الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾ هذه مؤكدة بكم؟ بثلاثة مؤكدات: القَسم المقدَّر، واللام، و(قد)، وأكد الله تعالى ذلك جريًا على عادة اللسان العربي في تأكيد ما يستحق التأكيد، وإلا فخبر الله عز وجل حق، ثم إن هذا أيضًا: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ﴾ ليس خبرًا مجردًا، بل هو خبر وحكم، وحتى إذا قلنا: إنه حكم عليهم بالكفر، فهو مؤكد لئلا يعارض معارض فيقول: ليس هذا بكفر.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ من هؤلاء؟ هؤلاء النصارى الذين لم يناصروا عيسى ولم يكونوا من حوارييه.
﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ -نسأل الله العافية- والشبهة التي أحدثها الشيطان لهم أنه خُلق بلا أب، والعجب أنهم يقولون: إن الله هو المسيح بن مريم ثم يقولون: إن عيسى بن مريم ولد بغي، فيقذفونه من وجه، يقذفون أمه من وجه، وينزهون أمه ويعلونها من وجه آخر حسب زعمهم.
﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ كلمة: (هو) ضمير فصل، وضمير الفصل له ثلاث فوائد، من يعرفها؟
* طالب: تأكيد..
* الشيخ: التأكيد.
* الطالب: والحصر..
* الشيخ: والحصر.
* الطالب: والفصل بين الخبر والصفة.
* الشيخ: والفصل بين الخبر والصفة، الفصل يعني التمييز بين كون ما بعده خبرًا أو صفة.
هنا ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ (هو) ضمير فصل يفيد أن هؤلاء أكدوا أن الله هو المسيح، ويفيد حصر الله عز وجل بالمسيح، وأنه لا يتعدى، ويفيد أيش؟ أن المسيح خبر وليس بصفة.
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ المسيح وصف لرجل من أولياء الله، ورجل من أعداء الله. الرجل الذي من أولياء الله عيسى بن مريم، والرجل اللي من أعداء الله الدجال، وقد سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسيحًا، حيث أمرنا أن نستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٢)، ومسلم (٥٨٩ / ١٢٩) من عائشة.]]، وأما تكايس بعضهم -يعني: بطلب الكيس- وقوله: إن الدجال يسمى المسيخ بالخاء فهذا باطل؛ لأن أعلم الناس به سماه المسيح، ولا مانع من أن يوصف هذا بالمسيح وهذا بالمسيح، لكن يختلف الممسوح، عيسى بن مريم كان لا يمسح ذا عاهة أيش؟ إلا برئ، يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، والمسيح الدجال ممسوح العين، أعور العين، خبيث المنظر، ففرق بين هذا وهذا، وكلاهما مسيح مشتق من المسح.
وقوله: ﴿مَرْيَمَ﴾ هي ابنة عمران، ونُسب عليه الصلاة والسلام إلى أمه لأنه ليس له أب، وإنما أمر الله جبريل أن ينفخ في فرج مريم روحًا فنفخ فيها روحًا، وهو عيسى عليه الصلاة والسلام.
﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، قوله: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ﴾ في إعرابها وجهان: الوجه الأول أنها حال، وبناء على هذا الوجه يتعين تقدير (قد)، ويكون المعنى: لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم وقد قال المسيح: يا بني إسرائيل، يعني كذبهم، والوجه الثاني: أن الواو للعاطفة، ويكون قوله: ﴿قَالَ﴾ معطوفًا على ﴿كَفَرَ﴾، فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات؛ لأنها معطوفة على جملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، ويكون المعنى: لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم ولقد قال المسيح بن مريم: يا بني إسرائيل، اعبدوا الله ربي وربكم. والتقدير الأول أبلغ؛ لأن المسيح الذي وُصف بأنه الله رَدَّ على هؤلاء الذين وصفوه، كفروا وقد قال لهم وبيّن لهم أنه عليه الصلاة والسلام عبدٌ فقال: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾.
* طالب: بارك الله فيكم، الكثير من الصفات التي ذكرها الله عز وجل في بني إسرائيل موجودة في بني إسرائيل الذين يعاصروننا الآن؛ من التعنت والعناد وما إلى ذلك، لكن بعض الصفات -يا شيخ- التي ذكرها الله عز وجل يعني بني إسرائيل الذين هم معنا الآن فيهم خبث لكنهم ما هم بأغبياء، هم الآن يسيطرون على العالم اقتصاديًّا، وحتى متقدمين في الصناعات؟
* الشيخ: هؤلاء -بارك الله فيك- أغبياء باعتبار فهم الحق، ما هم أغبياء باعتبار الذكاء، واجعل على بالك دائمًا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المتكلمين قال: إنهم أُعطوا فهومًا وما أعطوا علومًا، وأوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء. واذكر قول الله تعالى عن الكفار مع أنهم أذكياء: إنهم لا يعقلون، فهؤلاء في الواقع هم أغبياء باعتبار الشرع، يعني أدنى واحد عامي من المسلمين يعرف أن قولهم: إن عيسى هو الله، جهالة عظيمة، ولهذا وصفوا بالضلال.
* طالب: شيخ، قلنا: إن الله ذكر صنفين (...) وسكت عن الثاني، ما يقال يا شيخ: (...).
* الشيخ: ﴿فَرِيقًا كَذَّبُوا﴾.
* الطالب: الآية اللي بعدها.
* الشيخ: يعني كذبوا الرسل، بعضهم كذبوا الرسل وبعضهم قتلوا.
* الطالب: الآية اللي بعدها؟
* الشيخ: اللي بعدها؟
* الطالب: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾.
* الشيخ: اللي بعدها ويش مستقلة؟
* الطالب: ما هو في سياق واحد؟
* الشيخ: بلى لكن مستقل عنه.
* طالب: عفا الله عنك، بعض المفسرين ذكر قول الله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم ١٢]، قال: المراد بالفرج هنا جيب الدرع؟
* الشيخ: وما المراد به في اللغة العربية؟
* الطالب: هو الفرج المعروف.
* الشيخ: الفرج المعروف، لماذا نحرف؟
* الطالب: قالوا: لأن..
* الشيخ: و﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ مشكلة، يعني: ما أحصنت إلا جيب الدرع، والفرج الحقيقي؟
* الطالب: قال: هذا من باب بلاغة القرآن.
* الشيخ: لا أبدًا، هذا من باب غباوة الرجل، الآن ﴿نَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ هو الذي قد يقال: لا يلزم أن جبريل عليه السلام فتح ثوبها ونفخ في الفرج نفسه، ما يلزم، قد ينفخ من الجيب ويصل إلى الفرج، لكن طريق الحمل هو الفرج لا شك، ليس الجيب.
* طالب: أحسن الله إليك، الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي ﷺ «رأى المسيح الدجال يطوف بالبيت»[[مسلم (١٦٩ / ٢٧٣) من حديث ابن عمر وفيه: «أراني ليلة عند الكعبة، فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها فهي تقطر ماء، متكئًا على رجلين -أو على عواتق رجلين- يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا المسيح بن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا المسيح الدجال».]]، ماذا يقال في هذا الحديث مع أن المسيح الدجال أقفر من الأرض؟
* الشيخ: إي نعم، يقال: ما أدري ويش وجه الحديث؛ لأن الرأيين فيها واحد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يره حقيقة؛ لأن الدجال بعد الرسل سيأتي فيما بعد، وهو ممنوع من دخول مكة، ولذلك احتج ابن صياد بأنه ليس المسيح الدجال بأنه في المدينة وذهب إلى مكة.
* طالب: شيخ، عفا الله عنكم، هل كل صفة ثبتت بأنها صفة اليهود أو النصارى في الكتاب أو السنة ثابتة لهم إلى يوم القيامة، أو أنه لا بد أن يدل دليل على استمرارها؟
* الشيخ: أما أفعالهم فلا تستمر، يعني ما ذكر من أفعالهم قد يكون في وقت نزول القرآن أو قبلهم مما يعلمها الموجودون في وقت نزول القرآن ويتغير، كما أن الآن دين بني إسرائيل اللي هم عليه الآن ليس هو الدين الذي جاء به عيسى ولا موسى.
* الطالب: ما مثال الأفعال يا شيخ؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: مثل ماذا الأفعال؟
* الشيخ: أفعالهم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: اقرأ ما عندهم الآن من الكتب المؤلفة تجد أن فيها مخالفة لما نقل الله عنهم في أفعالهم.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ ما يكون المراد يا شيخ من هذا من جاء بعد بعثة الرسول ﷺ بأنه قام عليهم الحق، لا سيما هو قال: (ثم)؟
* الشيخ: ربما يكون هذا أو قبله أيضًا، ربما يكون هذا أو قبله من بني إسرائيل الذين سلط عليهم العدو أو أصابتهم الجدوب والقحط وغير ذلك.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، أخذنا في الفوائد أن بني إسرائيل نقضوا العهد مع الله سبحانه وتعالى، فيغتر بعض الناس، هل يمكن أن ينسحب هذا العهد ونقول: إنه لا يعاهد على أمور جديدة؟
* الشيخ: ما هو صحيح، الرسول عاهدهم لما وصل المدينة كتب بينه وبينهم عهد، لكن نقضوا العهد.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة ٧٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فما هو الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل؟
* طالب: الميثاق هو في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾... [المائدة: ١٢] هذا قول، وقال بعض العلماء: إن الميثاق هو ما فطره الله عليهم من التوحيد له.
* الشيخ: طيب أحسنت. قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا﴾ مثل من؟
* طالب: مثل عيسى وموسى.
* الشيخ: كيف؟ بني إسرائيل موسى وعيسى مرسل إلى بني إسرائيل؟ أجب.
* طالب: موسى..
* الشيخ: وعيسى.
* الطالب: وعيسى عليه السلام..
* الشيخ: مرسلان إلى بني إسرائيل؟
* الطالب: نعم يا شيخ.
* الشيخ: تأكد؟
* طالب: عيسى نعم.
* الشيخ: وموسى؟
* الطالب: لا يا شيخ.
* الشيخ: ويش دليلك؟
* طالب: في الآية: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة ٧٨].
* الشيخ: ليش جبت هذا ما جبت أيه أصلح من هذا وأحسن من هذا، أحسن بالنسبة لبني إسرائيل؟
* الطالب: استحضرتها.
* طالب: منها قوله تعالى عن عيسى: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الآية، وموسى قوله عز وجل عن موسى لفرعون: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ١٧]
* الشيخ: وفي سورة الصف.
* الطالب: يا بني اسرائيل..
* الشيخ: ذكر هذا وهذا.
وقوله: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ المعروف أن (كلما)؟
* طالب: شرطية، (كلما) شرطية.
* الشيخ: شرطية.
* الطالب: تفيد التكرار.
* الشيخ: تفيد التكرار، أين شرطها وأين جوابها؟
* الطالب: الشرط: ﴿جَاءَهُمْ رَسُولٌ﴾ وجواب الشرط: ﴿فَرِيقًا كَذَّبُوا﴾ هذه جواب الشرط.
* الشيخ: وقيل؟
* الطالب: وقيل: فعل محذوف تقديره: عصوا، وهذا لا حاجة إليه.
* الشيخ: لأن الكلام يستقيم بدونه.
ما الحكمة في قوله: ﴿فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ حيث جاء بالفعل المضارع بالقتل وجاء بالماضي بالتكذيب؟
* طالب: أنه يفيد الاستمرارية، وإنهم لو جاءهم بعد ذلك رسول لقتلوه، فقد جاءهم كذلك النبي ﷺ وحاولوا قتله في تقديم الشاة المسمومة.
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ فيها قراءتان، ما هما؟
* طالب: ﴿أَلَّا تَكُونَ﴾ و﴿أَلَّا تَكُونُ﴾ .
* الشيخ: ﴿أَلَّا تَكُونَ﴾ بفتح النون.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: و﴿أَلَّا تَكُونُ﴾ .
* الطالب: بضمها.
* الشيخ: بضمها، وجه القراءتين؟
* الطالب: أن إذا كانت مخففة..
* طالب: أنا يا شيخ؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: فيها قراءتان ﴿أَلَّا تَكُونَ﴾ و﴿أَلَّا تَكُونُ﴾ .
* الشيخ: وجه القراءتين؛ لأن هذا الجواب أجاب به زميلك.
* الطالب: على قراءة النصب تكون (أن) مصدرية و(لا) نافية، و(تكون) فعل مضارع منصوب بـ (أن) المصدرية، وعلى قراءة ﴿أَلَّا تَكُونُ﴾ تكون (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و(تكون) خبرها.
* الشيخ: صحيح ما قال؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أشرنا في ضمن أو عند الكلام على توجيه القراءتين أشرنا إلى قاعدة في (أن)؟
* طالب: قلت: إذا سبقها العلم يتعين الرفع..
* الشيخ: الرفع وأن تكون (أن) مخففة..
* الطالب: مخففة من الثقيلة.
* الشيخ: أحسنت.
* الطالب: وإذا سبقها ظن ففيه وجهان: الرفع والنصب، مثل هذه الآية، وإذا لم يثبت لا علم ولا ظن يتعين النصب..
* الشيخ: يتعين أن تكون مصدرية فتنصب المنصوب. بارك الله فيك.
مثِّل فيما يجب فيه النصب؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ [الإسراء ٨].
* الشيخ: لا.
* الطالب: ما يجب النصب؟
* الشيخ: اللي بعدها لا.
* طالب: يا شيخ، يعجبني من الطالب ألا يجادلك.
* الشيخ: يعجبني من الطالب ألا يجادلَك، ما يجوز أن تقول: لا يجادلُ؟
طيب، ومثالها بعد العلم؟
* طالب: هذه الآية.
* الشيخ: لا، هذه ما تدل على العلم، ولهذا لم يتعين فيها النصب ولا الرفع.
* طالب: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ [طه ٨٩].
* الشيخ: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ ومثالها بعد الظن والتي يجوز فيها وجهان؟
* طالب: الآية يا شيخ.
* الشيخ: أي آية؟
* الطالب: التي بعدها ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾.
* الشيخ: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ صحيح.
ما هي الفتنة التي حسبوا ألا تكون؟
* طالب: الأولى أن يقال: يبقى النص على وجهين.
* الشيخ: إي، ويش هي الفتنة؟
* الطالب: تسليط الأعداء عليهم.
* الشيخ: بعبارة أعم: أي عذاب يعاقبون به، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ أي عذابًا ﴿لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال ٢٥].
في الآية إشكال في قوله: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ ما هو؟
* طالب: الإشكال وجود..
* الشيخ: ما هو الإشكال.
* الطالب: وجود فاعلين..
* الشيخ: وجود فاعلين.
* الطالب: الإشكال أنه أتى بالضمير واو الجماعة ثم أتى بعدها بقوله: ﴿كَثِيرٌ﴾ فأشكل..
* الشيخ: طيب يعني فاعلين لفعل واحد؟ طيب أيش الجواب؟
* الطالب: الجواب أحد شيئين: إما أن يقال: إنها على لغة: أكلوني البراغيث، فيكون الفاعل هو قوله: ﴿كَثِيرٌ﴾ والواو علامة للجمع، وهذا على اللغة غير المشهورة.
* الشيخ: وهل يصح أن نقول بها في القرآن؟
* الطالب: وجهنا يا شيخ أنه لا يصح.
* الشيخ: نعم وجهنا أنه لا يصح؛ لأن القرآن باللسان العربي مبين.
* الطالب: الوجه الثاني: أن يكون الضمير الواو فاعلًا وتكون ﴿كَثِيرٌ﴾ بدل بعض من كل.
* الشيخ: أحسنت، وهذا أصح، طيب وحينئذ لم يكن فاعلان لفعل واحد.
قوله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ ما المراد بالبصير هنا؟
* طالب: هنا يحتمل..
* الشيخ: يشمل.
* الطالب: يشمل أمرين.
* الشيخ: البصيرة، وهي بالعلم، وصفة البصر. والإدراك يعني إدراك البصر، بصر العين وبصر العلم.
قوله: ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ هل يشمل الفعل والقول أو الفعل فقط؟
* طالب: يشمل القول والفعل.
* الشيخ: كيف كان القول عملًا؟
* طالب: القول عمل.
* الشيخ: كيف عمل
* الطالب: عمل اللسان.
* الشيخ: إي أحسنت عمل اللسان، لكن لا يكون القول فعلًا؛ لأن الفعل خاص بالجوارح.
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وأخذنا هذا، صدر الآية أخذناه.
﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ذكرنا أنه يجوز أن تكون الجملة حالية، وعلى هذا يتعين تقدر (قد)، أي: وقد قال المسيح، ويجوز أن تكون الواو عاطفة ويكون (قال) معطوفًا على قوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾، يعني: ولقد قال لهم المسيح.
﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾، وقوله: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ نداء، إشارة إلى بلاهتهم وغفلتهم وأنهم لا يخاطبون إلا بالنداء، ولا ينتبهون ويستيقظون إلا به.
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾: ﴿اعْبُدُوا﴾ فعل أمر من العبادة، والعبادة تطلق على شيئين: الأول: فعل العابد، والثاني: مفعول العابد، فعلى الأول فعل العابد نقول: هي التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وعلى الثاني نقول: هي اسم جامد لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فمثلًا يصلح أن نقول: إن فعل المصلي عبادة، ويصلح أن نقول: إن الصلاة عبادة، وأصلها من قولهم: طريق معبد، أي أيش؟ مذلل مسهل ميسر، فمثلًا المسفلت نسميه طريقًا معبدًا، الطريق الذي لم يسفلت ولم يوطأ نسميه ليس طريقًا معبدًا.
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ طيب ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ هنا الأليق أن نجعل العبادة بمعنى فعل العابد أو بمعنى مفعوله؟ اعبدوا الله هي أقرب هنا لفعل العابد.
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ ذكر العبادة ثم ذكر الربوبية إشارة إلى أن الربوبية تستلزم الألوهية، أي أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، فمن أقر لله عز وجل بالربوبية لزمه أن يقر بالعبادة؛ لأن الرب يجب أن يكون معبودًا؛ لأن له الأمر، له الحكم، فإذا كان كذلك يجب أن يعبد كما شرع.
وقوله: ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ بدأ بنفسه ليعترف عليه الصلاة والسلام بأنه عبد مربوب وليس ربًّا كما يقولون.
وقوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ مر علينا كثيرًا بالنسبة لكلمة (الله) أن أصلها الإله، لكن حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، كما حذفت الهمزة في (الناس) من (الأناس)، وكما حذفت الهمزة في (شر) من (أشر)، وفي (خير) من (أخير).
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ الرب أيضًا سبق لنا كثيرًا أنه هو الخالق أيش؟ المالك المدبر الذي له السلطان.
﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ هذا من باب التحذير، الجملة هنا استئنافية للتحذير.
﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ بأن يعبد غير الله ﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ أي منعه منها؛ لأن التحريم بمعنى المنع، ومنه مكة حرام، المدينة حرام، ومنه حريم البئر، أي: ما قرب منها، لمنع الناس من تملكه.
فإذن ﴿حَرَّمَ﴾ بمعنى: منع، ﴿حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ أي دخولها، والجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه -جعلني الله وإياكم منهم- فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وماذا يكون إذا حرم الله عليه الجنة؟ أين يكون؟
قال: ﴿وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ أي الذي يأوي إليه كما يأوي الإنسان إلى منزله: النار، وهي الدار التي أعدها الله لأعدائه التي ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم ٦] فقد جمعوا بين القوة والامتثال ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ لا يعجزون عنه، كلما أمروا به فهم قادرون عليه، ثم مع ذلك ليسوا قادرين عليه على وجه الضعف، بل هم غلاظ شداد. أجارنا الله وإياكم منها.
﴿وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ إن كانت هذه الجملة من قول عيسى، وإن كانت من قول الله فهي بيان استحقاقهم لدخول النار، وأنهم إنما استحقوا دخول النار لكونهم ظلمة لشركهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣]، وقال تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤].
وقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ هنا هل يمكن أن نقول: إنه إظهار في موضع الإضمار، يعني بمعنى أنه لو كان في غير القرآن لقيل: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما له من أنصار؟ يمكن أن يقال هذا، لكن أظهر في موضع الإضمار من أجل أن ينسحب على هؤلاء وصف الظلم، أي أنهم ظلمة، ومن أجل التعميم، أي أن النار ليست لهؤلاء فقط، بل لكل ظالم ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾.
وقوله: ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ أي من مانعين العذاب عنهم؛ لأن الناصر هو الذي يمنع العدو عنك ويساعدك عليه.
* في هذه الآية الكريمة: نص صريح في كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم؛ لقوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾.
* ومن فوائدها: توكيد الحكم بما يدفع الشك؛ لقوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾؛ فإن الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، و(قد).
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أحكام القرآن يؤتى بها غالبًا بحكم عام، بمعنى لو شاء الله تعالى لقال: لقد كفر النصارى، لكن الله قال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾، سواء كانوا من بني إسرائيل الذين هم النصارى أو من غيرهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا كفر إلا بعد قيام الحجة، بناء على أن الواو في قوله: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ﴾ حالية، يعني أنهم كفروا وقد بين لهم الأمر ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن إقرار الإنسان على غيره غير مقبول؛ لأنهم ادعوا أن الله هو المسيح، وعيسى بن مريم أنكر ذلك، قال: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾، فأنا لست إلهًا تعبدونني، بل أنا وأنتم على حد سواء، كلنا مربوبون لله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: المنقبة والشرف العظيم للرسل عليهم الصلاة والسلام، حيث أنكر عيسى أن يكون هو الله في هذه الجملة العظيمة: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ وهذا مقام الرسل وأتباعهم الذين لا يريدون العلو في الأرض ولا الفساد، وانظر إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام حين قيل له: ما شاء الله وشئت، هل أقر هذا؟ لا، أنكره وقال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»[[أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٧٨٣)، والطبراني في الكبير (١٣٠٠٥) من حديث ابن عباس.]]، وهكذا أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، لا يريدون من الناس أن ينزلوهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل، بل إن أتباع الرسل كلما أنعم الله عليهم بالاتباع ازدادوا تواضعًا للخلق وتواضعًا للحق.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب العبادة، يعني بمعنى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يأمرون بعبادة الله في كل ملة؛ لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: إقامة الحجة على أهل الشرك، حيث أشركوا بالله مع أنه أيش؟ ربهم، وأن الأصنام ليس لها شأن في الربوبية إطلاقًا، فهي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر، أموات غير أحياء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الاستدلال الملزم للخصم، وأنه ينبغي للإنسان عند المجادلة أن يتبع أوضح الأدلة وأشدها إلزامًا للخصم؛ لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾، لم يقل مثلًا: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قال: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾، إلزامًا لهم بأيش؟ إلزاما لهم بعبادته؛ لأنهم مقرون بالربوبية، وهذا كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١]، فقال: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ إلزامًا لهم بالعبادة؛ لأن الله هو الذي خلقهم وهو الذي يحكم فيهم ويحكم بينهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا حظ لعيسى في الألوهية والربوبية؛ لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ هذا في الألوهية، ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ في الربوبية، فعيسى بن مريم ليس له حق في الألوهية ولا في الربوبية، وغيره من الرسل؟
* طلبة: ليس لهم حق كذلك.
* الشيخ: وغيرهم من الناس؟ كذلك، وبهذا نعرف ضلال أولئك القوم الذين يدعون أن أولياءهم هم الذين يدبرون الكون وهم الذي يصرفونه، وأنهم على ضلال مبين. نسأل الله العافية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الشرك موجب للخلود في النار؛ لقوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا مأوى للخلق إلا أحد أمرين: إما الجنة، أيش؟ وإما النار، ما فيه شيء وسط، كما أنه ليس بعد الحق إلا الضلال، وليس بعد الإيمان إلا الكفر ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢]، وفي الجزاء: ﴿مِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود ١٠٥]، أي: ومنهم سعيد، ما فيه ثالث.
فإن قال قائل: ماذا تقولون فيما جاء في القرآن الكريم من أصحاب الأعراف؟
فالجواب سهل، نقول: أصحاب الأعراف يُحبسون في مكان مطل على أهل النار ومبصر لأهل الجنة، يعني: محبوسون على حسب ما تقتضيه حكمة الله، ومآلهم إلى الجنة، كما قال عز وجل: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف ٤٦]، فصار هؤلاء -أعني أصحاب الأعراف- مآلهم إلى الجنة، فليس للخلق إلا داران فقط: النار أو الجنة، ولهذا قال السفاريني رحمه الله في عقيدته:
؎وَكُلُّ إِنْسَانٍ وَكُلُّ جِنَّةْ ∗∗∗ فِي دَارِ نَارٍ أَوْ نَعِيمِ جَنَّةْ
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التحريم يكون شرعيًّا ويكون قدريًّا.
* بل نقول: يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن التحريم يكون قدريًّا، وجهه؟ قوله: ﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ يعني تحريمًا قدريًّا لا شرعيًّا؛ لأنه ليس باختيار الإنسان.
وهل يرد التحريم على وجه التحريم الشرعي؟ الجواب: نعم، ومنه قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة ٣]، ومنه: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة ٢٧٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجنة وإثبات النار؛ لقوله: ﴿الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾.
* ومن فوائدها: أن المثوى الأخير للخلق هو إما الجنة وإما النار، وأما القبور فليست المثوى الأخير، بل هي زيارة يمكث فيها الناس ما شاء الله حتى تقوم الساعة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الشرك ظلم؛ لقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾، وقد جاء ذلك صريحًا في القرآن الكريم؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الظالمين لا ناصر لهم؛ لقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾، و(من) هنا -كما يعرف أهل اللغة العربية- حرف جر زِيد لإفادة العموم والتوكيد.
فإن قال قائل: كيف يستقيم هذا النفي المؤكد مع أن الكفار قد يُنصَرون، والمشركون قد ينصرون؟
فالجواب: أن هذا نصر موقَّت ليبتليَ الله به المؤمنين وليس نصرًا دائمًا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]، وقال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة ١٦٦]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف ٣٨]، ولا يمكن أن يتناصر الكفار في دفع العذاب عنهم يوم القيامة، وحينئذ فلا إشكال؛ لأن النصر الذي يحصل لهم أيش؟ نصر موقَّت، يريد الله به أن يمتحن المؤمنين.
{"ayah":"لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِیحُ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق