الباحث القرآني

ثم قال: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ بسطتها أي: مددتها مدًّا تصل به إليّ. ﴿لِتَقْتُلَنِي﴾ اللام للتعليل، أي: لأجل أن تقتلني. ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ﴾ يعني أن هذا الرجل قال لأخيه: لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني فأنا لن أبسط يدي إليك لأقتلك، والمعنى أنني لا أقتلك، وهو صريح في هذا، ولكن هل هذا يتضمن أني لا أدافع عن نفسي؟ فيه احتمال أن المراد ما أنا بمدافع عن نفسي، بل سأستسلم، أو أن المعنى: ما أنا بقاصد قتلك، والذي وقع أن الرجل قتل صاحبه كما سيأتي في آخر القصة. ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، لما قال: ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ﴾ قد يتوهم أخوه أنه عاجز عن ذلك، فبيّن أنه ليس بعاجز، ولكنه يخاف الله. وقوله: ﴿أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: خالقهم ومالكهم ومدبر أمورهم، والعالَمون كل من سوى الله فهو عالَم، وإنما سُمُّوا بذلك؛ لأنهم علَم على خالقهم، ففي المخلوقات كلها آية تدل على وحدانية الله عز وجل وتمام ملكه وسلطانه وغير ذلك مما تقتضيه الربوبية. في هذه الآية: أن هذا الرجل الذي هُدِّد بالقتل امتنع عن قتل صاحبه، فهل يؤخذ منه أنه ينبغي لمن أراد إنسان أن يقتله أن يستسلم؟ يحتمل هذا وهذا؛ لأنه قلنا: إنه يحتمل أنه يقول: ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ﴾، وأما المدافعة فسأدافع، ولكن مدافعة لا تصل إلى القتل، على كل حال سواء كان هذا الاحتمال هو المراد أو الأول فإن شريعتنا وردت بخلاف ذلك، فإن النبي ﷺ «أمر من أراده على نفسه أن يقاتله، ومن أراده على ماله أن يقاتله، ومن أراده على أهله أن يقاتله، وبيّن أن القاتل المدافع إذا قُتِل فهو شهيد»[[أخرجه أبو داود (٤٧٧٢)، والترمذي (١٤٢١) من حديث سعيد بن زيد، والحديث في الصحيحين مختصر من حديث عبد الله بن عمرو؛ البخاري (٢٤٨٠)، ومسلم (١٤١ / ٢٢٦).]]، وأن الآخر الصائل إذا قُتِل فهو في النار؛ لأنه أراد قتل صاحبه، ولكن العلماء -رحمهم الله- قالوا: إن هذا بالنسبة للشريعة الإسلامية يختلف باختلاف المصلحة، ففي حال الفتنة ينبغي الاستسلام، وفي حال الأمن تجب المدافعة، وهذا هو الصحيح؛ لأنه في حال الفتنة ربما يترتب على القتل بالمدافعة؛ يترتب إراقة دماء كثيرة، ولهذا استسلم عثمان رضي الله عنه للقَتَلة، وطلب منه الصحابة أن يدافعوا عنه فأبى؛ لأنهم لو دافعوا اشتبكوا بهؤلاء الخوارج، ثم حصل إراقة دماء كثيرة، وهذا هو الأصح أن يقال: إن الإنسان يجب عليه أن يدافع بقدر ما يستطيع، ولو أدى إلى قتل صاحبه إذا لم يندفع إلا بالقتل، إلا في حال الفتنة التي يترتب على المدافعة بالقتل ما هو أكثر ضررًا، فهنا يجب الاستسلام درءًا للمفسدة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان ينبغي له إذا امتنع عن شيء محرم أن يبين لصاحبه أنه إنما امتنع لا عجزًا ولا خوفًا، ولكن للمعنى الذي من أجله امتنع، وذلك في قوله: ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الصائم: «إِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٩٤)، ومسلم (١١٥١ / ١٦٠) من حديث أبي هريرة.]]؛ ليبين أنه لم يقاتله عجزًا ولا ضعفًا، ولكن لأجل الصيام الذي يُنهى فيه الإنسان عن المقاتلة والمسابّة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الخوف من الله هو أقوى الأسباب الرادعة عن معصيته؛ لقوله: ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، ولا شك في هذا؛ أن الخوف من الله هو أقوى الأسباب الرادعة عن المخالفة، كما أن الرجاء هو أقوى الأسباب الموجِبة للطاعة والرغبة فيما عند الله. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات عموم ربوبية الله عز وجل؛ لقوله: ﴿رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب