الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾، الخطاب هنا للرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: قل لهم، ناظِرهم، جادِلهم. ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾، والمراد: اليهود والنصارى. ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾، ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ﴾ (هل) هنا استفهامية، والمراد بها أيش؟ النفي؛ لأننا ذكرنا أنه إذا جاء الاستثناء بعد الاستفهام فهو دليل على أن الاستفهام للنفي. ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ﴾، أي: ما تنقمون منا إلا كذا، وهو نظير قوله تعالى لأصحاب الأخدود: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج ٨]. ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾، بماذا تعيبوننا، بأي شيء إلا بهذا، وهل هذا عيب؟ لا، الإيمان بالله وبما أنزل إلينا وما أنزل من قبل هو عيب؟ لا، ليس بعيب، فكأنه قال: أنتم لا تعيبون علينا شيئًا هو عيب، بل تعيبون علينا شيئًا هو كمال، وهو الإيمان بالله، وما أنزل إلينا، ومثل هذا الأسلوب يسميه علماء البلاغة: تأكيد المدح بما يشبه الذم. ولا بأس أن نقول: تأكيد المدح بما يشبه الذم له صورتان: الصورة الأولى: نفي وإثبات، تُنْفَى صفة الذم، ويؤتى بعدها بصفة مدح مُثبَتَة، أفهمتم؟ * طالب: مثاله يا شيخ؟ * الشيخ: ارجع، هذا المثال اللي معنا، الآية، لكن هي أولًا تُنْفَى صفة العيب، ويؤتى بعدها بإثبات صفة كمال، فهذا يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم، اسمع إلى قول الشاعر: ؎وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ نَزِيلَهُمْ ∗∗∗ يُعَابُ بِنِسْيَانِ الْأَحِبَّةِوَالْوَطَنْ ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم الذي ينزل عليهم، يعاب بنسيان الأحبة والوطن، يعني أن فيهم تسلية عن الأحبة والوطن، هذا عيب ولّا مدح؟ طلبة: مدح. * الشيخ: لكن أول ما تسمع: ولا عيب فيهم غير أن، تترقب الذم، وكذلك قول الشاعر: ؎وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ∗∗∗ بِهِنَّ فُــــــــــــــــــــــــــــــلُولٌ مِنْقِرَاعِ الْكَتَائِبِ الأول: يمدحهم بالكرم، والثاني: بالشجاعة، هذا ما فيهم عيوب، لكن ينزل عليهم ضيف ينسى كل شيء؛ لإكرامهم الضيف، واحتفائهم به. وكذلك الآخر: لا عيب فيهم غير أن سيوفهم، يعني: ليس فيهم أي جُبْن، وليس فيهم عيب، إلا أن سيوفهم قد تثَلَّمت من قرع الكتائب؛ لشجاعتهم، هذا نوع وصورة من صور تأكيد المدح بما يشبه الذم. ثانيًا: أن يُؤتَى بصفة مدح، ويستثنى بعدها صفة ذم، فهمتم؟ يؤتى بصفة مدح ثم يؤتى بعدها بصفة ذم بأداة استثناء، تقول: هذا الرجل عالم إلا أنه شجاع، ويش يكون هذا، مدح ولّا ذم؟ عالم إلا أنه ويش بتتوقع؟ صفة ذم، فإذا به يقال: إلا أنه شجاع، هذا أيضًا من تأكيد المدح بما يشبه الذم. لننظر الآية: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، هذا مدح، إذن الخطاب لهؤلاء نقول لهم: إنكم لا تنقمون منا شيئًا إلا هذا، وهذا ليس مما يقتضي أن تنقموا منا. ﴿إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ وهو القرآن، ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾ وهو التوراة، والإنجيل، وصحف إبراهيم، والزبور، وغير ذلك، نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على كل رسول، هل هذا يُنْقَم من الإنسان؟ لا، ما يمكن يُنْقَم. لكن هؤلاء نَنْقِم منهم أنهم لم يؤمنوا بما أُنْزِل إلينا، بل نقول: لم يؤمنوا بما أُنْزِل إليهم أيضًا، أهل الكتاب الآن لا يؤمنون بما أُنْزِل إلينا، وحقيقة أنهم لا يؤمنون بما أُنْزِل إليهم؛ لأنهم لو آمنوا بما أُنْزِل إليهم لآمنوا بما أُنْزِل إلينا؛ إذ إن ما أُنْزِل إلينا مُصدِّق لما أُنْزِل إليهم، لكن هم لا، يكذِّبون هذا وهذا. قال: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ﴾ معطوفة على أيش؟ هل هي معطوفة على ﴿إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، أو معطوفة على لفظ الجلالة؟ يعني: إلا أن، أو على لفظ الجلالة؟ فيها وجهان، لكن الصواب الذي قد يكون متعيَّنًا أنها معطوفة على ﴿بِاللَّهِ﴾، يعني: إلا أن آمنا بأن أكثركم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله بالكفر. قد يقول قائل: إذا حملتها على هذا المعنى فهم ينقِمون؛ لأنهم لا يريدون أن أكثرهم فاسق، فينقمون منا أن نؤمن بأن أكثرهم فاسق؟ فيُقال: هذا لا نستحق أن ينقِمُوا منا به؛ لأننا لم نقل: وأنكم فاسقون، بل نقول: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، وهذا هو العدل؛ لأن منهم من كان مؤمنًا، وآمن فعلًا مثل: النجاشي من النصارى، وعبد الله بن سلَام من اليهود، لكن أكثرهم فاسقون، فهذا عدل، كأنه قال: ما تنقمون منا إلا أن قمنا بما يجب لله، وما يجب في عباد الله، ما الذي يجب لله؟ الإيمان به، وبما أَنْزَل، وما يجب لعباد الله العدل؛ أن نعطي كل إنسان ما يستحق، فأكثر هؤلاء فاسق بلا شك، ونحن نؤمن بهذا، ونؤمن بأن من اليهود من آمن وحسُن إيمانه، ومن النصارى من آمن وحسُن إيمانه، وهذا هو العدل، لم نحكم على الأمة بفعل أكثرها، بل أعطينا كل إنسان ما يستحق. * طالب: شيخ بارك الله فيك، الصورة الثانية يا شيخ من صور تشبيه المدح بما يشبه الذم؟ * الشيخ: أنت طالب علم، أليس كذلك؟ إذا قلنا: فلان طالب علم غير أنه مجتهد في العبادة، هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم؛ لأنك إن قلت: فلان طالب علم غير، يتوقع المخاطب أن تأتي صفة ذم، لكنك أنت أعقبتها بصفة مدح. * طالب: شيخ، قولنا: إنه شُرِعَ لمن يسمع المؤذن أن يتابعه، بأنه لم يُحْرَم من الأجر، معنى ذلك أنه يحصل على الأجر الذي يحصل عليه المؤذن؟ * الشيخ: لا، ما يحصل، لكن يشارك المؤذن في بعض الثواب، ونظير ذلك من بعض الوجوه أنه شُرِع لمن لم يحج أن يضحِّي، حتى يشارك الحجاج في شيء من أفعالهم كذبح القربان. وشُرِعَ له أيضًا أن يتجنب الأخذ من الشعور، والأظافر، والجلد، كل هذا لأجل أن يعرف الناس حقوق الله عز وجل. * طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، مر معنا بالأمس في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة ٥٦] التأكيد على عدم مشروعية التعددية الحزبية بين المسلمين، يظهر الآن -بارك الله فيك يا شيخ- في كثير من المجلات الإسلامية مقالات لما يسمى بأهل الفكر المسلمين تنص على ما يلي: أولًا: أنه يجوز التعدد الحزبي؛ لأن هناك تعددًا مذهبيًّا مقبولًا عند المسلمين، هذه واحدة. الثانية: قال بعضهم بالحرف: إن الخوارج يمثِّلون أول تعددية حزبية مقبولة في ظل الدولة الإسلامية، فما توجيهكم؟ * الشيخ: أما أولًا فيقال: إن تعدد المذاهب، ما هي إلا تعدد أقوال فقط، لكن لا يتحزبون، وإن كان وُجِد من المتعصبين من المذاهب ما يقتضي أن يكون تحزبًا، لكنهم مستحقون للذم، وإلا وُجِد في العصور الوسطى تعصب، حتى إن بعض الحنابلة يضربون الشافعية، والشافعية يضربون الحنابلة، لكن هذا منكَر بلا شك، هذه واحدة. أما مسألة الخوارج فالخوارج يقاتِلون على أنهم مسلمون، ومع ذلك فإن كثيرًا من علماء السلف أخرجهم من الإسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) من حديث أبي سعيد الخدري.]]. أما مسألة الفكر وما الفكر هذه، فالفكر إن كان مخالفًا لما جاء به الإسلام فهو فكر باطل مردود على صاحبه، وهذا مثل قول الكفار: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف ٢٢]، وإن كان فكرًا صوابًا فلا بد أن يكون في الإسلام، ولا يقتضي التحزبية. * طالب: في الأذان الذي ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم يكونون «أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»[[أخرجه مسلم (٣٨٧ / ١٤) من حديث معاوية.]]، هل هذا فيمن يداوم دائمًا على الأذان، أو أنه فيمن أذَّن في بعض الأحيان (...)؟ * الشيخ: الظاهر أنه المؤذِّنون الذين دائمًا يؤذِّنون، يعني من يسمى مؤذِّن، وإلا لقال الرسول: من أذَّن كان أطول الناس. * طالب: شيخ، بارك الله فيكم، انتشر بين الناس اليوم قول: لا إله إلا الله، بعد الإقامة، وصاروا يجعلون هذا سُنَّة، يعني شاع في كثير من المساجد حتى إنهم يضجون بها ضجًّا يعني يستغرق المسامع؟ * الشيخ: هذا بارك الله فيك مبني على صحة الحديث، وهو متابعة المقيم، والصحيح أن الحديث ضعيف، وأن متابعة المقيم ليست بسُنَّة، ومنها أيضًا أن يقال: أقامها الله وأدامها، فلا يقال: أقامها الله وأدامها، ولا يقال: لا إله إلا الله، في آخرها، ولا يقال بعد ذلك: اللهم رب هذه الدعوة التامة. * الطالب: شيخ، هم ما يردِّدون أصلًا، كثير منهم سُئِل هل تردد مع المؤذن، قال: لا. * الشيخ: صحيح هذا من جهلهم. * الطالب: طيب يُنْكَر وبدعة هل تُنْكَر؟ * الشيخ: يبين هذا غلط، وليس من المشروع. * طالب: عفا الله عنك يا شيخ، من المعلوم أن غير سنة الرسول ﷺ لا تُقبَل في الإسلام؟ * الشيخ: صحيح. * الطالب: ولكن الناس اليوم من يدَّعون الأحزاب يصوِّبون رأيهم، والرسول ﷺ يقول: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١ / ٥) من حديث أنس.]]، سنة الرسول ﷺ ما هي متعددة، سنة واحدة، ملة واحدة، كيف يا شيخ، يسيغ في قلوبهم هذا؟ * الشيخ: قل: اللهم اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم، اللهم أَرِنَا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه. * طالب: شيخ، ذكرنا أن القول الراجح أن الأذان أفضل من الإمامة، هل هذا من حيث الأجر أو المرتبة؟ * الشيخ: لا، من حيث الأجر، ومن حيث المرتبة أيضًا، الإمام صحيح أنه متبوع، لكن المؤذن يلحق مشقَّات عظيمة، وفي الزمن السابق يصعد المنارة الطويلة خمس مرات في اليوم والليلة، ثم المؤذن مشكِل إذا تأخر أيش؟ فضح نفسه، كلٌّ يعرف أنه ما حضر، والإمام ليس كذلك. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة ٥٩-٦٣]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا﴾ أخذنا فوائدها. ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الاستفهام هنا بمعنى؟ * طالب: المدح. * الشيخ: بمعنى المدح، يعني: ما تنقمون منا إلا كذا. ومثل هذا الأسلوب يسمى؟ * طالب: تأكيد المدح بما يشبه الذم. * الشيخ: تأكيد المدح بما يشبه الذم، ذكرنا أن له صورتين؟ * طالب: الصورة الأولى أن يأتي بصفة ذم.. * الشيخ: منفية. * الطالب: أن يأتي بصفة ذم ثم يأتي بعدها بصفة مدح.. * الشيخ: مُثْبَتَة. * الطالب: كقول الشاعر: ؎وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ نَزِيلَهُمْ ∗∗∗ يُعَابُ بِنِسْيَانِ الْأَحِبَّةِوَالْوَطَـــــــــــــــــــــــــــنْ * الشيخ: نعم، والصورة الثانية؟ * طالب: يأتي بصفة مدح ثم يستثني بعدها صفة ذم. * الشيخ: صفة ذم؟ * الطالب: نعم، يأتي بصفة مدح ثم يأتي بعدها بصفة ذم، مثلًا أن تقول: هذا رجل عالم إلا أنه مجاهد. * الشيخ: إلا أنه جاهل؟ * الطالب: مجاهد. الشيخ: كل هذا صفة مدح، يعني أن يؤتى بصفة مدح مُثْبَتَة، ثم باستثناء صفة مدح أخرى، كذا؟ طيب، فلان عالم إلا أنه شجاع، هذا مدح ولّا ذم؟ * طالب: مدح. * الشيخ: تأكيد المدح بما يشبه الذم؛ لأنك إذا قلت: فلان عالم إلا، يتوقع السامع أنك ستأتي بصفة ذم. قوله: ﴿إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾، ما المراد: بـ ﴿مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾؟ * طالب: التوراة، والإنجيل. * الشيخ: التوراة، والإنجيل فقط؟ * الطالب: والزبور. * الشيخ: والزبور، ثلاثة. * الطالب: صحف إبراهيم وموسى. * الشيخ: وغيره؟ * طالب: يتناول كل ما (...). * الشيخ: يتناول كل كتاب أنزله الله على كل رسول: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥]. قوله: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ ويش معنى الآية؟ * طالب: (...). * الشيخ: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، هل هي معطوفة على ﴿أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، أو معطوفة على لفظ الجلالة؟ * طالب: على لفظ الجلالة، آمنا بأن أكثركم فاسقون. * الشيخ: إي، ما فيها قول ثانٍ؟ * طالب: فيه قول ثانٍ: أنها معطوفة على ﴿أَنْ آمَنَّا﴾. * الشيخ: والمعنى؟ * طالب: آمنا ولكنكم فاسقون. * الشيخ: إلا أن آمنا بالله وأن أكثركم فاسقون، كذا؟ يعني: وإلا أن أكثركم فاسقون، وهل هذا محل انتقاد وعيب وكراهة؟ * طالب: لا، ليس محل عيب، بل إنكار عليهم، كيف تنقمون منا هذا، وهذا ليس محل عيب، ولا كراهة، الإيمان بالله ليس محل عيب، ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ أيضًا هذا ذنبكم (...). * الشيخ: نعم؛ لأنكم مخالفون لهذا، وفي قوله: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ﴾ احتراز منين؟ * طالب: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ﴾ فيه ناس غير فاسقة. * الشيخ: نعم، مثل من؟ مثِّل بواحد من النصارى، وواحد من اليهود؟ * الطالب: النصارى والذين هادوا اليهود. * الشيخ: لا، مثِّل بشخص معين، اذكر لي شخصًا معينًا من النصارى آمَن؟ * طالب: النجاشي. * الشيخ: النجاشي، أليس كذلك؟ * طالب: بلى. * الشيخ: ومن اليهود؟ * الطالب: عبد الله بن سلَام. * الشيخ: عبد الله بن سلَام، بارك الله فيك. * * * قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا﴾ إلى آخره. * من فوائد هذه الآية الكريمة: تحدي أولئك الذين ينقمون من أهل الخير خيرَهم؛ لقوله: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ﴾ ﴿إِلَّا﴾، وهذا ليس بمحل نَقْمٍ أو كراهة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذه الأمة لها فضل ومزية على الأمم السابقة؛ لأنها تؤمن بالله، وما أُنْزِل إليها، وما أُنْزِل من قبل، وهذا لا يوجَد في الأمم الآخرين، لا يوجد إلا في هذه الأمة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣]، ولا يمكن أن نكون شهداء على الناس إلا إذا كانوا سبقونا حتى نعلم ما حصل لهم. * إذن فيستفاد من هذا: فضيلة هذه الأمة؛ لكونها تؤمن بالله، وما أُنْزِل إليها، وما أُنْزِل من قبل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للمؤمن أن يكون صريحًا فلا يداهن؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، وهذه المقابلة الصريحة بوصفهم بالفسق. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: الاحتراز الذي يراعَى به العدل؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، ولم يقل: وأنكم فاسقون؛ لأنه لو كنا نؤمن بأنهم فاسقون كلهم لكان هذا محل نقد، لكننا لا نقول إلا أن أكثرهم فاسقون. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الفسق يراد به الكفر، وهذا واضح حتى في القرآن، في غير هذه الآية ما يدل على أن الفسق يُراد به الكفر، ويراد به الخروج عن الطاعة مما دون الكفر، فقوله تبارك وتعالى في سورة السجدة لما قال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ [السجدة ١٦-١٨] المراد بالفاسق هنا: الكافر؛ لقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة ٢٠]، والذي يكذِّب بالنار فسقه كفر؛ لتكذيبه خبر الله عز وجل. الفسق الذي لا يُخرج من الملة مثل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦]. إذن المراد بهذه الآية ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، المراد: فسق الكفر؛ لأنهم كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب