الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني إيمانًا حقيقيًّا، وليس كما قال بعضهم إيمان نفاق؛ لأنه لا يمكن أن يُعبَّر عن المنافِق بالمؤمن ما دام على نفاقه، انتبهوا لهذا!
لا يمكن أن يُعبَّر عن المنافِق بالمؤمن ما دام على نفاقه، أما قبل أن يُنافِق يمكن أن يكون آمن ثم كفر، كما قال عز وجل في المنافقين: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [المنافقون ٣] لكن يُعبَّر عن المنافِق حال نفاقه بأيش؟ بالإسلام، يمكن يعبر عنه بالإسلام، لكن بالإيمان لا يمكن.
ولهذا ضَعُفَ قول مَن قال: إن المراد بـ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، نقول: هذا لا يمكن أن يقع التعبير به في القرآن أبدًا.
لكن الذي حملهم على هذا أنه قال عز وجل: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ﴾ [البقرة ١٢٦] فقال: كيف نقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ يكون هذا تَكرارًا؟
يكون تَكرارًا، لكن يمكن أن نقول: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ اسم مشترك، فيكون باعتبار ﴿الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ [البقرة ٦٢] أي: مَن دخل في الإيمان، وباعتبار ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: مَن ثبت على إيمانه؛ لأن الإنسان قد يؤمن، ثم يكفر، نسأل الله العافية، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن نقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذه (إن) واسمها، أما خبرها فمحذوف، دل عليه ما بعده، والتقدير: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وعلى هذا التقدير يكون قوله: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ مبتدأ، فتكون الواو للاستئناف، أو معطوفة على محل (إن) واسمها، أفهمتم؟ ﴿وَالَّذِينَ﴾ تكون أيش إعرابها؟ مبتدأ.
﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ يعني بذلك اليهود، ومعنى ﴿هَادُوا﴾ رجعوا؛ لأنهم قالوا: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١٥٦] أي: رجعنا إليك وتبنا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾ ﴿الصَّابِئُونَ﴾ أصل الصابئ هو الذي خالف دين آبائه وأجداده؛ يعني خرج عن دين قومه، فما المراد بهم هنا؟
قيل: إنهم فرقة من اليهود، وعلى هذا فيكون عطفها على ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ من باب عطف الخاص على العام.
وقيل: إنهم فرقة من النصارى، وعلى هذا فيكون عطف النصارى عليهم من باب عطف العام على الخاص.
وقيل -وهو الأظهر-: إنهم فرقة مستقلة؛ لأن الله ذكرها على وجه الاستقلال، فالصابئون على دين مخالف لدين اليهود ودين النصارى، ولعلهم أخذوا من هذا الدين، ومن هذا الدين وركبوا دينًا لهم.
﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ ﴿الصَّابِئُونَ﴾ الصابئون معطوفة على ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ ولا إشكال في إعرابها على الوجه الذي ذكرناه، وهو أن ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ مبتدأ فيكون عُطِفَت على مبتدأ فترفع.
لكن يَرد علينا أنها ذُكرت في آية أخرى بـ﴿الصَّابِئِينَ﴾، في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الحج ١٧].
فيقال: الفرق ظاهر؛ لأن الآية الأخيرة ليس فيها ذكر الإيمان فيما بعد، إنما فيها ذكر عموم الأجناس من كافر ومسلم، فتكون ﴿الصَّابِئِينَ﴾ معطوفة على ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على اسم (إن)، والخبر يأتي بعد.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾ ﴿وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ﴾ فهو يفصل بين المؤمنين، وبين اليهود والنصارى، والصابئين والمشركين، فلا تكون نظيرًا لهذه الآية، وإذا لم تكن نَظيرًا لها لم يكن إعرابها كإعرابها.
﴿وَالنَّصَارَى﴾ الذين ناصروا عيسى عليه الصلاة والسلام، قيل: إنها مأخوذة من النصرة.
وقيل: إنها مأخوذة من الناصرة اسم بلدة، وفي كل منهما شيء من الإشكال؛ لأن النصارى لا تتطابق في الترتيب مع النصرة ولا مع الناصرة، لكنه لا شك أن المراد بهم بالاتفاق هم الذين تابعوا عيسى عليه الصلاة والسلام.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إعراب ﴿مَنْ آمَنَ﴾ هل نقول: إنها شرطية؟ أو نقول: إنها اسم موصول؟
في ذلك قولان؛ أحدهما: أنها شرطية، وعلى هذا فيكون جواب الشرط، أيش؟ ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ وتكون جملة الشرط خبر المبتدأ؛ يعني الجملة الشرطية خبر المبتدأ.
ويجوز أن تكون (مَن) اسمًا موصولًا فتكون بدلًا أو عطف بيان لما سبقها، ويكون محلها محل ما سبق؛ يعني يكون محلها بالإعراب محل ما سبق، وعلى هذا فيكون الخبر قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ورُبِطَت بالفاء؛ لأن ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ اسم موصول، وهو يشبه الشَّرْط في العموم، مفهوم ولّا؟ مفهوم.
قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ ما محل ﴿آمَنَ﴾ من الإعراب؟ إن قلنا: ﴿مَنْ﴾ شرطية، فمحلها الجزم على أنها فعل الشرط، وإذا قلنا: إنها اسم موصول، فلا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة الموصول.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إذا قال قائل: أين العائد على التقديرين؛ على أنها شرط، أو اسم موصول؟
نقول: العائد محذوف، وقد ذُكِر في آية أخرى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة ٦٢] فيكون المحذوف في هذه الآية قد دلَّ على حذفه الآية الأخرى.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ لا بد من الإيمان بالله، والإيمان بالله يستلزم الإيمان بكتبه، ورسله، وملائكته، وقَدَره، ويش بقي؟ اليوم الآخر.
فالإيمان بالله متضمّن لخمسة أركان من الإيمان؛ الإيمان بالله وأيش؟ ملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، واليوم الآخر (...)، والحكمة من ذلك أن الأركان الأربعة أُجملت تحت الإيمان بالله، وهذا خُصّ لأن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يحمل الإنسان على العمل، إذا كان الإنسان في شك من اليوم الآخر -والعياذ بالله- لن يعمل، ماذا يرجو وماذا يخاف؟
فلا يمكن الإيمان حقيقة إلا بالإيمان باليوم الآخر؛ لأن الإيمان به هو الذي يحمل على أيش؟ على القيام بشريعة الله، الإيمان بالله عز وجل قلنا: إنه يتضمن الإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيرِهِ وشرِّهِ.
وقوله: ﴿الْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هو يوم القيامة، و(أل) فيه للعهد، و﴿الْآخِرِ﴾ يعني الذي لا يوم بعده؛ لأن نهاية مطاف الخلق هو اليوم الآخر، إما إلى الجنة وإما إلى النار، جعلنا الله وإياكم إلى الجنة.
الإيمان باليوم الآخر، قال شيخ الإسلام رحمه الله: يدخلُ في الإيمان باليوم الآخر الإيمانُ بكلِّ ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت.
كل ما أخبر به الرسول مما يكون بعد الموت فهو داخل في الإيمان باليوم الآخر؛ فتنة القبر، عذاب القبر، نعيم القبر، وكذلك ما يكون بعد قيام الساعة من الحساب، والميزان، والكتب، والصراط، والحوض، والشفاعة، وغير ذلك.
وقوله: ﴿عَمِلَ صَالِحًا﴾..
* طالب: شيخ -بارك الله فيكم- تكثر عبارة لمن يشتكي مثلًا سواء في دعوة أو غيرها، يقال: سوّي اللي عليك والباقي على الله. هل تصح هذه العبارة؟
* الشيخ: إي، نعم تصح.
* الطالب: طيب يا شيخ (...) الكل على الله؟
* الشيخ: لا، الباقي يعني ما وراء طاقتك على الله؛ يعني ليس عليك، مثل: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية ٢٥، ٢٦].
* الطالب: طيب، ما هو حتى عمل الإنسان يعني على الله.
* الشيخ: هذا من الله، ولا بد من عون الله عليه، صحيح مثل ما تقول: أعطِ فلانًا عشرة ريالات، والباقي على فلان..
* طالب: هذا واضح.
* الشيخ: وهذا واضح أيضًا، أنت الآن اللي عليك (...) وبلغت، والباقي على الله، لست مُكلفًا به.
* طالب: أكرمك الله يا شيخ، في توحيد الربوبية قالوا (...) الصفات الثلاثة، بأن الله هو الخالق، والرازق، والمدبر، فلماذا اقتصر عليها؟
* الشيخ: ما في غيرها، الرب معناه الخالق، المالك، المدبر، ما في غيرها.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، ذكرنا أن الكفر يزيد وينقص، ما وجه الذين يستدلون أن تارك الصلاة ليس بكافر، ويقولون: إن النبي ﷺ قال: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»[[أخرجه الترمذي (٢٦٢١)، والنسائي (٤٦٣) من حديث بريدة بن الحصيب.]] يقولون: هذا كفر يعني دون كفر، فكيف نرد عليهم؟
* الشيخ: نرد عليهم بنفس الحديث قال: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ» فاصل، فإذا كان هذا بيننا وبينهم معناه فاصل بين الكفر والإيمان، وفيه أيضًا حديث جابر أنه قال عليه الصلاة والسلام: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»[[أخرجه مسلم (٨٢ / ١٣٤). ]].
* طالب: يقولون يا شيخ أنه لم يجحدها، متهاون بها أنه لم يجحد الصلاة..
* الشيخ: طيب، ما دام الرسول قال: «فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» » وأطلق كيف نقيدها؟ وإذا قيدناها بمن جحد الفريضة قلنا هذا غلط، لأن من جحد الفريضة يكفر ولو صلى، والحديث يقول: «فَمَنْ تَرَكَهَا».
وإذا قال: المراد تركها مع الجحد، فنقول: هذا الرجل ألغى الوصف الذي اعتبره الشرع، وأتى بوصف لم يعتبره الشرع؛ لأن الجحد يَكفر به الإنسان بالإجماع، إلا حديث عهد بإسلام لا يدري فهذا يُعلّم.
* طالب: أحسن الله إليك، هل صحيح بقول من يقول بأن أمة الإسلام لن يقوم لها قائمة حتى ينزل الله عز وجل عيسى عليه الصلاة والسلام ويُبعث المهدي، فهل هذه المقولة صحيحة؟
* الشيخ: والله ما أدري، الظاهر أنها ما تصح، أما في طائفة فقطعًا؛ لأن الرسول يقول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ»[[أخرجه مسلم (١٥٦ / ٢٤٧) من حديث جابر بن عبد الله. ]].
أما في الكل فلا أدري، ولكن قد يكون، أن حقيقة الأمر إذا رأيت المسلمين اليوم، ولا أدري عن المستقبل، وجدت أنهم في حال لا تستقيم على النصر، متشتتون، متفرقون، وبعضهم يحكم بغير ما أنزل الله، ويستهزئ ويسخر بالدين وأهل الدين، نسأل الله أن يعيد للمسلمين مجدهم.
* طالب: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ ﴿مَا﴾ تفيد العموم، فلماذا لا يحمل عليها القرآن أولًا، والتوراة والإنجيل أيضًا، من باب التوكيد؟
* الشيخ: ما حاجة، كونه يذكر القرآن وحده استقلالًا، واستنادًا إلى الآية التي سقناها.
* طالب: (...) العموم التوراة أنزلت (...) فما المانع (...)؟
* الشيخ: ما حاجة، ما دام نص عليها ﴿حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾، ما حاجة أن نقول: الظاهر العموم، وجعل هذه الجملة خاصة بالقرآن أبلغ في رفعة القرآن، حتى يكون القرآن موازيًا للكتابين جميعًا.
* طالب: نقول: هذا العموم مخصوص؟
* الشيخ: إي نعم، نقول: المراد بها القرآن ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمران ٣، ٤].
* طالب: رجل قام يتكلم وكان موضوع كلمته القرآن، وفي أثناء حديثه كان يقول: الذي قال عنه ربه؟
* الشيخ: هذا غلط عظيم؛ يعني يتكلم عن القرآن، فيقول: إن القرآن هو الذي قال عنه ربه، هذا غلط، هذا يُوحي بمذهب الجهمية، وإن كان لها وجه في اللغة العربية إذا علمنا أن المتكلم من أهل السنة الأقحاح؛ لأن الرب يأتي بمعنى الصاحب كما قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ [الصافات ١٨٠] والعزة وصف لله عز وجل، لكن بمعنى صاحب العزة.
* طالب: أحسن الله إليكم، أعطيتم في تعظيم الله سبحانه وتعالى..
* الشيخ: على كل حال، هذه يجب تنزيه اللسان عنها، يجب أن أنصحه، هذا غلط، هذا يُوهم العامة أن القرآن مخلوق.
* الطالب: الله سبحانه وتعالى عبر: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا﴾ ولم يقل: أكثرهم مع أن اليهود والنصارى أكثرهم..؟
* الشيخ: لا، قد يكون أكثرهم مقلدة، ولا (...) كفرًا، لكنه مقلد مع العامة.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، هل يصح الدعاء (اللهم إنا هُدنا إليك)؟
* الشيخ: بمعنى رجعنا؟
* الطالب: رجعنا أو نسأل..
* الشيخ: يصح، إذا عُلم المعنى يصح.
* طالب: (...) الفعل واليقين، قد يذكر الإنسان الله عز وجل، ويَذكر آخر أقل منه، فيزداد الأول إيمانًا، والآخر لا يزداد؟
* الشيخ: نعم، هذا سبب اليقين، سبب اليقين قد يكون بالنسبة لشخص أقل من الآخر، لكن اليقين نفسه يختلف (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، ومثلًا الذكر قد يذكر الله ألف مرة، وهذا مئة مرة فيكون الأول أكثر، لكن نعم قد يكون بقلب الثاني الذي لم يذكر الله من اليقين أكثر من ذلك فيكون كل واحد زاد من شيء.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ ما معنى هذه الجملة؟
* طالب: لا، على حق، ولا على شيء منه، إلا أن تقيموا التوراة والإنجيل.
* الشيخ: إي، لكن مش معنى ﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾.
* الطالب: لستم على حق.
* طالب آخر: لستم على شيء من الدين.
* الشيخ: لستم على شيء من الدين؛ لأنهم يَدَّعون أنهم أهل الكتاب، وأنهم أهل الدين، فيقول: ﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ نظيرها؟
* طالب: من القرآن؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: قوله جل وعلا: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ [البقرة ١١٣].
* الشيخ: نعم، المهم أنهم كل واحد منهم قال للطائفة الأخرى: ليس على شيء، أي ليس على دين.
قوله: ﴿حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ بماذا تكون إقامتها؟
* طالب: بفعل الأوامر، واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار.
* الشيخ: أحسنت، بفعل الأوامر، واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار.
وقوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ ما المراد به؟
* طالب: المراد به القرآن الكريم.
* الشيخ: هل له في القرآن ما يؤيد هذا؟
* طالب: نعم، ﴿أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمران ٣، ٤].
* الشيخ: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ بارك الله فيك.
كيف يكون ما ينزل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يزيد هؤلاء طغيانًا وكفرًا؟
* طالب: بالعناد مع كفرهم.
* الشيخ: فيزدادون كفرًا. هل يؤخذ من الآية أن الكفر أنواع، زائد وناقص؟
* طالب: نعم، يزيد وينقص.
* الشيخ: يزيد وينقص، وفي معنى ذلك ما روي عن ابن عباس؟
* الطالب: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ »[[أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٢٥٨). ]].
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
قوله: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ معناها؟
* طالب: لا تحزن على هؤلاء الذين لم يؤمنوا برسالتك، وهذا فيه تسلية..
* الشيخ: على الكافرين بك.
* الطالب: على الذين كفروا بك، ولم يؤمنوا بما أُنزل إليك، وهذا فيه تسلية للنبي ﷺ.
* الشيخ: تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام.
هل في القرآن ما يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضيق صدره؟
* طالب: نعم، قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر ٨].
* الشيخ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحجر ٩٧]، وقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣].
قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ في رفع ﴿الصَّابِئُونَ﴾ إشكال؟
* طالب: في..
* الشيخ: لأن (إن) تنصب الاسم، وترفع الخبر، والمعطوف على اسمها قبل استكمال الخبر يجب نصبه، وهنا قال: ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾؟
* طالب: معطوفة على محل اسم (إن).
* الشيخ: ما يجوز يُعطف على محل اسم (إن) إلا بعد استكمال الخبر، ابن مالك يقول:
؎وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفًا عَلَى ∗∗∗ مَنْصُوبِ (إِنّ) بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلَا
* طالب: من آمن.
* طالب آخر: خبر (إن) محذوف وتقديره..
* الشيخ: لا، الإشكال في ﴿الصَّابِئُونَ﴾ لماذا رفعت، وهي معطوفة على؟
* طالب: لأنها معطوفة على مبتدأ، وهو ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾.
* الشيخ: يعني لم تُعطف على ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾؟
* الطالب: لا، عطفت على ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾.
* الشيخ: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ منصوبة ولَّا مرفوعة؟ مرفوعة؟ كيف تُرفع وهي معطوفة على منصوب؟
* طالب: لأن هنا عطف جملة إلى جملة.
* الشيخ: إذن ما محلها من الإعراب ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾؟
* طالب: مبتدأ يا شيخ.
* الشيخ: مبتدأ، صحيح تمام.
ما الذي يُرجّح هذا القول أن ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ غير معطوفة على ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؟
* طالب: متعلّق بآخر الآية: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ وهذا يَصدق على الذين آمنوا ومن بعدهم.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأنه ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لا يقال: إن الذين آمنوا من آمن منهم؛ لأنه تحصيل حاصل.
* الشيخ: لأنهم مؤمنون، إذن يرجح آخر الآية أن ﴿الَّذِينَ هَادُوا﴾ مبتدأ.
ذكر الله عز وجل: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ وترك عز وجل أشياء من أركان الإيمان ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ذكر ركنين من أركان الإيمان ولم يذكر الباقي؟
* طالب: لأن الإيمان بالله يقتضي الإيمان بالملائكة، والرسل، والكتب، والقدر خيره وشره.
* الشيخ: أحسنت الإيمان بالله يشمل الإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره.
اليوم الآخر ما هو؟
* طالب: هو الذي ليس بعده يوم.
* الشيخ: لكن ما هو، عينه؟
* الطالب: هو يوم القيامة.
* الشيخ: لماذا سُمي اليوم الآخر؟
* طالب: لأنه لا يوم بعده.
* الشيخ: لأنه لا يوم بعده، أحسنت.
قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أيش معناها؟ ﴿لَا خَوْفٌ﴾ ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .﴾
* طلبة: ما أخذناها.
* الشيخ: قال الله عز وجل: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ يعني عمل عملًا صالحًا، والعمل الصالح هو ما جمع شرطين: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة للرسول ﷺ.
وإن شئت فقل: الإخلاص لله، والمتابعة لشريعته حتى يكون أعمّ، فيشمل الذين آمنوا بالرسل السابقين، واتبعوا شرائعهم، فيقال: العمل الصالح ما جمع بين أمرين الإخلاص لله، والمتابعة للرسول الذي تكون شريعته قائمة، فالعمل الصالح ضده العمل الفاسد، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨)، واللفظ له من حديث عائشة.]] وهذا فات فيه المتابعة.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه أنه تعالى قال: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]] وهذا فُقِد فيه الإخلاص.
واعلم أن الإخلاص ليس بالأمر السهل، الإخلاص من أصعب ما يكون حتى إن بعض السلف يقول: ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستعيذ بالله أن يشرك بالله وهو يعلم، ويستغفره لما لا يعلم.
فالشرك أخفى من دبيب النمل على الصخرة السوداء؛ لذلك يجب على الإنسان أن يكون دائمًا يغسل قلبه من أدران الشرك ويتفقّد، حتى لا يقع فيه وهو لا يعلم.
﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أولًا في الإعراب، ﴿لَا خَوْفٌ﴾ ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ مع أن ﴿لَا﴾ في مقام النافية للجنس، والمعروف أن لا النافية للجنس تنصب الاسم، وترفع الخبر، كما قال ابن مالك:
؎عَمَلَ (إِنَّ) اجْعَلْ لِـ(لَا) فِي نَكِرَهْ ∗∗∗ مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ
فهنا نقول: (لا) لم تنصب، لأنها كُررت، وإذا كررت أُلغيت، فيكون ﴿لَا خَوْفٌ﴾ لا نافية، ولا نقول للجنس، نقول: ليس عليهم خوف، أي: من المستقبل؛ لأنهم آمنون مطمئنون، كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢].
﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي: على ما مضى؛ لأن ما مضى كله قد استوعبوه بطاعة الله فلا يحزنون على ما مضى؛ لأنهم رضوا بعاقبته وثوابه، ولا يخافون من المستقبل ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
* في هذه الآية من الفوائد: أن مِن اليهود والنصارى والصابئين مَن هو مؤمن بالله واليوم الآخر؛ لقوله: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة ١٢٦] وهو كذلك فمثلًا اليهود الذين آمنوا بموسى حين كانت شريعته قائمة يدخلون في كونهم مؤمنين بالله واليوم الآخر، والنصارى الذين آمنوا بعيسى حين كانت شريعته قائمة كذلك، والمؤمنون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم كذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ثواب الله عز وجل لا ينبني على حسب ولا نسب، وإنما ينبني على الإيمان والعمل الصالح، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات ١٣].
* ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي لنا عند التعبير أن نعبر عن اليهود باليهود، وعن النصارى بالنصارى، لكن صار القِسّيسُون من النصارى يلقّبون أنفسهم بالمسيحيين، ليُضفوا على ما هم عليه من الباطل ثوبَ الحق؛ يعني هم إن انتسبوا إلى المسيح انتسبوا إلى دينه، ولكن المسيح بريء منهم؛ لأنهم لم يقبلوا بشارته، ولم يصدقوا بها، ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى أله وسلم الذي أخذ الله على النبيين الميثاق أنهم يؤمنون به وينصرونه، فوصفهم الحقيقي ولقبهم الحقيقي هو النصارى، وما زال أهل العلم الذين يكتبون في التاريخ من المسلمين وغير المسلمين، ما زالوا يسمونهم بالنصارى، حتى عظمت دولة النصارى، واستولت على كثير من البلاد الإسلامية وسمت أنفسها بمَن؟ بالمسيحيين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر؛ لقوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما يكون بعد الموت، فسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه من أحوال اليوم الآخر، ونعيم القبر وعذابه كذلك، وقيام الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلًا كذلك، فكل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت فإنه داخل في الإيمان باليوم الآخر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان وحده لا يكفي؛ لقوله: ﴿آمَنَ﴾ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ فلو أن إنسانًا كان مقرًّا بالله وباليوم الآخر، وبالملائكة، والكتاب، والنبيين، والقدر، ولكن ليس عنده عمل صالح، فإن عليه الخوف، وله الحزن؛ لأن الله لم ينفِ الخوف والحزن إلا عن مَن آمن وعمل صالحًا.
فإن قال قائل: على هذا التقرير هل ترون أن ترك العمل الصالح -أي عمل يكون- يَكفر به الإنسان؟
فالجواب: لا؛ لأن التكفير شيء، والخوف من الذنوب والحزن على ما فات شيء آخر، ولا نُطلق الكفر إلا على مَن كفَّره الله ورسوله، ولا نطلقه إلا على من كفره الله ورسوله؛ لأن التكفير حكم شرعي يترتب عليه أمور عظيمة، والأحكام الشرعية لا تَتلقى إلا من الشرع، فلا يجوز أن نصف أحدًا بأنه كافر دون أن يكون كافرًا بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، ولا أن نسلب عنه الكفر إذا كان الكتاب والسنة يقتضي كفره، ولكن يبقى النظر إذا جاء إطلاق الكفر في القرآن والسنة، فهل نحمله على الكفر الأكبر أو على الأصغر؟
فالجواب: الواجب أن نحمله على الكفر الأصغر، هذا الواجب؛ لأن الأصل بقاء إسلام المسلم، فلا نخرجه من دائرة الإسلام إلا ليش؟
إلا بيقين؛ لأن اليقين لا يُرفع إلا بيقين، ولا يمكن أن يزال اليقين بالشك، فإذا جاء في القرآن والسنة إطلاق الكفر على عامل عمل كذا وكذا، وشككنا هل المراد الكفر المخرج من الملة أو الكفر الأصغر، فالواجب أن نحمله على الكفر الأصغر، لماذا؟
لأن الأصل بقاء الإسلام حتى نتيقن أنه خرج من الإسلام؛ ولأن التعبير بالكفر في مواطن كثيرة يتيقّن الإنسان أنه الكفر الأصغر بدلالة القرآن والسنة، مثال ذلك: قول النبي ﷺ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
إذا قال قائل: إذن مَن قاتل المؤمنين فهو كافر؛ لأن النبي ﷺ يقول: «قِتَالُهُ كُفْرٌ».
نقول: هذا ليس بصحيح؛ لأن الله قال في كتابه العزيز: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ٩، ١٠].
ولو كان المقاتل كافرًا كفرًا أكبر لم يكن أخًا لنا.
وكذلك قال في القصاص فيمَن قتل المؤمن، قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة ١٧٨] أخيه القاتل مع أن قتل المسلم كفر، فيقال: هذا يدل على أن إطلاق الكفر لا يقتضي الخروج من الإسلام، وكذلك يقول: «اثْنَتَانِ فِى النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: النِّيَاحَةُ، وَالطَّعْنُ فِى النَّسَبِ»[[أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة بلفظ: «اثْنَتَانِ فِى النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ».]].
وأمثال هذا كثير، وعلى هذا فنقول: الكفر حكم شرعي لا يجوز إطلاقه إلا على من أطلقه الله ورسوله عليه، ثم الكفر نوعان أيش هو؟
أصغر وأكبر، فإذا علمنا أن هذا من الكفر الأكبر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة قلنا: هو كفر أكبر، وإذا لم نعلم وجب حمله على الكفر الأصغر؛ لأن الإسلام متيقّن، والكفر مع الاحتمال ليس بمتيقن؛ ولأنه لا يمكن أن نستبيح دم المسلم إلا بنص صريح واضح.
فإذا قال قائل: إذا ثبت أن هذا كفر، فهل نحكم به على الشخص المعين أو لا؟
نقول: نعم، نحكم به على الشخص المعين إذا تمت شروط التكفير، فإننا نحكم عليه بأنه كافر بعينه، فلو رأينا رجلًا لا يصلي أبدًا، قلنا: هذا كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، للأدلة المعروفة، ولا تخفى على كثير منكم.
فإن قال قائل: وهل نكفره بعينه؟
قلنا: نعم، نكفره بعينه، وندعوه إلى الصلاة إن صلى ارتفع عنه الكفر والقتل، وإن لم يصلِّ قُتِل كافرًا بعينه.
وكذلك لو رأينا شخصًا يسجد للصنم، والسجود للأصنام كفر أكبر مخرج عن الملة، نحكم عليه بعينه بأنه كافر، ونستبيح دمه وماله.
ولو سمعنا أحدًا يسب الله ورسوله، نحكم عليه بعينه أنه كافر، ونستتيبه على القول الراجح، وإذا تاب رفعنا عنه القتل، ووصف الكفر، وإلا قتلناه كافرًا، وهلم جرًّا.
وأما ظن بعض الناس أنه لا يُكفَّر أحدٌ بعينه، إلا إذا جاء في القرآن والسنة أنه كافر بعينه، فهذا غلط عظيم؛ لأننا لو أخذنا بهذا القول ما بقي أحد كافرًا، نعم، لا نحكم له بالنار إلا إذا عين في الكتاب والسنة، وهناك فرق بين الحكم بالكفر، وبين أيش؟
الشهادة له بالنار، فإننا لا نشهد له، لو شهدنا بأنه كافر لا نقول إنه في النار بعينه، لكن نقول: هذا كافر، وكل كافر في النار، هذا صحيح، كل كافر في النار، وأهل السنة والسلف أنكروا الشهادة لمعين بألقاب المدح والثناء، ولم يُنكر التعميم، خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «إنكم تقولون: فلان شهيد، فلان شهيد، ولعله حَمَّلَ بعيره -يعني غلولًا- لا تقولوا: شهيد، ولكن قولوا: مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد »[[أخرجه النسائي (٣٣٤٩)، وأحمد (٢٨٥) بلفظ: وأخرى يقولونها لمن قُتل في مغازيكم أو مات: قُتل فلان شهيدًا أو مات فلان شهيدًا، ولعله أن يكون قد أَوقَرَ عجزَ دابّته أو دف راحلتِهِ ذهبًا أو وَرِقًا يطلبُ التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي ﷺ: «مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مَاتَ فََهُوَ فِي الْجَنَّةِ».]]، فيجب أن تعلموا الفرق بين الحكم بالكفر وبين أيش؟
وبين الشهادة بالنار، ذكرنا أنه يُحكم بكفر المعين إذا تمت شروط التكفير، شروط التكفير لا بد من معرفتها:
أولًا: أن يكون الإنسان قاصدًا لما قال أو فعل، أن يكون قاصدًا لما قال أو فعل، فإن لم يكن قاصدًا فلا شيء عليه لأنه مغلوب، وجميع الألفاظ التي يُغلب عليها الإنسان لا حكم لها لا في الكفر، ولا في الطلاق، ولا في العتق، ولا في الوقف، ولا غيرها فإنه لا حكم لها؛ لأن النبي ﷺ قال: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»[[أخرجه أبو داود (٢١٩٣)، وابن ماجه (٢٠٤٦) واللفظ له، من حديث عائشة، بلفظ: «لَا طَلاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ».]].
وقال الله عز وجل: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة ٢٢٥] فلا بد من القصد.
بناءً على ذلك لو أكره الإنسان على الكفر، فإنه لا يكفر بنص القرآن ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦].
ولو أن الإنسان قال كلمة الكفر من شدة الغضب، فإنه لا يكفر، لماذا؟ لعدم القصد، هو ما قصد أن يتكلم بهذا، لكن غُلب عليه حتى تكلم فلا يكفر.
ولو أن الإنسان قال كلمة الكفر من شدة الفرح -عكس الأول- فإنه لا يكفر؛ لأنه مغلوب ولم يقصد، والحديث في هذا صريح في قصة الرجل الذي أضل راحلته، وعليها طعامه وشرابه حتى أيس منها، فنام تحت شجرة، فإذا بالناقة قد حضرت فأخذ بزمامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح[[أخرجه مسلم (٢٧٤٧ / ٧) من حديث أنس بن مالك.]]، وليس عليه شيء، كلامه هذا لا يترتب عليه شيء؛ لأنه أيش؟ عن غير قصد، لكن مع الفرح الشديد أخطأ.
ومن ذلك أيضًا الخطأ في التأويل، لو أن الإنسان فعل ما يُكفِّر تأويلًا، وظنًّا منه أن هذا هو الحق فإنه لا يكفر؛ لأنه لم يقصد الكفر، وإنما فعل هذا الشيء أو قال هذا الشيء بناء على أنه حق وحلال، ولو علم أنه كفر لكان أشد الناس نفورًا منه، ويشهد لذلك قصة الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه، ويلقوه في اليم وقال: والله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين.
فهذا إنما أمر بهذا الشيء خوفًا من عقاب الله، وظنًّا منه أنه لو بعثه الله لعذبه عذابًا شديدًا، فجمعه الله عز وجل، وسأله لماذا فعلت؟
قال: يا رب، جعلت هذا خوفًا منك، فغفر الله له[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨١)، ومسلم (٢٧٥٦ / ٢٤) من حديث أبي هريرة.]]. اللهم لك الحمد، غفر الله له؛ لأنه إنما فعل هذا خوفًا من عقاب الله عز وجل، فظن أن هذا لا يضره، ومنه على بعض التفاسير فعل يونس عليه الصلاة والسلام ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء ٨٧] وألا نضيق عليه أشد من الضيق الذي حصل له، والذي حصل له من الضيق أشد.
ولكنه عليه الصلاة والسلام لا شك أن هذا ما قاله إلا عن تأويل أو ما ظنه إلا عن تأويل، وهذه مسألة مهمة، وعليها بنى الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه، بنى عليها أن الخوارج ليسوا كفارًا، لماذا؟
لأنهم استباحوا دماء المسلمين بأيش؟ بتأويل، هم يرون أنهم يتقربون إلى الله بقتل المسلمين؛ لأنهم لا يرون أنهم على حق، أي أن المسلمين ليسوا على حق، فهم متأولة.
ومن العلماء من أطلق كفرهم بناء على الأحاديث الواردة فيهم، والآخرون قالوا: هذا في الخوارج المعينين الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب، وليس كل خارج يكون كافرًا، فالمهم الآن ويش اشترطنا؟ القصد، وهذا من أهم شيء.
الجاهل، الجاهل غير قاصد للمخالفة، وانتبهوا لهذه المسألة ترى مهمة جدًّا جدًّا، القصد، الجاهل الذي يسجد للصنم ظنًّا منه أنه ليس حرامًا؛ لأنه عاش في بلد الكفر، وكان حديث الإسلام فظن أن هذا لا يضر، فهل نقول: إنه كافر؛ لأنه مشرك أو لا؟
لا نقول هذا حتى نعلمه أن هذا شرك، فإذا أصر على ذلك وقال: إنه وجد آباءه على ذلك صار كافرًا.
الزنا حرام بإجماع المسلمين، فلو أنكر أحد تحريمه؛ لأنه لم يعرف الإسلام، أسلم حديثًا فإنه أيش؟
لا يكفر؛ لأنه لا بد من العلم، وهذا تدل عليه أحاديث كثيرة وآيات كثيرة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥].
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص ٥٩] ومَن الظالم؟
الظالم الذي يفعل المخالفة عن قصد وعلم، وأما من فعلها عن جهل أو خطأ في تأويل أو غيره فليس بظالم، فلا بد من مراعاة هذه الأشياء لئلا تزل القدم فتُكفر من لم يكفره الله ورسوله، وإذا كفرت من لم يكفره الله ورسوله باء الكفر عليك -نسأل الله العافية- كما جاء في الحديث الصحيح: «أَنَّ مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ»[[أخرجه مسلم (٦١ / ١١٢) من حديث أبي ذر بلفظ: «مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ» أَوْ قَالَ: «عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ».]] أي: رجع عليه.
عكس ذلك من لا يُكَفِّرُون بترك الأعمال أبدًا حتى ما جاء به الشرع لا يقرون به، فيقولون: إنه لا كُفْرَ إلا في الاعتقاد فقط، وأما الأعمال فليس فيها كفر، يزني، يسرق، يقتل، يترك الصلاة، يترك الزكاة، يترك الحج، هو لا يكفر، وهذا خطأ.
ودائمًا الحق يكون بين طرفي نقيض، إما إفراط، وإما تفريط، والواجب علينا أن نتعبد لله عز وجل بما نذكر من أحكامه، وبما نفعل من شريعته، فلا نذكر من أحكامه ما لم يذكره، إذا كان الله يقول: ﴿لَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل ١١٦]، فكيف بالذي يقول: هذا كفر وهذا إسلام، هذا أشد؛ لأن الكفر يا إخوان يترتب عليه أيش؟
أحكام عظيمة، يترتب عليه أن هذا الذي حكمنا بكفره، دمه حلال، وماله حلال، ولا يبقى معه زوجة، ولا يدفن مع المسلمين، وإذا كان إمامًا يجب الخروج عليه، وما أشبه ذلك من الأمور العظيمة.
ما هي المسألة كلمة تُقال، المسألة خطيرة جدًّا، ثم مع ذلك هؤلاء الذين يُكفرون مَن لم يكفره الله ورسوله هم يَكفرون بماذا؟
لقتالهم المسلمين، قتالهم المسلم كفر[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]] كما جاء في الحديث الصحيح، وإذا قلنا: إنه كفر أصغر كما تدل عليه آية الحجرات، قلنا: ولكنه يَحتمل أن تنجر به المعاصي والكبائر.
الكفر يا إخوان يترتب عليه أيش؟ أحكام عظيمة، يترتب عليه أن هذا الذي حكمنا بكفره دمه حلال، وماله حلال، ولا يبقى معه زوجه، ولا يدفن مع المسلمين، وإذا كان إمامًا يجب الخروج عليه، وما أشبه ذلك من الأمور العظيمة، ما هي المسألة كلمة تقال، المسألة خطيرة جدًّا، ثم مع ذلك هؤلاء الذين يكفرون من لم يكفر الله ورسوله، هم يكفرون بماذا؟ بقتالهم المسلمين، قتالهم المسلمين كفر كما جاء في الحديث الصحيح[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث ابن مسعود.]].
وإذا قلنا: إنه كفر أصغر كما تدل عليه آية الحجرات، قلنا: ولكنه يحتمل أن تنجر به المعاصي والكبائر حتى أيش؟ يكفر كفرًا أكبر.
فالمهم أن هذه المسائل يجب علينا ألا نتقدم بين يدي الله ورسوله، وألا نكفر من لم يكفره الله ورسوله، وألا نحجم عن تكفير من كفره الله ورسوله، والحمد لله الأمر إلى الله، ما هو لنا ولا لفلان ولا لفلان.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، يأتي أناس يقولون: إن الكفر يكون بالأعمال، ويقولون: الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل إذا كان تقرر وصار عامًّا ليس بمسألة واحدة، إنما مقررًا ومشروعًا مستبدلًا بحكم الله عز وجل، يقول: سواء كان عامًّا أو كان في ناحية من النواحي ما دام أنه مقرر: إنه كفر، ويجب علينا أن نكفر من أقر هذا الحكم، حتى لو حكم من تسعين في المئة حكم الله عز وجل، لكنه قرر عشرة بالمئة من أحكامه بغير ما أنزل الله أقرها وناضل عنها، هل هذا صحيح أم ماذا؟
* الشيخ: كما قلت لك: ينظر هل هو عن قصد، هل هو عن تأويل، وهل أراد أن يستبدل شريعة الله بشريعة أخرى؟ الناس يختلفون؛ لأن الذي يحكم بغير ما أنزل الله قد يكون ظلمًا، يعني يريد أن يضر المحكوم عليه، ما له غير هذا، هذا معصية من المعاصي، كما لو أخذ ماله بدون حكم، واضح؟ أو يريد مصلحة لنفسه، هو لا يريد أن يأخذ من المحكوم عليه شيئًا، لكن يريد مصلحة نفسه، فيحكم بغير ما أنزل الله، هذا أيضًا لا يكفر بلا شك، هذا يكون فاسقًا، وتارة يحكم بغير ما أنزل الله غير راضٍ بحكم الله، هذا يكفر؛ لأنه أنكر الشريعة، وتارة يحكم بغير ما أنزل الله متأولًا إما بنفسه وإما بما يزين له.
ولنضرب لهذا مثلا: بعض العلماء من المسلمين يقولون: مسائل الحياة هذه الشرع جعلها مطلقة، ينظر الإنسان ما هو أصلح للناس ويفعل، ثم يستدلون بأشياء هي شبهات، ما هي حجج، فيقولون: إن الرسول ﷺ قدم المدينة ووجدهم يلقحون النخيل فقال لهم: «مَا هَذَا؟». كأنه يقول: اتركوها، لا تلقحوها،« فتركوها ففسد الثمر، فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا له: يا رسول الله، هذا الثمر فسد. قال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٣٦٣ / ١٤١) من حديث عائشة.]].
أخذ بعض الناس من قوله: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ» أنهم أيش؟ يعني الذي يرون أنه من المصلحة يفعلونه، حتى الربا الاستثماري الذي يسمون: ربا استثماري، يقولون: إنه جائز؛ لأن الرسول قال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ»، وما دام أن البنك مثلًا يعطي هذا الفقير أموالًا عظيمة ينشئ بها المصانع أو يحرث بها الأراضي أو يتجر بها فهو منتفع، والفقير منتفع، هذه مصلحة للطرفين، وما دامت مصلحة للطرفين فإنه حلال. فيموهون بمثل هذا، فإذا كان الحاكم جاهلًا بالأحكام الشرعية وجاءته بطانة تلبس عليه الأمور ربما أنه يميل إليها، لكن يجب على أهل العلم أن يبينوا أن هذا حرام وأنه لا يجوز، وتقوم عليه الحجة.
* الطالب: يقولون: نحن نحكم حكمًا عامًّا، أما التفسير فلا، يقول: الوصول إلى شخص معين بمكانه كل واحد بنفسه ما يستطيع، يقول: ما دام أن القضية معينة وحصلت نقول: هذه كفر أكبر أو أصغر، أم أن الناس إذا كل واحد من فهمه هذه يعني يقول: يصعب علينا يقول: نحن ما نبغي الله عز وجل إلا إذا حكمنا بهذه بمقتضى الأدلة؟
* الشيخ: إلا كفرناه.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: غلط، هذا غلط عظيم، كيف تحكم بكفره وما بعد تعتمد الشروط، لا بد من الشروط.
* طالب: جزاك الله يا شيخ، ذكرنا أن الشرط الأول أن يكون الإنسان قاصدًا بما قال أو فعل، فيه شروط غير هذا يا شيخ؟
* الشيخ: العلم داخل في هذا، حقيقة أن الشرط الوحيد الأكيد هو هذا الذي ذكرنا، القصد، الجاهل قد قصد العمل لكن ما قصد المخالفة، ولهذا كان القول الراجح في الحنث في الأيمان أن من حنث في يمينه جاهلًا أو ناسيًا فلا كفارة عليه، كما لو قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم وجد ثوبًا معلقًا فلبسه، ولا يدري أنه الثوب الذي حلف عليه، فليس عليه شيء، أو نسي، المهم أنه قد تكون جميع الشروط التي تذكر تعود إلى هذا.
لكن قد يقول قائل: ما رأيكم بالمستهزئ أيكفر أو لا؟
* طلبة: يكفر.
* الشيخ: يكفر بنص القرآن، فكيف يتفق هذا مع قولنا: إنه يشترط القصد، نقول: نعم؛ لأن المستهزئ قصد؛ قصد الفعل أو القول، لكن لم يدرِ عما يترتب عليه، نظير ذلك: الإنسان مثلًا جامع في نهار رمضان، يدري أنه حرام، لكن لا يدري ماذا يترتب عليه، لا يدري أنه يترتب على هذا الفعل كذا وكذا، ولكن يعلم أنه حرام، نقول: يجب عليه الكفارة.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٧١) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة ٧٠ - ٧٦] .
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











