الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات ١٠] هذا كالتعليل لقوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾، يعني: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة، الطائفتان المقتتلتان هما أخوان، ونحن أيضًا إخوة لهم، حتى مع الاقتتال. فإذا قال قائل: أليس النبي ﷺ قد قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، والكافر ليس أخًا للمؤمن؟ فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر، فليس كل ما أطلَقَ الشَّرْعُ عليه أنه كفر يكون كفرًا، فهنا صرَّح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا، مع أن قتال المؤمن كفر، فيقال: هذا كفر دون كفر، وقال النبي ﷺ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»[[أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة.]] ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكَفَّر كفرًا أكبر، فدلَّ ذلك على أن الكُفْرَ في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفرٌ مُخْرِجٌ عن الملَّةِ، وكفر لا يخرج عن الملة. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٠] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر؛ لقوله: ﴿إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠] يعني اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به، وتتركوا ما نهاكم عنه؛ لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى، وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه. ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه. هنا نسأل عما قلنا الآن: كيف يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ مع أن الرسول ﷺ قال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]] * طالب: نقول: إن الكفر الذي ذكره النبي ﷺ كفرٌ دون كفر، لا يقصد النبي صلى الله عله وسلم إطلاقَ لفظِ الكُفْرِ يقصد به الكفرَ الذي يخرِجُ مِن الملَّة. * الشيخ: أحسنت -بارك الله فيك- نقول: كفر دون كفر، وليس الكفر الذي يخرج من الملة، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تتناقض. (...)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب