الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ أولًا في الإعراب: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾: مبتدأ، ﴿أَوْلِيَاءَ﴾: مفعول ثانٍ لـ﴿اتَّخَذُوا﴾؛ لأن التقدير: اتخذوا الأصنام أولياء. ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ. ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ و﴿حَفِيظٌ﴾ خبره، والجملة من المبتدأ والخير في محل رفع خبر المبتدأ الأول، أين المبتدأ الأول؟ ﴿الَّذِينَ﴾. فإن قال قائل: المعروف عند النحويين أن الجملة الواقعة خبرًا لا بد أن تتضمن ضميرًا يعود على المبتدأ حتى يُعرف اتصالها به. قلنا: هنا حَلَّ الظاهر محل الضمير وهو قوله: ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ يعني الذين اتخذوا من دونه أولياء هو حفيظ عليهم؛ يعني الله، ويجوز أن يكون الرابط هو قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي: الضمير، المهم يقول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ اتخذوا مَنْ؟ اتخذوا الأصنام؛ ولهذا قال المؤلف: (أي الأصنام)، وهذا التقدير لبيان المفعول الثاني، كأنه يقول: المفعول الثاني محذوف تقديره الأصنام؛ ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ جمع (ولي)؛ أي أنهم يتولون هذه الأصنام، يعبدونها، يذبحون لها، ينذرون لها وهم عن الله غافلون. (﴿اللَّهُ حَفِيظٌ﴾ مُحصٍ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ ليجازيهم) تفسير الحفيظ بالمحصي تفسير باللازم، ولكن المراد بالحفيظ أي حافظ أعمالهم، رقيب عليهم، لا يفوته شيء من أعمالهم. ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ وإذا كان حافظًا لهم مراقبًا لهم فلا بد أن يحصي عليهم أعمالهم ويجازيهم عليها. (﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ تُحصِّل المطلوب منهم ما عليك إلا البلاغ) ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ﴾ الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿بِوَكِيلٍ﴾ أي: بحفيظ، فالآية واضحة، كأن الله يقول: أنا الحفيظ عليهم، أما أنت فلست بحفيظ، ما الذي على الرسول؟ إنْ عليك إلا البلاغ، ليس عليه إلا أن يُبلِّغ، أما أن يهدي أحدًا أو يحصي أعمال أحد فهذا ليس إليه، إنما هو إلى الله عز وجل حتى إن الله قال له في آل عمران: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران ١٢٨]، ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ إلى آخره. * في هذه الآية: بيان سفه أولئك المتخذين أولياء من دون الله، وجه السفه قوله: ﴿مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ يعني كأنهم غفلوا عن الله عز وجل نهائيًّا، واتخذوا هذه الأصنام أولياء. * ومن فوائدها: الوعيد، وعيد من اتخذ من دون الله أولياء؛ لقوله: ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ هذا التهديد، كما يقول القائل للإنسان: اذهب وأنا معك، أنا وراءك، أنا أُحصي عليك. * ومن فوائد هذه الآية: بيان عموم علم الله عز وجل؛ لقوله: ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ لأن قوله: ﴿حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ يشمل جميع ما يقومون به من عمل، وهذا يدل على سعة علم الله سبحانه وتعالى واطلاعه. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ بشر، لا يعلم الغيب، ولا يُحصي أعمال العباد؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾. * ومن فوائدها: أن الرسول ﷺ، وهو سيد الدعاة، وإمام الدعاة، لا يلزمه إلا أن يُبلِّغ؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾. وهذه الآية لها شواهد لفظية ومعنوية؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس ٩٩] يعني ما تستطيع، وإذا كان سيد الدعاة وإمامهم لا يملك أن يهديهم فما بالك بمن سواه. * من فوائد هذه الآية: تسلية الدعاة إلى الله إذا لم يُطِعهم الناس، أكثر الناس يعني الدعاة إذا لم يُطعهم الناس تتفطر قلوبهم، وتنحل أجسامهم، نقول: يا أخي، رويدك، من الذي منعهم ألا يطيعوك؟ من الذي منعهم أن يطيعوك؟ نقول: هو الله عز وجل. أنا قلت: من الذي منعهم ألا يطيعوك؟ ثم قلت: أن يطيعوك؟ وكلا العبارتين صحيح، قال الله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف ١٢]. وقال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] فكلا التعبيرين صحيح. على كل حال نقول لهذا الداعي الحريص على هداية الناس: لا تحزن عليهم، لا تكُن في ضيق مما يمكرون، لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين، أنت عليك ما عليك وهو البلاغ والهداية بيد الله عز وجل، ولو شاء الله لاهتدوا، فإذا كان هذا واقعًا بمشيئة الله فإن الإنسان يطمئن، لكن إذا تقطع قلبه حسرة اشتغل بعيوب الناس عن عيوبه؛ ولهذا تجد الداعية الذي هذا وصفه تجده دائمًا مشغول بأحوال الناس وينسى نفسه، لو فتشت ما فتشت لرأيته في العابدة مقصرًا، وإذا جاء للعبادة وحضر فقلبه في وادٍ، وهذا غلط، أنت مأمور قبل كل شيء بإصلاح نفسك، مأمور أيضًا بالرضا بقضاء ربك، قضى الله عز وجل ألا يهتدي هؤلاء، الأمر أمره والعباد عباده، صحيح أن الإنسان يحزن لكن لا ينبغي أن يصل إلى درجة يغفل بها عن نفسه، كما هو شأن بعض الدعاة، والإنسان إذا كان هكذا فثق أنه سيكون متزنًا في الدعوة إلى الله، وإلا يكن فسيكون متهورًا، ويأتي بما لا تُحمد عُقباه؛ لذلك كن داعيًا إلى الله عز وجل كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر، ليس له من الأمر شيء؛ لقوله: ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الشورى ٦]، فالرسول عليه الصلاة والسلام بشر، لا يستطيع أن يهدي أحدًا، ولا أن يحصي أعمال أحد، لو استطاع أن يهدي أحدًا لهدى عمه أبا طالب الذي كان له من الفضل على الدعوة الإسلامية ما هو معلوم، لكنه لم ينفعه إلا في شيء واحد هو حقيقة لم يُجدِ شيئًا، أنه شفع له عند الله فخفف عنه العذاب، فكان في ضحضاح من نار، عليه نعلان يغلي منهما دماغه، ومع هذا يرى أنه أشد الناس عذابًا؛ لأنه لو رأى أنه أخف الناس عذابًا لهان عليه الأمر وتسلَّى بغيره، لكنه يرى أنه أشد الناس عذابًا، نسأل الله العافية. وقد أشار الله إلى أن الاشتراك في العذاب يُخفِّف في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩]. في الدنيا ينفع الإنسان إذا شاركه غيره لكن في الآخرة ما ينفع. * طالب: يعني بعض الدراسات في الجامعة يشغل الباحث بعد الدراسة، هل يجوز (...) أن يقول هذا الكلام؟ * الشيخ: كما قلت لك: أمور الغيب أي إنسان يسأل عن شيء لم يسأل عنه الصحابة فهو بدعة، هذا هو الضابط لا سيما ما يتعلق بأسماء الله وصفاته، حتى أحوال اليوم الآخر من أمور الغيب، عليك أن تُصدِّق بما سمعت فقط لكن البحث فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أشد وأعظم. * طالب: (...) دلالة أنه مشتق من الصدق لذاته، يعني الأسماء وبين الأسماء.. * الشيخ: من معانيها. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، كل هذا بحث ما له داعٍ، هو الأصل لا شك أنه المعنى، فأنت لا يمكن أن تقول: فلان ضارب إلا إذا وقع منه الضرب، هذا هو الأصل، فالمصدر هو الأصل هذا مذهب البصريين وهو الحق إن شاء الله، الكوفيون يقولون: لا، الأصل الفعل، فيقولون: ضرْب مشتق من ضَرَب، والصواب العكس. * طالب: (...). * الشيخ: العام المخصوص هو الذي أُريد عمومه أولًا، ثم أُخرِج بعض أفراده، مثل أن تقول: قام القوم إلا زيد، والعام الذي أريد به الخصوص لم يرد عمومه أصلًا، ودلالته عقلية، فمثلًا: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣] ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ هل هم كل الناس؟ هل يفهم أحد من هذه الكلمة أن جميع الناس قالوا؟ لا يفهم. ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾. * طالب: (...). * الشيخ: أولًا: بارك الله فيك، لن تجد في القرآن أن الأولياء هم الأصنام لكن المفسرين يفسرونها بالأصنام على سبيل التمثيل، وإلا فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ»[[أخرج البخاري (٢٨٨٦)، والطبراني (٢٥٩٥)، واللفظ له عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة».]]. فجعل الذي يربط قوله ومحبته ومعاداته وكراهته على هذا جعله عبدًا له. * طالب: (...). * الشيخ: فيه إشارة، يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب