن له سمعًا من هذا الاسم؟ * طالب: لأن الأسماء لها معانٍ. * الشيخ: الأسماء لها معانٍ، مشتقة من معانيها، السميع يعني،(...) السمع المضاف إلى الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: قسم بمعنى إدراك المسموع، وقسم بمعنى الاستجابة. الأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يراد به التهديد، وقسم يراد به بيان الإحاطة، وقسم يُرَاد به النصر والتأييد، ثلاثة أقسام، هذا سمع أيش؟ سمع الإدراك إدراك المسموع، أما الأول: فكقوله تبارك وتعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠] هذا تهديد. وأما الثاني: الذي يُراد به بيان إحاطة الله عز وجل بكلِّ شيء فمثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ إلى آخره [المجادلة: ١]. وأما الذي يراد به النصر والتأييد فمثل قوله تعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦]. وأما الذي بمعنى الإجابة أو الاستجابة فمثل قول المصلي: سمع الله لمن حمده، يعني استجاب، ولذلك عُدِّي باللام ولم يتعدى بنفسه؛ لأن السمع الذي بمعنى الإدراك يتعدى بنفسه، تقول: سمعت صوتًا، وأما الذي بمعنى الإجابة فيتعدى باللام، تقول: سمعت لفلان، أي استجبت له، ومنه سمع الله لمن حمده. طيب: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩] مِنْ أَيِّ نوع؟ * طلبة: الأول. * طالب آخر: كلاهما. * طالب آخر: الإجابة. * الشيخ: منهما كليهما، فهو سميع الدعاء يسمع الصوت؛ صوت الداعي، وهو أيضًا مجيب الدعاء فيشمل الأمرين. أما العليم فما أَعَمَّه من اسم، العليم إن لم يكن أعمِّ أسماء الله فهو من أعمِّها؛ لأن العلم يتعلق بالأمور الممكنة وغير الممكنة والواجبة، في كل شيء، علم الله يتعلق بكل شيء، يعلم عز وجل الأشياء المستحيلة، مثاله قول الله تبارك وتعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢] هذا شيء مستحيل ومع ذلك علم الله سبحانه وتعالى نتيجته ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾. ويعلم سبحانه وتعالى الممكن وهو ما يتعلق بأفعال العباد، كل أفعال العباد من قسم الممكن والله تعالى يعلمها ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة ١٨٧]، ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ [البقرة ٢٣٥]، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الأحزاب ٥١]، وغير ذلك من الآيات الكثيرة، كل علم يتعلق بالمخلوق فهو علم بممكن؛ لأن المخلوق ممكن، من قِسْم الممكن إذ لو كان مستحيلًا ما وُجِد ولو كان واجبًا ما عدم. ويعلم جل وعلا ما يتعلق بالواجب، يعلم الواجب وهو علمه تبارك وتعالى عن نفسه، فعلمه عن نفسه علم بالواجب؛ ولهذا قال العلماء: إن العلم هو أعم صفات الله عز وجل، أعم صفات الله عز وجل هو العلم، وهل يتعلق بمشيئته أو هو صفة لازمة؟ * الطلبة: لازمة. * الشيخ: هو صفة لازمة، ولهذا لما قال السفّاريني رحمه الله: ؎وَالْعِلْمُ وَالْكَلَامُ قَدْ تَعَلَّقَا ∗∗∗ بِكُلِّ شَيْءٍ يَا خَلِيلِي مُطْلَقَا المهم يقول: (بكل شيء) هذا صحيح، الكلام يتعلَّق حتى بالمستحيل، لكن العلم من جهة أنه صفة لازمة أعم من الكلام. فإذا قال قائل: إذا قلتم: إن العلم صفة ذاتية، فما الجواب عن قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد ٣١] ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾ (...).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب