الباحث القرآني

الطالب: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف ٢٤ - ٢٩]. * الشيخ: قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف ٢٣] يعني يمثل هذا الذي قِيلَ لك قِيلَ لمن قبلك. ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف ٢٣]، والحكمة من هذا تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وجه، وإنذار هؤلاء المكذبين له من وجه آخر، وأنه سيصيبهم ما أصاب غيرهم مما أصروا على تقليد آبائهم الباطلة. وقوله: ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ﴾. اقرأ التفسير. * طالب: (﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ أي: مُتنعِّموها مثْل قول قومك). * الشيخ: لا، مُتنعِّموها ولا مُنعَّموها؟ * الطالب: مُتنعِّموها. * الشيخ: بالتاء؟ * الطالب: نعم، عندي بالتاء. * الشيخ: لا، غلط، (مُنعَّموها) هو الصواب. * الطالب: (مُنعَّموها مثْلَ قولِ قومِك: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ مِلَّةٍ، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ مُتَّبِعون). * الشيخ: هذا الحكمة منه هو تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنذار هؤلاء المكذبين، أن جميع الأمم السابقة يقولون لأقوامهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾؛ أي: على مِلَّة، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ﴾؛ أي: ما يسيرون عليه من الدين، ﴿مُقْتَدُونَ﴾؛ أي: مُتَّبِعون مُقلِّدون. * ففي هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن هذا الذي قيل له قد قيل لمن قبله، كقوله تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فصلت ٤٣]. * ومنها: اتفاق أهل الباطل على هدف واحد، ألا هو تكذيب الرسل واتباع آبائهم. * ومنها: تحريم التقليد بالباطل، وأما التقليد بالحق فلا بأس به، فإذا كان رجل لا يعرف حكم المسألة في دين الله وليس عنده قدرة على الاجتهاد، فإن فرضَه التقليد؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣]، ولقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، ولقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦]. وأما من حرَّمَ التقليد مطلقًا فقوله باطلٌ مخالفٌ لظاهر القرآن، وأما من ألزم به مطلقًا فقوله باطلٌ مخالِفٌ لما يجب الإيمان به من اتباع الرسل. فالصواب أن التقليد للضرورة جائز، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التقليد بمنزلة أكل الميتة؛ إن اضطر إنسانٌ إليه فهو جائز، وإلا فلا. ولكن هل يمكن أن نقول للعامي صاحب السوق: اجتهد في هذه المسألة حتى تعرف حكم الله؟ لا يمكن، ولو بقي يجتهد لخبَّط، لكن فرضه أن يسأل. وهل يحوز التقليد في أصول الدين أو في فروع الدين فقط؟ فالجواب أولًا: تقسيم الدين إلى أصول وفروع حادث لم يكن معروفًا بعهد الصحابة، ويدل على بُطلانه أنه يجعلون الصلاة والزكاة والصيام والحج، يجعلونهم من فروع الدين مع أنهم أركان الإسلام، فالصواب أن الشرع لا ينقسم إلى أصول وفروع، وأن هذا اصطلاح حادث، لكنه ينقسم إلى أصول علمية وأصول عملية؛ فالأصول العلمية هي الاعتقادات، والعملية هي العبادات المكلَّف بها، هذا هو الذي يدل عليه النص. إذن نقول: قولنا: هل يجوز التقليد في أصول الدين وفروعه أو فروعه فقط؟ أصل التقسيم حادثٌ مبتدَعٌ وإن كان عليه أكثر العلماء الآن، وهو أيضًا غير صحيح، وجه بطلانه؟ * طالب: أنهم جعلوا الصلاة.. * الشيخ: أنهم جعلوا الصلاة والزكاة والصيام والحج من فروع الدين، وهي أصل من أصول الدين؛ أركان الإسلام. ثم نقول: التقليد فيما تسميه أصل الدين وفروعه جائز، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣]، والرسالة على تقسيم هؤلاء إلى أصول وفروع من الأصول ولَّا من الفروع؟ * طالب: من الأصول. * الشيخ: الرسالة من الأصول؛ عقيدة، ومع هذا يقول عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾، اسألوا هل أرسلنا رجالًا أو أرسلنا ملائكة إن كنتم لا تعلمون، والقاعدة أن كل من عجز أن يدرك الحق بنفسه وجب عليه التقليد، سواء بالنسبة للأمور العلمية أو العملية لا فرق. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء القوم المكذبين للرسل ليس عندهم حجة إلا مجرد ما كان عليه الآباء، وهذا ليس بحجة. وعلى هذا فلا يجوز الاحتجاج بعمل الناس كما يفعله بعض القوم، فإذا نهيته عن شيء قال: كل الناس يفعلونه، هذا ليس بحجة، ولا يمكن أن تقابل الله بهذه الحجة؛ كل الناس يفعلون هذا، هذا لا يمكن أن ينفعك عند الله، قل: هذا دلَّ الكتاب على جوازه أو السنة على جوازه، قلنا: نعم، على العين والرأس، أما كل الناس يفعلونه فلا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب