الباحث القرآني

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ [المائدة: ٥٣] الاستفهام هنا للتعجيب؛ يعني: اعْجَبُوا -أيها الناس- لهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم، ولا شك أن المنافقين يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم مع المؤمنين ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة ١٤]، ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون ١]. ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ إذن الاستفهام لأيش؟ للتعجيب؛ يعني: اعْجَبْ -أيها الإنسان- مِن هؤلاء الذين يقولون: إننا لمعكم كيف كانت حالهم. ﴿الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ (أقسموا به) أي: حلفوا به، والإقسام والحلف واليمين معناها واحد وهو تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّمٍ بصيغة مخصوصة، هذا القسم، تأكيد الشيء بذكر معظم بصورة مخصوصة وهي الواو والباء والتاء، هذه حروف القسم، الواو والباء والتاء، تقول: والله، وتقول: بالله، وتقول: تالله، إذنْ لا بد من أن يكون هناك تأكيد، ولا بد أن يكون المحلوف به مُعَظَّمًا، ولا بد أن تكون بهذه الصيغة. يوجد أشياء تكون بمعنى اليمين ولكنها ليست يمينًا كالحلف بالطلاق، والحلف بالنذر، والحلف بقول: لعمرك، وما أشبهها هذه ليست يمينًا اصطلاحًا وإن كان معناها معنى اليمين. ﴿أَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ إذنْ ﴿أَقْسَمُوا﴾ أي: حلفوا، والإقسام والحلف واليمين معناها تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة. ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ يعني أبلغ ما يكون من الأيمان، وأبلغ ما يكون من الأيمان إما أن يكون بالصيغة وإما بقرنه بالشهادة وإما بقرنه بالدعاء على الحالف وما أشبه ذلك، فمثلًا إذا قال: أشهد بالله مقسمًا به أن كذا كذا وكذا، هذا مؤكد بالشهادة، وإذا قال: والله إني لفاعل كذا وكذا، هذا مؤكد بالصيغة، هؤلاء يقسمون أقوى وأشد ما يكون من الإقسام. ﴿إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ مع مَنْ؟ مع المؤمنين، يقسمون بذلك إنهم لمعهم لكنهم ليسوا معهم. وقوله: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ قالوا: إنه يحتمل أن يكون من جملة القول، ويحتمل أن يكون استئنافًا من عند الله، يعني إن قلنا: إنه من جملة القول صار كالتعليل أو كالبيان لقوله: ﴿إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ يعني كأنه قال: وما هم معكم لأنهم حبطت أعمالهم، ولا تحبط إلا بالكفر، والكافر ليس مع المؤمن قطعًا. وقيل: إنها من عند الله، يعني: إن الله أخبر المؤمنين بأن هؤلاء حبطت أعمالهم حتى وإن تظاهروا بالإسلام فأعمالهم حابطة، وحبوط الشيء بمعنى ذهابه سُدًى لا يُنْتَفَعُ به ولا يُعْتَدُّ به. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ (العمل) هنا يشمل القول والفعل والاعتقاد إذا أطلق، وإذا قُرِنَ العمل بالقول صار المراد به عمل الجوارح. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾ قلنا: إن أصبح هنا بمعنى صار، المعنى أنهم بعملهم هذا صاروا خاسرين فعندهم الندم كما سبق في الآية الأولى وعندهم الخسران -والعياذ بالله- وأنهم لم يربحوا ولن يربحوا أيضًا، مع أن المنافقين يعتقدون أنهم المفلحون وأنهم هم المصلحون وأنهم هم الذين أرادوا الإحسان والتوفيق، ولكنهم في الحقيقة هم المفسدون ولا إحسان ولا توفيق بل هم الخاسرون. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجوز للمرء أن يجري الكلام على سبيل التعجيب فيمن يستحق العجب منه ولا يُعَدُّ ذلك من باب الغيبة؛ لأن الله تعالى ذكر هذا عن المؤمنين ولم ينكره عليهم بل ذكره كالمادح لهم. * ومنها؛ من فوائد الآية الكريمة: كَذِب المنافقين وأنهم يُرَوِّجُون باطلهم ونفاقهم بالأيمان؛ ولهذا قال بعض الناس: إذا رأيت الذي يكثر الأيمان على ما لا يحتاج إلى كثرة الأيمان فاعلم أنه كاذب؛ لأنه يريد أن يُرَوِّج كَذِبَه بكثرة الأيمان، وإلَّا فالصادق لا يحتاج إلى كثرة الأيمان، بل ولا يحتاج إلى يمين أصلًا لأنه واثق من نفسه إلا إذا كان المخاطب مُنْكِرًا أو شاكًّا فقد يؤكده. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنافقين يُقْسِمُون بالله ويُظْهِرون تعظيم الله كما أنهم يذكرون الله ويُصَلُّون ويَتَصَدَّقون لكن كل هذا لا ينفعهم لعدم الإيمان في قلوبهم -أجارنا الله وإياكم من ذلك- لعدم الإيمان لا ينفعهم هذا كله. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن عمل المنافق حابط؛ لقوله: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ ولا يمكن أن ينفعه عمله، لو أنه تصدق هل تنفعه الصدقة؟ لا تنفعه، في الآخرة قطعًا لا تنفعه، في الدنيا قد يثاب عليها بالبركة في ماله وكثرته لينفع غيره، لكن في الآخرة قطعًا لا ينتفع بها. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنافق خاسر مهما ظن من الربح فإنه خاسر؛ ووجه ذلك إن فضحه الله في الدنيا تَبَيَّن وخَسِرَ وصار مكروهًا عند الناس وإن لم يَفْضَحْه الله في الدنيا ففي الآخرة، فحينئذ لا يكون منتفعًا بدنياه؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب