الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف ٦] (كمْ) هذه خبرية تدل على الكثرة، عامِلُها ما بعدها: ﴿أَرْسَلْنَا﴾، والإرسال هو الإيحاء إلى بشر بشريعة ويُؤْمَر بتبليغها.
وقوله: ﴿مِنْ نَبِيٍّ﴾ بيان لـ(كم)، والمراد هنا الرسول؛ لأنه قال: ﴿كَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ﴾، والنبي يُطلق على الرسول كثيرًا في القرآن الكريم؛ ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم ٤١] وأمثال ذلك، والمراد الرسول.
﴿فِي الْأَوَّلِينَ﴾ أي السابقين على هذه الأمة.
(﴿وَمَا﴾ كان ﴿يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ) (﴿وَمَا﴾ كان ﴿يَأْتِيهِمْ﴾ ﴾) قدَّر المؤلف (كان)؛ لأن الأمر قد مضى، ولو كان على نسقِ الكلام ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ﴾ لكان هذا في المستقبل؛ لذلك قدَّر المفسِّر (كان)، وهذا يدل على عُمق علم المفسِّر.
ولكن خيرًا من ذلك أن نقولَ: لا حاجةَ إلى التقدير؛ لأنه إذا دار الأمر بين أن يكون في الكلام مقدَّر أو غير المقدَّر، فالأصل عدم التقدير، فنقول: الآية باقية على ظاهرها، لكنها على حكاية الحال؛ يعني كأن الماضي حاضر الآن، وهذا أبلغ في تخويف قريش من المخالفة.
المؤلف قَدَّر (كان) لماذا؟ لأن القرآن يتحدَّث عن شيء مضى، فلا بد مِن أن نُقَدِّر فعلًا ماضيًا، ونحن نقول: لا حاجة إلى التقدير، وجاءت الآية في سياق الفعل المضارع الدال على الاستقبال؛ حكايةً للحال، كأن الأمر واقع الآن، فيكون هذا أبلغَ في إنذار قريش وتحذيرهم.
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ (من) هذه زائدة إعرابًا، لكنها مفيدة معنى، زائدة إعرابًا بمعنى أنها لو نُزِعَت من السياق لتمَّ بدونها؛ لو كان لفظ الآية الكريمة: وما يأتيهم نبيٌّ، يستقيم الكلام ولَّا لا؟
* طالب: يستقيم.
* الشيخ: لكن جاءت (من) زيادة في الفائدة، فما هي الفائدة؟
الفائدة يقول علماء البلاغة وعلماء النحو: إن زيادة الكلمة -يعني الحرف- في الجملة تدلُّ على التوكيد، فعليه: كل كلمة زائدة في القرآن من حيث الإعراب فهي مفيدة لمعنى.
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزخرف ٧] شوف -والعياذ بالله- ما يأتيهم إلا استهزؤوا، ﴿إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ هذه حالهم لا يقبلونه ولا يسكتون بل يستهزئون. والاستهزاء السخرية؛ بمعنى أنهم يسخرون بهم ويحتقرونهم؛ ليحذِّروا الناس منهم.
فانظر إلى رحمة الله عز وجل كيف يرسل الرسل وهو يعلم أن هؤلاء المزعومين سيقابلونهم بالاستهزاء، ولكن إقامة للحجة.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى أرسلَ عددًا كثيرًا من الأنبياء في السابقين، وقد جاء في بعضِ الأحاديث أنهم مئة وأربعة وعشرون ألفًا[[أخرج أحمد (٢٢٢٨٨) بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم وَفَّى عدة الأنبياء؟ قال: «مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك ثلاث مئة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا..» ]]، فالله أعلم؛ لأنَّ هذا يحتاج إلى دليل صحيح صريح، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨]، ومعلوم أنَّ مَن لم يُقْصَصْ علينا فلن نستطيع أن نعرف عددهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى أقام الحجة على جميع الخلق، ويؤيِّد هذا قولُه: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٤].
* ومن فوائد هذه الآية: تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا علم أنَّ الرسل من قبله يُسْتَهزأ بهم فإنه يتسلى، ولا شكَّ، وأنت تجد هذا من نفسك؛ إذا أصبت بمصيبة وأصيب غيرك بمثلها أو أشد ألست تتسلى بهذا وتهون عليك المصيبة؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: طيب صحيح، وفي هذا يقول الله عز وجل: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩]؛ يعني أن اشتراكهم في العذاب لا يخفِّف العذاب عنكم ولا يحصل لكم به تسلٍّ؛ لأن كل واحد من أهل النار -أعاذنا الله وإياكم منها- لا يرى أن أحدًا منه أخف عذابًا، ولذلك يشتد حزنه -والعياذ بالله- إذا رأى أنه هو أشد الناس عذابًا وهو أهونهم.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الاستهزاء بالرسل تكليف لهم وزيادة؛ لقوله: ﴿إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
واعلم أن الاستهزاء بالرسل كفر، والاستهزاء بالكتب كفر، والاستهزاء بالله كفر؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة ٦٥، ٦٦].
واختلف العلماء رحمهم الله فيمن استهزأ بالله أو آياته أو رسوله، أو سبَّ الله أو كتابه أو رسوله، هل تُقبل توبته أو لا تقبل؟ على قولين.
والصحيح: التفصيل في هذا؛ وهو أنه إن وُجِد ما يدل على استقامته وصحة توبته فإنها تُقبل، وإلَّا فلا.
وذلك أن لهذا المستهزئ أو الساخر أو الساب ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يستمرَّ في ذلك، فهذا لا توبةَ له، ويقتل ردةً.
الثانية: أن نعلم أنه تاب توبة نصوحًا؛ لأنه استقام وصلحت حاله، فهذا تقبل توبته بلا إشكال.
والثالثة: أن نتردد؛ هل هو صادق في توبته أو غير صادق؟ فهذا يُقْتَل، ويكون أمره إلى الله عز وجل، نقتله لظاهر حاله؛ لأننا لم نتيقنْ أن هذه الحال قد تغيَّرت إلى ما يمنع قتله فنقتله، أما في الآخرة فأمره إلى الله.
فإن قال قائل: الاستهزاء بالله وسبِّ الله عز وجل ذنبٌ عظيم لا يتحمَّل أن تقبل توبة فاعله؟
فالجواب: أن نقرأَ قول الله عز وجل في نفس الآية: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة ٦٦]؛ يعني: إن عفونا عن طائفة بتوبتهم عذبنا الطائفة الأخرى التي لم تَتُبْ، واقرأ قول الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر ٥٣].
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِیࣲّ فِی ٱلۡأَوَّلِینَ","وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن نَّبِیٍّ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"],"ayah":"وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن نَّبِیٍّ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق