طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِين﴾ [المائدة ١١١- ١١٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ (إذ) على حسب ما مر علينا مفعول لفعل محذوف، التقدير: اذكر إذ أوحيت. وقوله: ﴿أَنْ آمِنُوا بِي﴾ (أن) هنا تفسيرية؛ لأنها إذا وقعت بعد فعل تضمن معنى القول دون حروفه سميت تفسيرية، والوحي فعل متضمن لمعنى القول دون حروفه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧]، فـ(أن) هنا يعربها أهل النحو على أنها تفسيرية، ﴿أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ أعاد حرف الجر في قوله: ﴿وَبِرَسُولِي﴾ وهو معطوف على قوله: ﴿بِي﴾؛ لأنه إذا عطف على ضمير متصل فإنه يؤتى بحرف الجر الذي كان في المعطوف عليه، هذا هو الأشهر في اللغة العربية، وربما يخرج الكلام عن الأصل، مثل قوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ﴾ على قراءة، والقراءة المشهورة ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء ١]، ومثل قوله: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة ٢١٧] ولم يقل: وبالمسجد، وإلا فالأصل أنه إذا عطف على ضمير متصل فإنه يعاد حرف الجر.
﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ -هذا جواب ﴿أَنْ آمِنُوا بِي﴾ - ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ يجوز في مثل هذا -أي ﴿بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ - يجوز أن تضعف النون وألا تضعف، إن ضعفت فلا بد من الإتيان بالضمير ﴿بِأَنَّنَا﴾، وإن لم تضعف أدغمت النون بنون الضمير فصارت: بأنا مسلمون، وقد جاء ذلك في القرآن.
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ هذه أيضًا جملة استئنافية، عامل (إذ) محذوف، والتقدير: اذكر إذ قال الحواريون: يا عيسى بن مريم. عيسى: منادى، وهو في مثل هذا يُبنى على الضم في محل نصب، ولكن جاءت (ابن) وهي صفة أو عطف بيان منصوبة، ولم تتبع موصوفها، لماذا؟ لأنها مضافة، ولهذا تقول: يا زيدُ بنَ عبد الله، ولا تقول: يا زيدُ بنُ عبد الله؛ لأن هذا لو سلط عليه العامل -أعني المضاف- لنصبه، فإذا كان العامل لو سلط عليه مباشرة لنصبه فكيف والعامل لم يسلط عليه إلا بواسطة، واسطة أيش؟
* طالب: البدلية.
* الشيخ: المعطوف عليه عطف بيان أو بدل.
﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ فيها قراءتان، قراءة: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ وقراءة: ﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ ، وكلاهما سبعية، أما ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ فهي فعل وفاعل، وأما ﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ فهي فعل وفاعل متصل، ومفعول به، الفاعل المتصل في (هَلْ تَسْتَطِيعُ) يعود على من؟ على عيسى.
﴿أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾، قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ جار ومجرور صفة لـ(مائدة)؛ وذلك لأن الجار والمجرور والفعل إذا أتى بعد النكرة فهو صفة، وإن أتى بعد المعرفة فهو حال.
قال: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه متعلقة بقوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ لأن الإيمان يحمل على التقوى، وهي شرط في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾: ﴿أَوْحَيْتُ﴾ هنا هل هو الوحي الشرعي أو الوحي الكوني الإلهامي؟ في هذا قولان للعلماء، فمنهم من قال: إنه وحي الشرع، يعني أوحيت إليهم بواسطة عيسى، وإلا من المعلوم أن الوحي الشرعي لا يكون إلا للأنبياء والرسل، لكن أوحيت إليهم شرعًا بواسطة نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام، أما إذا كان وحيًا كونيًّا فالمراد به الإلهام؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص ٧] أوحينا وحي إلهام ولّا وحي شرع؟ إلهام، وكما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ [النحل ٦٨]، هذا وحي إلهام، وهو وحي كوني؛ لأنه يتعلق بالخلق.
فإن قال قائل: ألا يمكن أن نحمل الآية على المعنيين جميعًا، فيكون الله أوحى إلى نبيهم عيسى أن يبلغهم ذلك وألهمهم قبوله؟ الجواب نعم ولّا بلى؟
بلى، يمكن أن يحمل الوحي على المعنيين جميعًا.
وقوله: ﴿الْحَوَارِيِّينَ﴾ الحواريون هم الخُلَّص من الأصحاب، وقد قال النبي ﷺ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٦١) ومسلم (٢٤١٥ / ٤٨) من حديث جابر بن عبد الله. ]] رضي الله عنه، فالحواريون هم الخلص من الأصحاب، وتأمل كيف كان هؤلاء هم الخلص من أصحابه، ماذا صنعوا بعد ذلك وهم الخلص، اقرن هؤلاء الخلص بالخلص من هذه الأمة، تجد الفرق العظيم. كما لو قرنت الخلص من قوم موسى لوجدت الفرق العظيم بينهم وبين الخلص من هذه الأمة، مما يدلك على فضل هذه الأمة التي اختارها الله تعالى لاتباع هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
﴿أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾، ﴿أَنْ آمِنُوا بِي﴾ الإيمان بالله عز وجل يتضمن الإيمان بوجوده والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، يعني يتضمن أربعة أشياء، فالإيمان بوجوده ضد أولئك الشيوعيين الذين يقولون: ليس هناك رب، وإنما هي طبائع تتفاعل وينتج بعضها بعضًا، وإلا فلا رب، والعياذ بالله؛ لأنه قد ختم على قلوبهم، نسأل الله العافية، الإيمان بربوبيته رد على من يقولون: إن الله سبحانه وتعالى له معين في الخلق أو له شريك، ولهذا نفى الله تعالى ذلك في قوله: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ ٢٢، ٢٣].
الإيمان بألوهيته، والمراد انفراده بالألوهية، ردًّا على من؟ على الذين جعلوا مع الله إلهًا آخر يعبدونه كما يعبدون الله؛ كمشركي قريش، الإيمان بأسمائه وصفاته رد على طائفتين: مُعَطِّلة ومُمَثِّلة، الممثلة أشركوا بالله فقالوا مثلًا: إن لله وجهًا كوجوهنا، وله يد كأيدينا، وله عين كأعيننا، وما أشبه ذلك، هؤلاء مشركون، أليس كذلك؟
الثاني: المعطلة الذين نفوا الوجه واليد والعين والقدم والنزول والاستواء، وما أشبه ذلك، هؤلاء معطِّلون، لهم نصيب من قول فرعون: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص ٣٨] وإن كانوا لا يعطلون الألوهية لكنهم يعطلون الأسماء والصفات، فمن آمن برب لا يوصف بسمع ولا بصر، ولا حكمة ولا عزة ولا قوة، ولا مجيء ولا استواء، هل آمن برب حقيقة؟ لا.
إذن الإيمان بالله عز وجل يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده، الإيمان بربوبيته، الإيمان بألوهيته، الإيمان بأسمائه وصفاته، والمراد الانفراد بهذه الأشياء.
﴿وَبِرَسُولِي﴾ أي عيسى عليه الصلاة والسلام، والإيمان برسول واحد يتضمن الأمر بالإيمان بجميع الرسل، الأمر بالإيمان برسول واحد يتضمن الإيمان بجميع الرسل؛ لأن تكذيب رسول واحد تكذيب لجميع الرسل، ألم تقرؤوا قول الله عز وجل: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥] وهل أحد من الرسل قبل نوح؟
لا، ما فيه رسول قبل نوح، ومع ذلك قال: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ لأنه إذا كذب بواحد من جنس فقد كذب بالجنس كله، إذا آمنوا بعيسى فقد آمنوا بجميع الرسل، ومنهم محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن عيسى بشر به.
﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ قالوا بألسنتهم: آمنا ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ قالوا لمن؟ لله ولّا لعيسى؟ إذا كان عيسى هو الذي أمرهم سيقول لعيسى: آمنا، ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ فأقروا واستشهدوا، وإذا أقر الإنسان واستشهد صار استشهاده غيره مانعًا له من الإنكار فيما بعد؛ لأن الإنسان قد يقر بنفسه لكن إذا لم يكن عنده من يشهد عليه ربما ينكر، لكن هم أقروا بألسنتهم واستشهدوا، استشهدوا من؟ استشهدوا عيسى؛ إذا كان المراد بقوله: ﴿قَالُوا﴾ أي لعيسى، أما إذا كان المراد أنهم قالوا لله عز وجل، فإن المستشهَد هنا هو الله تبارك وتعالى.
﴿بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ أي منقادون لله عز وجل، ولا انقياد إلا بإيمان بأن الله تعالى آمر وناهٍ، واعلم أن الإسلام إذا أُطلق شمَل الإيمان، والإيمان إذا أطلق شمل الإسلام، وإذا اجتمعا صار الإسلام علانية والإيمان سرًّا، يعني الإسلام الأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وأفعال الجوارح، والإيمان الأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وحبها ورجائها وغير ذلك.
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ يعني: اذكر يا محمد إذ قال الحواريون المنتخبون من قوم عيسى.
﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ انظر إلى هذا الخطاب الجافّ، لم يقولوا: يا رسول الله أو يا نبي الله، قالوا: ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ هل يستطيع أن ينزل: هذا فيه إشكال عظيم على هذه القراءة؛ لأن شكهم في قدرة الله يستلزم الكفر، فلهذا أشكل على أهل العلم كيف يقولون هذا وهم الحواريون؟
فنقول في الجواب عن هذا: إما أن تُحمل الاستطاعة على الإرادة، وهذا سائغ في كلام العرب، تقول لصاحبك: يا فلان، هل تستطيع تمشي معي لفلان سأزوره، وأنت تعلم أنه يقدر، لكن المراد، أيش المراد؟ هل تريد أن تمشي معي. فيكون ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ أي هل يريد، وليس عندهم شك في كونه قادرًا عز وجل.
أو يقال جواب آخر: هم يؤمنون بالقدرة العامة، لكن قد يحصل عند الإنسان شك في قدرة خاصة، كحال الرجل الذي قال لأهله وكان مسرفًا على نفسه: «إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الْيَمِّ -يعني في البحر- فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨١) ومسلم (٢٧٥٦ / ٢٥) من حديث أبي هريرة.]] الرجل خائف أو لا؟ خائف من الله، وليس عنده شك بأنه قادر، لكن على سبيل العموم، أما على هذا الفعل بعينه فإنه يقول: لعله إذا أحرق وذر في اليم لا يقدر الله عليه.
فصار الجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن تكون الاستطاعة بمعنى القدرة، الوجه الثاني: أن يكون عندهم إيمان بقدرة الله على كل شيء لكن التفصيل قد يتردد الإنسان في حصوله ويحتاج إلى زيادة الطمأنينة، انظر إلى زكريا وانظر إلى مريم لما بشره الله تعالى بأنه سيهبه ولدًا ماذا قال؟ قال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم ٨] كيف يصير هذا؟ قال الله له: ﴿كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم ٩] يعني انظر لأصلك ﴿خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾؛ إذن قادر على أن يخلق ولدًا، ومع هذا طلب آية على تحقق ما بشر به.
فيه رأي آخر ثالث يقول: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ﴾ ليس من الاستطاعة التي هي ضد العجز، بل هي من الاستطاعة التي هي الإطاعة، يعني هل يطيعك ربك إذا سألته أن ينزل علينا مائدة أو لا يطيع؟ وهذا القول يرجع إلى المعنى الأول وهو الإرادة؛ لأن الإطاعة بمعنى الانقياد، فالمعنى: هل إذا سألت ربك يطيعك، فيكون الاستطاعة هنا ليست من باب الطوق والقدرة، ولكن من باب الإطاعة، وهي الانقياد إذا سألته.
﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ اتقوا الله يعني: امتنعوا عن هذا الطلب، أو عن هذا السؤال الذي يتضمن الطلب، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني مؤمنين بقدره راضين بقضائه، إن أغناكم أغناكم، وإن أعدمكم أعدمكم؛ لأن المؤمن حقًّا والمتقي حقًّا يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يسأل أشياء تكون خارجة عن نطاق العادة.
هذا على قراءة ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ﴾، أما على قراءة ﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ فالمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء، فيكون الاستطاعة هنا عائدة إلى من؟ إلى عيسى، يعني هل تستطيع أن تسأل الله أو تستحيي فلا تسأل، وعلى هذه القراءة ليس هناك إشكال والحمد لله، على القراءة الأولى عرفتم الوجوه التي يجاب بها عن الإشكال.
وقوله: ﴿أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ المائدة تطلق أحيانًا على الطعام، والأصل أنها تُطلق على الكرسي الذي يكون عليه الطعام، هذا الأصل، لكن قد تطلق على الطعام، وهنا المراد -والله أعلم- المراد الأمران جميعًا، يعني كرسي طعام، وهو الخوان أو الخوّان -أنا لا أضبط اللفظة- وعليها الطعام.
﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ أي من فوق.
﴿قَالُوا نُرِيدُ﴾ يعني أخبروه بالسبب أنهم سألوا هذا السؤال العجيب ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾ إذن هم جياع، وهو يشبه من بعض الوجوه، وإن كان أحسن منها ما قال قوم موسى له: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ [البقرة ٦١]، لكن هؤلاء طلبوا شيئًا ينزل من السماء ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾، ثانيا: ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾، ﴿تَطْمَئِنَّ﴾: تستقر، ولا يكون فيها قلق ولا ريب، هذا غرض ثان، الثالث: ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ كيف نعلم أن قد صدقتنا؟ نعم، هو قال لهم: إنه رسول الله، فإن جاء بآية بينة فقد صدق وإن لم يأت فلم يصدق، لكن كيف يقولون: ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ وهم قد صدقوه؟ هذا إشكال، لكن الجواب: إما أن المعنى: ونزداد علمًا أن قد صدقتنا، ولا شك أنه كلما وجدت الآيات الدالة على صدق القائل ازداد علمًا بصدق القائل، أو يكون بعضهم عنده تردد، والعلم ينفي الشك والتردد، لكن أيما أولى: الإحسان بهم ظنًّا ونقول: نعلم أي يزداد علمًا، أو نقول: لعل بعضهم عنده تردد؟
الأول أحسن ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ أي أخبرتنا بالصدق، يقال: صدقه بمعنى: أخبره بالصدق، ويقال: صدقه بمعنى: أتى بما وعده به، فقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران ١٥٢] يعني تقتلونهم، بمعنى: أتى بما وعد به، ويقال: صدقه، إذا أخبره بالصدق وإن لم يأتِ ما أخبر به؛ كقوله ﷺ في الشيطان: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»[[أخرجه البخاري (٣٢٧٥) من حديث أبي هريرة.]].
﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ هذا أمر رابع، يعني نشهده بأعيننا من غير أن نُخبَر عنه، وليس الخبر كالمعاينة.
* من فوائد الآيتين: إثبات وحي الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِذْ أَوْحَيْتُ﴾، ووحي الله ينقسم إلى قسمين: وحي شرع ووحي إلهام، فالأول يتعلق بالشرع، والثاني يتعلق بالكون، وقد سمعتم الأمثلة في التفسير.
* ومن فوائد هذه الآية: أن عيسى عليه السلام له حواريون، يعني: أصحاب ذوو صفاء في مودتهم. اذكر آخر سورة الصف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [الصف ١٤] وكما سمعتم الحديث: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٦١) ومسلم (٢٤١٥ / ٤٨) من حديث جابر بن عبد الله. ]]، هذه منقبة لا شك للزبير، لكن أبو بكر رضي الله عنه، قال: «لَوْ كُنْتُ مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ»[[أخرجه البخاري (٣٦٥٦) من حديث ابن عباس.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإيمان بالله لا يتم إلا بالإيمان برسله؛ لقوله: ﴿أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الإيمان هو «الإِيمَانُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب. ]]، هذه الأركان لا بد منها في الإيمان، فمن نقص منها واحدًا لم يكن مؤمنًا.
* ومن فوائد هذه الآية: استجابة الحواريين لما أوحي إليهم به، حيث قالوا: آمنا.
* ومن فوائد الآية: جواز حذف المعلوم، من أين؟
﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ ولم يقل: بك وبرسولك؛ لأن هذا معلوم، فالمطلَق يُحمَل على المقيَّد إذا كان معلومًا، فإذا عقد الإنسان عقدًا وذكر عند الإيجاب شروطًا، فقال الآخر: قبلتُ، أو قبلتُ البيع مثلًا، قال: بعتك هذا البيت على أن أسكن فيه سنة، فقال: قبلتُ البيع، هل يثبت الشرط؟ نعم يثبت؛ لأن قول البيع يعني بهذا الشرط وإن لم يذكَر لكنه معلوم من السياق.
* ومن فوائد هذه الآية: جواز استثبات الشيء بالإشهاد عليه؛ لقوله: ﴿اشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾، وفي الدعاء المأثور: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَمْسَيْتُ أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ»[[أخرجه أبو داود (٥٠٦٩) والترمذي (٣٥٠١) من حديث أنس بن مالك دون قوله: وأنبياءك. وفي المعجم الأوسط للطبراني (٩٣٥٦) «وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ، وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ عَلَى شَهَادَتِي عَلَى نَفْسِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».]]، هذا من أذكار المساء والصباح، على خلاف في ثبوت الحديث.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان هو الإسلام؛ لقوله: ﴿آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة ١١١]، ولم يقولوا: مؤمنون، قالوا: مسلمون، فدل هذا على أن الإيمان هو الإسلام، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم وقالوا: لا فرق بين الإسلام والإيمان، واستدلوا بمثل هذه الآية، واستدلوا أيضًا بقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات ٣٥، ٣٦]، ولكن هذا القول على إطلاقه فيه نظر، والصواب أن الإسلام إذا أفرد دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر مع الإيمان صار له معنى آخر، ويدل لهذا التفصيل قول الله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤] يعني لم يدخل لكن قريبًا يدخل؛ لأن (لما) تفيد النفي مع قرب المنفي، ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ إذن كيف نخرج هذه الآية؟ نخرجها أنهم جمعوا بين الإيمان والإسلام، فيكون الإيمان بالقلوب والإسلام في الجوارح، يعني أنهم آمنوا وانقادوا انقيادًا تامًّا لأوامر الله ورسوله.
ثم قال عز وجل: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ إلى آخره [المائدة: ١١٢].
* من فوائد هذه الآية: أن الحواريين مع كونهم خلصًا عندهم شيء من الجفاء؛ لقولهم: ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾.
فإن قال قائل: لعل شريعتهم تبيح لهم أن ينادوا نبيهم باسمه، بخلاف هذه الشريعة فقد قال الله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣]؟ قلنا: وليكن ذلك، لكن هل من الأدب أن يخاطبوا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام باسمه، مع أنهم يريدون أن يدعوا الله لهم لحصول هذه المائدة، أو الأليق ما داموا يريدون أن يسأل الله أن ينادوه بوصف النبوة والرسالة؛ لأنه أنسب وأقرب إلى إجابة دعوتهم؟ الجواب: الثاني لا شك، على كل حال هذا الخطاب لا شك أن فيه شيئًا من الجفاء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الحواريين يريدون من الآيات ما يملأ بطونهم، الدليل؟ أول ما بدؤوا بالأكل ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾ أول ما بدؤوا، فيشبه قول اليهود لما قيل لهم: ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ [النساء ١٥٤] ماذا فعلوا؟ دخلوا على أستاههم، على أدبارهم، يقولون: حِنْطَة، أُمروا أن يقولوا: حِطّة، يعني: احطط عنا ذنوبنا، لكن قالوا: لا، نبغي شيئًا ثانيًا وهو ملء البطن، حنطة، هؤلاء يشبه هذا، والأصل واحد يا إخوان، الأصل واحد، كلهم من بني إسرائيل، فلا عجب أن يكون سؤالهم متقاربًا. والله أعلم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة ١١١- ١١٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾ وسبق تفسيره، وهل هذا وحي إلى الحواريين أم ماذا؟
* الطالب: فيه قولان، أحدهما وحي بواسطة نبيهم عيسى، الثاني: الإلهام.
* الشيخ: يعني أوحاه إليهم بواسطة عيسى.
* الطالب: إي نعم، والقول الثاني أنه الإلهام.
* الشيخ: أن إيحاءه لهم بمعنى الإلهام.
أيهما أرجح؟
* الطالب: نقول: إن المعنى شامل للمعنيين جميعًا؛ الوحي الشرعي والوحي الكوني.
* الشيخ: فقد أوحى الله إلى عيسى وحيًا شرعيًّا، وأوحى إليهم وحيًا قدريًّا.
ما معنى الحواريين؟
* طالب: الخلص من أصحابه.
* الشيخ: الخلص من أصحابه.
قوله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ فيها قراءتان، قلهما؟
* طالب: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ و﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ .
* الشيخ: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾، و﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ .
على القراءة الأولى فيها إشكال؟ أن هذا يفيد أنهم شاكون بقدرة الله، ما هو الجواب عن ذلك؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، المثال هذا غير صحيح، كأن يقول الرجل لأخيه: هل تستطيع أن تمشي معي، هل تستطيع أن نذهب أو نجيء، المهم أن الاستطاعة بمعنى القدرة، وجه آخر؟
* طالب: أنهم مؤمنون بالقدرة العامة لله عز وجل، لكن في التفصيل (...).
* الشيخ: يعني عندهم إيمان بالقدرة العامة، لكن القدرة على الشيء المعين، طيب هذا وجه ذلك، ثانيًا؟
* الطالب: معنى ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ أي هل يطيعك ربك إن سألته.
* طالب آخر: يقولون: ليس بمعنى القدرة، وإنما من الإطاعة، الاستطاعة بمعنى الإطاعة
* الشيخ: يعني؟
* طالب: يعني إذا سألته يعني هل تستطيع سؤاله.
* الشيخ: يعني ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ يعني هل يجيب، هذه الخلاصة، هل يجيب ربك، من الإطاعة بمعنى الانقياد.
على قراءة ﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ ؟
* طالب: لا إشكال.
* الشيخ: لا إشكال، ويش المعنى؟
* طالب: يعني هل تستطيع أن تسأل ربك.
* الشيخ: هل تستطيع أن تسأل ربك، وعلى هذا فلا إشكال.
* طالب: (...)
* الشيخ: فيشبه قول اليهود: حنطة، لما قيل لهم: قولوا: حِطة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن وقوع الشيء يعطي يقينًا أكثر من الخبر به، ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ»[[أخرجه أحمد (٢٤٤٧) من حديث ابن عباس. ]]، ولهذا أمثلة، منها قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠] نأخذ هذا من قوله: ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن آيات الأنبياء يزداد بها تصديقهم؛ لقوله: ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾، أي أخبرتنا بالصدق.
* ومنها: ثبوت الخبر بالتواتر وكثرة المخبرين؛ لقولهم: ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾، ويمكن أن يُستدل بهذا أيضًا على أن الصحابة رضي الله عنهم قولهم حق وحجة؛ لأنهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشاهدوا آياته، وأيقنوا بها أكثر من غيرهم، وفهموها أكثر من غيرهم.
{"ayahs_start":111,"ayahs":["وَإِذۡ أَوۡحَیۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِیِّـۧنَ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِی وَبِرَسُولِی قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ","إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ هَلۡ یَسۡتَطِیعُ رَبُّكَ أَن یُنَزِّلَ عَلَیۡنَا مَاۤىِٕدَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۖ قَالَ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","قَالُوا۟ نُرِیدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَیۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"],"ayah":"قَالُوا۟ نُرِیدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَیۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}