الباحث القرآني

قال الله عز وجل: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ [الزخرف ٤١] ﴿إِمَّا﴾ يقول المفسر: (فيه إدغام نون (إن))، ففيه إدغام نون (إن) الشرطية في (ما) الزائدة، فـ(إما)، وأصله (فإن ما)، لكن اجتمعت النون الساكنة مع الميم، فأُدْغِمَت إحداهما في الأخرى فصارت ﴿إِمَّا نَذْهَبَنَّ﴾. وقوله: (في (ما) الزائدة)، اعلم أنه ليس في القرآن شيء زائد، كل ما في القرآن فإنه في محله والسياق يحتاج إليه، لكن مرادهم بالزيادة هي التي يتم الكلام بدونها لا التي يكمل الكلام بدونها، هذه بالنسبة للقرآن؛ يعني: لو حُذِفَت لاستقام الكلام وإلَّا فإنها لها معنى وهو التوكيد. ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ يقول المفسر: (﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ بأن نُمِيتَك قبل تعذيبهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ ) أي: (في الآخرة) كما قال، يعني أننا إن ذهبنا بك فلن نُغفِلَهم من العذاب، بل نعذبهم وقول المفسر: (في الآخرة) فيه نظر، والصواب في الدنيا؛ يعني: إن ذهبنا بك قبل أن نعذبهم فإننا لا بد أن نعذبهم، وهذا تهديد واضح لهؤلاء المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ في حياتك من العذاب ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ﴾ ﴾ -أي- على عذابهم ﴿مُقْتَدِرُونَ﴾ ﴾ -أي- قادرون). فالمسألة إما أن نُعَذِّبهم قبل أن تموت، وإما أن تموتَ قبل أن نعذبهم، فإن مِتَّ قبل أن نُعَذِّبَهم فإنهم لن يُفْلِتُوا من العذاب، سننتقم منهم، وإن عذبناهم قبل موتك فإنا قادرون على ذلك، ولن نُؤَخِّر عنهم العذاب عجزًا. وقول المفسر: ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ﴾ أي: (على عذابهم) الصواب العموم على عذابهم، وعلى ذواتهم، وعلى جميع أحوالهم. وقوله: (﴿مُقْتَدِرُونَ﴾ قادرون) أيضًا فيه قصور؛ لأن المقتدر أبلغ من القادر، فإن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فهو أبلغ من القادر. وعلى كل حال فالآية معناها الإجمالي أنَّنا إن ذهبنا بك بالموت فإننا لن نُغْفِلَهم عن العذاب، وإن عذبناهم في حياتك فسترى عذابهم بنفسك. * في هذه الآية الكريمة: التهديد للمكذِّبين للرسول ﷺ، وأن عذابهم واقع لا محالة. * ومن فوائدها: تسلية النبيِّ ﷺ، فإنَّ رسول الله ﷺ جاء بالهدى والحق والآيات، فإذا كُذِّب فسيكون ذلك ثقيلًا على نفسه فسلَّاه الله عز وجل بهذا الوعيد. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وصفُ الله تبارك وتعالى بالانتقام كما وصفه في آية أخرى، ولكن هل يوصف به على الإطلاق؛ فيقال مثلًا: المنتقم؟ فالجواب: لا؛ لأن كلمة (المنتقم) ليست مدحًا في ذاتها حتى تقابَل بما يكون سببًا للانتقام؛ ولهذا تمر بنا أسماءُ الله الحسنى التي عدَّها بعض الناس؛ منها: المنتقم، وهذا غلط، فإن ذلك ليس من أسماء الله؛ لأن الله لم يذكر ذلك من أسمائه، وإنما ذكره مقيَّدًا بحال من الأحوال. هنا ﴿فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ مُقَيَّدٌ بحال من الأحوال، وهي تكذيبُ هؤلاء، وهو كقوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عظمة الله عز وجل حيث وصف نفسه بالجمع، ومن المعلوم أنَّه ليس المراد بالجمع التعدد؛ لأن اللهَ إله واحد، لكن المراد بالجمع هنا التعظيم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الوعد يأتي في الشرِّ والعقوبة خلافًا لمن قال: الوعد في الخير، والإيعاد في الشر، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر: ؎وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَـــــــدْتُهُ أَوْوَعَــــــدْتُهُ ∗∗∗ لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي فالصواب أنها تُطْلَق على هذا وعلى هذا، فهنا قال: ﴿الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾، وعلى قياس قول البيت يكون التعبيرُ الذي أوعدناهم، ولكن الصحيح أنها جائزة لهذا وهذا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيانُ غَلَبَةِ قدرة الله عز وجل على كُلِّ قدرة؛ لقوله: ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾، وهو كذلك، ولما قالت عاد: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥] قال الله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥] فلا قُوَّة تمانِعُ قوة الله عز وجل، ولا قدرة تمانع قدرته، بل هو العزيز الغالب على كل أحد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب