الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة ٧، ٨]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، وبقي علينا فيما سبق فوائد، هل ذكرنا أن في الآية إثبات الحكمة لله؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: طيب. هل ذكرنا أن في الآية دليلًا على أن الشكر هو العمل بالصالح؟ نعم، في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. إذا قال قائل: ما هو الشكر؟ نقول: إن النبي ﷺ بَيَّنه في قوله: «إِنَّ اللَّهَ أَمَر الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَال تَعَالَى: » ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ «، وَقَالَ: » ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ «»[[أخرجه مسلم (1015 / 65) من حديث أبي هريرة.]]. إذن فالشكر؛ شكر الله هو العمل الصالح، ولا شك أن تفسير كلام الرسول وكلام الله بعضه ببعض أولى من أن نلتمس تفسيرات أخرى، لكن ذكرنا فيما سبق أن الشكر محلُّه القلب، واللسان، والجوارح، ولا يكون إلا في مقابلة نعمة، وأما الحمد فإنه يكون في مقابلة نعمة، أو على كمال صفة محمودة، ويكون بالجوارح واللسان. قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، إنما أمر الله تعالى أن نذكر النعمة من أجل أن نعرف فضله علينا حتى يسهُل علينا الانقياد لطاعته؛ لأن أي إنسان فإنه بمقتضى فطرته وطبيعته لا بد أن ينقاد لمن أحسن إليه، فيقول عز وجل: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾: تذكروها. ﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾ يعني العهد الذي عهدكم به، وهو قوله: ﴿إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، فإن قول المؤمن: سمعنا وأطعنا، يعني التزامه بكل الشريعة، بدون تفريق بين أن يكون مما يهواه قلبه، أو مما لا يهواه. وقوله: ﴿سَمِعْنَا﴾ أي: ما يقال، ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أي: فيما يُؤمَر ويُنهَى، فيتضمن تصديق الخبر، وامتثال الأمر، واجتناب النهي. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: اتخذوا وقاية منه جل وعلا، وذلك بفعل أوامره، وترك نواهيه على علم وبصيرة. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، الجملة هذه تعليل تتضمن التهديد، يعني: أنه لا بد أن تكون التقوى مبنية على صلاح القلب، وليست مجرد قول باللسان، بل لا بد أن تكون تقوى الإنسان في قلبه وجوارحه؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، أي: بصاحبة الصدور، وما هي صاحبة الصدور؟ هي القلوب. واعلم أن كلمة (ذات) تُطلَق في اللغة العربية على عدة معانٍ، منها أنها تطلق اسمًا موصولًا في لغة طيء، كما قال ابن مالك: ؎وَكَالَّتي أَيْضًا لَدَيْهِمْ ذَاتُ ∗∗∗ .................... فلغة طيء مثلًا يقولون في: جاءت المرأة التي أطاعت الله، يقولون: جاءت المرأة ذاتُ أطاعت الله، فهي عندهم بمعنى (التي). تطلق على الجهة، مثل قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال ١] أي: الجهة أو الصلة التي بينكم. وتطلق على (صاحبة)، بمعنى صاحبة، كما في هذه الآية: ﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، أي: بصاحبة الصدور. ولا تطلق على النفس إلا في اصطلاح المتكلِّمين؛ فإنهم يُطلِقون الذات على النفس، أي على ما يقابل الصفة، ولهذا تجدون في كلام الذين يتكلمون في العقائد، تجدون كثيرًا ما يقولون: الذات والصفات، يعبِّرون بالذات عن النفس. فقوله تعالى: ﴿يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران ٢٨] إذا أردنا أن نفسرها على حسب اصطلاح المتكلمين نقول: نفسه أي: ذاته، وليست نفس الله عز وجل ليست صفة سوى الذات، بل هي الذات نفسها، فقول بعض أهل العقائد: ونُثْبِت لله نفسًا، قد يفهم منها بعض الناس أن النفس صفة زائدة على الذات، وليس كذلك، ولكن يريدون أننا نصف الله بالنفس فقط، ولكنها ليست هي صفة مستقلة بل هي الذات نفسها. فقوله: ﴿يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ كقوله تمامًا: يحذركم اللَّهُ اللَّهَ، أي: أن الله عز وجل له نفس. وقوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾، يعني: ما عندك وما عندي، فانتبهوا لهذا؛ لأن بعض الناس إذا قرأ في كتب العقائد: نُثبِت لله نفسًا، يظن أن ذلك صفة زائدة على الذات، وليس كذلك. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من المشروع أن يذكر الإنسان نعمة الله، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ في ذلك تفصيل؛ إن أدَّى عدمُ ذكرها إلى نسيان الواجب كان ذكرها واجبًا، مثل أن يرى نفسه قد شطحت وأبعدت عن فعل المأمور وترك المحظور، فليُذَكِّرها نعمة الله، يقول مثلًا: اذكري أيتها النفس نعمة الله عليك بالعافية، بالصحة، بإرسال الرسل، بإنزال الكتب، ببيان الحق، وما أشبه ذلك. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن لله تعالى علينا نعمة، وهو أمر لا يحتاج إلى برهان، ولكن هل النعمة تكون للمؤمن والكافر، أو للمؤمن وحده؟ نقول: أما النعمة العامة التي يشترك فيها البهائم والإنسان فهي للمؤمن والكافر، فالكافر يتمتع بنعمة الله كما تتمتع البهيمة، وأما النعمة الخاصة التي هي نعمة الله تعالى على العبد بالإيمان والعلم فهذه خاصة بالمؤمن. فإذا سألك سائل: هل لله على الكافر نعمة؟ فقل: في ذلك تفصيل؛ أما النعمة العامة فنعم، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ٥٣]، وأما الخاصة فإنه لا يدخل فيها الكافر؛ لأنها خاصة بالمؤمنين. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان أن يذكر الميثاق الذي واثق الله عليه، وهو العهد بالسمع والطاعة. فإذا قال قائل: نحن لا نذكر هذا الميثاق؟ قلنا: إن الميثاق يكون عقده بالقول ويكون بالفعل، أما القول فإننا لا نستحضره، حتى لو صح حديث: «أَنَّ اللَّهَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ».[[أخرجه أبو داود في سننه (4703) من حديث عمر بن الخطاب ، وأحمد في مسنده (21232) من حديث أبي بن كعب. ]] وأما الفعل فنعم وثابت، وذلك بما فطر الله عليه الإنسان من التوحيد، والاعتراف بالله عز وجل، وكذلك أيضًا بما أعطاه من العقل الذي يُميِّز به بين الحق والباطل، والصدق والكذب، وهذا ميثاق نقول: ميثاق بأيش؟ بالفعل، يعني: أنت لا تستحضر أنك عاهدت الله عز وجل بالقول، لكن بما أعطاك من العقل والفطرة صار ذلك عهدًا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن السمع المجرد لا يُغْنِي شيئًا، لا بد أن يكون سمعًا واستجابة، أما مجرد السمع فلا؛ وذلك لقوله: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢١]، نفى الله عنهم السمع؛ لأنهم لم يأتوا بفائدة السمع، وهي الطاعة، فعلى هذا لا يكفي مجرد السماع، بل السماع حجة على العبد، فعليه عند السماع أن يمتثل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة التقوى، وأنها مَبْنِيَّة على تذكر العهد والميثاق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وقد قلنا: إن أجمع كلمة في معنى التقوى هي أيش؟ اتخاذ وقاية من عذاب الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه على علم وبصيرة. * ومن فوائد الآية الكريمة: تهديد من خرج عن التقوى بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. * ومن فوائدها: أن التقوى محلها القلب؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، يعني: فاجعلوا مدار التقوى على أيش؟ على القلوب، ولهذا قال النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير. ]]، نسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعًا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عموم علم الله، وأنه شامل لما ظهر وبطن، وجه الدلالة من الآية؟ عموم العلم؛ لأنه أخبرنا بأنه عليم بذات الصدور، فيقتضي أنه كان عالما بالظاهر والباطن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب