الباحث القرآني

ثم أثنى الله تعالى على الذين يغُضُّون أصواتهم عند الرسول ﷺ فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات ٣] لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض، أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، أي: يخفضونها، ويتكلمون بأدب، فلا إزعاج ولا صخب ولا رفع صوت، لكن يتكلمون بأدب وغض، قال الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ أعاد الإشارة فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾ تعظيمًا لشأنهم، ورفعة لمنزلتهم؛ لأن أولاء من أسماء الإشارة الدال على البعد، وذلك لعلو منزلتهم، وإلا لكان الكلام يتم لو قال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لكن أتى باسم الإشارة بيانًا لرفعة منزلتهم وعلوها. ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ قال العلماء: معناه أخلصها للتقوى، فكانت قلوبهم مملوءة بتقوى الله عز وجل، ولهذا تأدَّبوا بآداب الله الذي وجه لها، فغضوا أصواتهم عند الرسول ﷺ. ثوابهم: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ مغفرة من الله لذنوبهم، وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «التَّقْوَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٦٤ / ٣٢) من حديث أبي هريرة.]] الذي هو محل القلب ثلاث مرات؛ التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ولا شك أن التقوى تقوى القلب، أما تقوى الجوارح وهي إصلاح العمل ظاهرًا فهذا يقع حتى من المنافقين، ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون ٤]، لكن الكلام على تقوى القلب، هي التي بها الصلاح، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم ذلك. ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ يفعل بعض الناس المعاصي وإذا أنكرتَ عليه قال: التقوى هاهنا، كأنه يزكي نفسه، وهو قائم بمعصيةِ الله، فنقول له بكل سهولة: لو كان ما هاهنا متقيًا لكانت الجوارح متقية؛ لأن النبي ﷺ يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.]] تلاقي شخصًا مُصِرًّا على معصية ما، كإسبال الثوب، حلق اللحية، شرب الدخان، وتنهاه وتخوفه من عقاب الله، فيقول لك: التقوى هاهنا، والجواب أن نقول: لو كان ما هاهنا فيه تقوى، لكان ما هاهنا فيه تقوى الدليل: قول النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب