الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ ﴿طَوَّعَتْ لَهُ﴾ أي: سهّلته له أن يقتل أخاه، مع أن أخاه وعظه هذه الموعظة، لكن -والعياذ بالله- لم تنفعه. ﴿طَوَّعَتْ لَهُ﴾ أي: للقاتل. ﴿نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ﴾؛ لأن نفسه سهّلت عليه القتل. ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أي: فصار من الخاسرين، وإنما قلنا: أصبح، أي: صار؛ لأن الأصل في معنى الإصباح أن يكون في أول النهار، لكن قد يُعَبَّر بالإصباح على مجرد الصيرورة، مثلما تقول: فلان أصبح حزينًا على هذه المصيبة، وربما كانت أصابته في وسط النهار. * من فوائد هذه الآية الكريمة: الحذر من النفس الأمّارة بالسوء؛ لأنها قد تطوِّع للإنسان أكبر المعاصي، فيجب على الإنسان أن يكون حازمًا بالنسبة لنفسه ويقظًا، فلا يتبعها فيما تطوعه له من معاصي الله. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن قتل النفس لا يُخرج من الإيمان؛ لقوله: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾، والله تعالى وصفه بالأخوة بعد أن بيّن أنه قتله، وإلا فقد يقول قائل: إنه قبل أن يقتله لا يترتب عليه إثم القاتل وإن سهّلته نفسه له، فتبقى الأخوة، لكن الله تعالى ذكر الأخوة بعد أن تم القتل، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى قولًا صريحًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة ١٧٨]. وقتال المؤمن يوجب الكفر؟ يُخرج من الإيمان والأخوة؟ لا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ٩، ١٠]. وبهذا التقرير نعرف أن الكفر في الكتاب والسُّنّة قد يراد به الكفر الأصغر، دليل ذلك قول النبي ﷺ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، وفي الآية الكريمة أن القتال لم يخرج الطائفتين المقتتلتين من أخوة الإيمان، وهذا دليل على أن المقاتل لا يكفر، وبه يُعرف الرد على قول بعض الناس: إن كل كفر أطلقه الله فالأصل فيه الكفر الْمُخرج عن الملة إلا بدليل، والحقيقة أن الأمر بالعكس؛ أن كل كفر أطلقه الله فهو كفر دون الكفر إلا بدليل يدل على أنه الكفر الأكبر. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذا الرجل الذي قتل أخاه وظن أنه ربح الميدان بحيث لم يكن له منافس صار من الخاسرين؛ فيستفاد منها: أن كل إنسان حسد أخاه وحاول أن يحول بينه وبين التوفيق فإن الخسارة ستعود على هذا الحاسد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب