الباحث القرآني

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في هذا اللقاء نتكلَّم على قولِ الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات ٩]. ﴿طَائِفَتَانِ﴾ مفردها طائفة: وهي الجماعة من الناس. وقوله: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ جمع؛ وإنما جَمَع؛ لأن الطائفة تشتمل على أفرادٍ كثيرين؛ فلذلك صَحَّ أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى، وإلَّا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا، ليطابق الضمير مرجعه، لكنه عاد إليه بالمعنى. والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبليَّة ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك، المهم أن أسبابه متعددة، و«الشَّيْطَانُ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِالتَّحَرِيشِ بَيْنَكُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٨١٢ / ٦٥) من حديث جابر بن عبد الله.]] يحرِّش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا، فإذا حصل الاقتتالُ فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال، والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر؛ لأن الصلح لا بُدَّ فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه، وإلا لما تم الصلح؛ ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ قال: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء ١٢٨] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلا بد من التنازل. فإذا أصلحنا بينهما قال: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ يعني: لو فُرِضَ أنَّ بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى، فهنا لا صُلْح، ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: ترجِعَ إليه، وأمر الله يعني: دينه وشرعه. فانظر في أول الأمر الإصلاح، فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها، ولا يجوز أن نُجْهِزَ على جريح، ولا أن نتبع مُدْبِرًا، ولا أن نَسْبِيَ ذرية، ولا أن نغنَمَ مالًا؛ لأنَّ هؤلاء مؤمنون. ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب وجب أن نصلح بينهما بالعدل. وهذا غير الإصلاح الأول؛ الإصلاح الأول بوقف القتال، وهذا الإصلاح بالتضمين، أي: أن ننظر ماذا تَلَف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل، فمثلًا: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، فحينئذ أيش؟ تتعادل الطائفتان وتتساقطا، فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمان مئة ألف ريال، والأخرى أتلفت ما قيمته مليون، فالفرق إذن مئتا ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾. ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ﴿أَقْسِطُوا﴾ هذا أمر بالقسط وهو العدل، وهذا تأكيد لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أي: يحبُّ العادلين، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: «أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ: الَّذين يَعْدِلُون فِي أَهْلِيهِمْ وَما وَلُوا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ»[[أخرجه مسلم (١٨٢٧ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب