الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَنفَطِرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ . [الشورى: ٥]. * طالب: ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾. * الشيخ: أنا عندي مكتوب ﴿يَنْفَطِرْنَ﴾ . قال: ﴿تَكَادُ﴾ يقول الشارح أو المفسر: (بالتاء والياء تكاد ويكاد)، أما تكاد فمطابقتها لمرفوعها ظاهر؛ لأن ﴿السَّمَاوَاتُ﴾ جمع، وكما قال الزمخشري: كل جَمْع مؤنث؛ إذن ﴿تَكَادُ﴾ مطابقتها لمرفوعها ظاهرة، يكاد للمذكر، و﴿السَّمَاوَاتُ﴾ مؤنث، فما هو الجواب؟ الجواب: الجمع المؤنث إذا كان مجازيًّا جاز تذكيره وتأنيثه؛ أي: تذكير فعله وتأنيثه، تقول: طلع الشمس، وطلعت الشمس، يجوز هذا وهذا؛ لأنه مجازي، أما إذا كان حقيقيًّا وهو الذي له فرْج من بين آدم أو غيره فإنه يجب تأنيث عامله فتقول: قامت امرأة ولَّا قام امرأة؟ قامت امرأة ولا غير، السماوات من المجازي أو الحقيقي؟ المجازي؛ ولهذا جاء فيها قراءتان ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ﴾ ومعنى تكاد تقرب فهي من أفعال المقاربة. ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ﴾ يعني السبع ﴿يَنْفَطِرْنَ﴾ بالنون، وفي قراءة بالتاء والتشديد، سبعية ولَّا غير سبعية؟ سبعية؛ لأن قاعدة المفسر رحمه الله أنه إذا قال: (في قراءة) أو قال: (بالتاء والياء) أو قال: (بالمد وحذفه) أن القراءة سبعية. إذن لك أن تقرأ ﴿يَنْفَطِرْنَ﴾ و﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾، والانفطار بمعنى الانشقاق، قال الله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار ١]. وقوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ لم يقل: من أسفل؛ لأن الله سبحانه وتعالى فوق، والسماوات تكاد يتفطرن من فوقهن، قال الشارح رحمه الله: (أي تنشق كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله عز وجل). ولولا أن الله أمسكها لتفطرت كما أنه جل وعلا لما تجلى للجبل جعله دكًّا، فالسماوات على عظمها وقوتها وشدتها تكاد تنفطرن من عظمة الله جل وعلا سبحانه وبحمده. قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى ٥] شوف العظمة؛ عظمة تكاد السماوات تتفطرن منها، عظمة أخرى بجنوده جل وعلا، الملائكة يسبحون بحمد ربهم. مَنِ الملائكة؟ الملائكة نقول: إنهم عالم غيبي، خلقهم الله تعالى من نور، وسخرهم لعبادته: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ٢٠] فهم عالم غيبي لا يشاهَدون، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ مِنْهَا إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»[[أخرجه الترمذي (٢٣١٢) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ولفظه: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله». الحديث.]]. «أَطَّتْ». يعني صار لها صرير كصرير الرحل المحمَّل، لعلكم أدركتم الرحل المحمَّل! الرحل على البعير إذا ثقل الحِمْل صار له صرير مع حركة السير، السماء لها هذا من كثرة من عليها من الملائكة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «حُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ». إذن الملائكة تفسيرهم عالَم غيبي، خلقهم الله تعالى من نور، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وسخرهم لعبادته ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾، إذا أمرهم الله بشيء: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم ٦]. ضدهم الشياطين، الشياطين عالم غيبي، خُلقوا من نار، عصاة لله، مستكبرون عن عبادته، وأبوهم الشيطان الأكبر إبليس. فإذا قال قائل: أنتم قلتم: إنهم عالم غيبي، أليس إبليس قد شاهده النبي ﷺ على خِلقته وله ست مئة جناح قد سد الأفق؟ فالجواب: بلى، لكن هذا لا ينافي أن يكونوا عالمًا غيبيًّا في الأصل، يعني قد يُظهِرهم الله سبحانه وتعالى فيراهم الناس، وقد يتشكلون أيضًا، يكون الملَك بصورة الآدمي كما جاء جبريل مرة بصورة رجل غريب لكنه لا يُرى عليه أثر السفر، وجاء مرة بصورة دحية الكلبي، فهم قد يتشكلون بصور الآدمي، هذا التشكُّل هل هو بإرادتهم أو من الله عز وجل؟ السؤال عن هذا بدعة، يعني هل لنا مصلحة أن نعرف أن جبريل يُحَوِّل نفسه إلى صورة آدمي، أو أن الله يقلبه إلى صورة آدمي؟ ما لنا مصلحة، لكن نعلم أنه لم يقع ذلك إلا بإرادة الله سواء كان بفعل اختياري من جبريل، أو بفعل خلقي من الله عز وجل، نحن ليس لنا حق أن نسأل عن ذلك، كل أمور الغيب لا تسأل عنها، أجرها على ما جاءت؛ لأنه سبقك من هو أحرص منك على العلم، وأقوى منك إيمانًا، وباشر من يستطيع الجواب والرد، مَنْ هم؟ * الطلبة: الصحابة. * الشيخ: ومع ذلك ما سألوا، إذا لم يسعك ما وسع الصحابة فلا وسَّع الله عليك؛ ولهذا يجب أن نقول لبعض الشباب الآن الذين يبحثون في أسماء الله وصفاته ويتعمقون يجب أن ننهاهم ونقول: اتقوا الله، آمنِوا بالقرآن والسُّنَّة على ما جاء في الكتاب والسنة ولا تبحثوا، سبقكم من هو خير منكم وأحرص على العلم ما سألوا، ثم هم إذا سألوا يسألون مَنْ؟ الرسول الذي قد ينزل عليه الوحي ويخبره الله عز وجل بما سألوا عنه، أما تسأل إنسانًا يخطئ ويصيب وأنت وهو سواء في علم الغيب، فهذا من الغلط والسفه، ومن مخالفة جادة السلف، وما أحسن ما قال مالك رحمه الله للذي سأله عن كيفية الاستواء قال: (والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا). فنصيحتي لكم إذا أردتم السلامة أن تدَعوا السؤال عن الأمور الغيبية، اتركوه، وإلا هذا يرد على الإنسان؛ يعني قصدي أنه هل الملك يستطيع أن ينقلب إلى صورة آدمي، أو أن هذا بأمر الله عز وجل؛ بمعنى أنه ما يستطيع لكن الله يقلبه؟ نقول: يرد هذا السؤال ولكن ما هو الطريق السليم في الجواب عليه؟ أجيبوا. * طلبة: السؤال عنه بدعة. * الشيخ: أن نقول: السؤال عن هذا بدعة في دين الله، ما سأل عنه من هو خير منك، دَعْه. الملائكة هل هم أجسام؟ الجواب: نعم، لا شك، قال الله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر ١]. وأما من قال: إن الملائكة كناية عن قوى الخير والشياطين كناية عن قوى الشر فهذا يعني إنكار الملائكة والشياطين، بل نقول: الملائكة أجسام ذوو أجنحة، الشياطين أجسام تأكل وتشرب، قال الله تعالى: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء ٦٤] أعاذنا الله وإياكم من الشيطان. المهم أننا نؤمن بأن الملائكة أجسام وأن الشياطين أجسام، لكن هل نعرف كيفيتهم؟ لا نعرف إلا ما علمنا الله، ما علَّمنا الله نعرفه وما لا فلا نعرفه؛ لأنهم عالم غيبي، قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى ٥] أي: ملابسين للحمد. أفادنا المؤلف بقوله: أي مُلابسين للحمد أن الباء هنا للملابسة والمصاحبة، ومعنى (يُسبِّح) أي يُنزِّه، ومعنى (بِحمد) أي تسبيحًا مصبوبًا بالحمد؛ لأن التسبيح تنزيه وتخلية، والحمد بالعكس إثبات، فيجتمع في هذا إذا قلت: سبحان الله وبحمده؛ يجتمع في هذا تنزيه الله عن كل نقص وإثبات كل كمال له، من أين أخذنا إثبات الكمال؟ من الحمد، والتنزيه من التسبيح. ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ ورب هنا بمعنى: خالق مالك مدبر. ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾ المفعول محذوف للعلم به، من هو المستَغْفَر؟ الله، ويستغفرون الله، والاستغفار طلب المغفرة؛ لأن (استفعل) تأتي دائمًا وغالبًا بمعنى الطلب، تقول: استسقى بمعنى طلب السُّقْيا، استغفر بمعنى طلب المغفرة، استرحم بمعنى طلب الرحمة، وما أشبه ذلك، وقد تأتي لغير ذلك كما في قولك: استكبر، ما فيها طلب استكبار، لكنه بلغ في الكِبْر غايته. ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: يطلبون المغفرة من الله، فما هي المغفرة؟ المغفرة قالوا: إنها مشتقة من (الْمِغْفَر)، المغفر شيء يجعله المقاتل على رأسه، يغطي الرأس، ويقيه السهام، ففيه ستْر ووقاية، فإذا قلت: أستغفر الله، أو رب اغفر لي فأنت تطلب شيئين: الشيء الأول: الستر؛ ستر عيوبك عن الناس، لو علم الناس ما عندك من الذنوب ما ردوا عليك السلام كما قال القحطاني رحمه الله: ؎وَاللَّهِ لَوْ عَلِمُوا خَبِيءَ سَرِيرَتِي ∗∗∗ لَأَبَى السَّلَامَ عَلَيَّ مَنْيَلْقَانِي فأنت تسأل الله أن يستر عليك؛ الثاني: تسأل الله الوقاية من الذنب، وقاية أيش؟ العذاب، كل مذنب مستحق للعقاب، إذن لو قال الإنسان: المغفرة عدم المؤاخذة على الذنب، لو قال هكذا، نقول: هذا بعض معناها، معناها ستر الذنب وعدم المؤاخذة عليه. وقوله: ﴿لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ (مَنْ) هنا اسم موصول يفيد العموم، فهل هو عام؟ لا، هذا عام يراد به الخاص بدليل قوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ [غافر ٧]. إذن (مَنْ) هنا عام يُراد به الخصوص. لو قال قائل: إنه عام خُصِّص؟ قلنا: لا، لأنه لم يرد للعموم من الأصل، إنما أريد الخصوص، الذين آمنوا، ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى ٥]؛ ولهذا قال المؤلف: (من المؤمنين). ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الشورى ٥] ﴿أَلَا﴾ أداة استفتاح تُبتدأ بها الجملة، وتفيد شيئين: الأول: التنبيه، والثاني: التوكيد، وننظر ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿إِنَّ﴾ حرف توكيد. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل، وضمير الفصل يفيد التوكيد، وحينئذٍ يحق لنا أن نقول: إن هذه الجملة أُكِّدت بثلاثة مؤكدات: ألا، وإن، وهو، الذي هو ضمير الفصل ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾؛ ولذلك طلبت الملائكة منه المغفرة؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل لذلك كما قال: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر ٥٦] ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الشورى ٥]، فبمغفرتي تزول المكروهات، وبرحمتي تحصل المحبوبات، غفر الله لنا ولكم. قال الله تبارك وتعالى: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ [الشورى ٥] إلى آخره في هذه الآية الكريمة بيان عظمة الله عز وجل، وأن هذه السماوات على شدتها وقوتها تكاد تتفطر من عظمة الله، وهذا كقوله لما سأل موسى أن يرى ربه قال: ﴿لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف ١٤٣] بل إن كلام الله عز وجل -وهو كلامه- لو نزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله. * ففي هذه الآية: بيان عظمة الله عز وجل. * وفيها، من فوائدها أيضًا: بيان علو الله عز وجل الذاتي؛ لقوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾. * ومن فوائدها: إثبات الملائكة؛ لقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى ٥]. ويجب علينا أن نؤمن بالملائكة على أنهم عالم غيبي، وأن لهم أجسادًا، وأن لهم أجنحة كما قال الله تبارك وتعالى. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: كمال عبادة الملائكة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ فيجمعون له بين التنزيه والتمجيد؛ التنزيه في قوله: ﴿يُسَبِّحُونَ﴾، التمجيد في قوله: ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الملائكة أفضل من بني آدم؛ لأن بني آدم ليست حالهم هذه؛ أي التسبيح بحمد الله، بل منهم مؤمن ومنهم كافر، فيكون الملائكة أفضل من بني آدم، وهذا هو أحد الأقوال في هذه المسألة، ومن العلماء من يقول: بل صالحو البشر أفضل؛ يعني أن المؤمنين من البشر أفضل من المؤمنين من الملائكة؛ ولهذا كانت الملائكة مسخرة لهم، وهذا القول هو الذي نص عليه الإمام أحمد: أن صالحي البشر أفضل من الملائكة؛ لأن الملائكة خُلقوا للعبادة فليس عندهم صوارف تصرفهم عن عبادة الله، والبشر خُلِقوا للعبادة لا شك، لكن هناك صوارف تصرفهم وهي الشبهات والشهوات. ومن المعلوم أن تحقيق الإيمان مع الصوارف أشد معاناة ومجاهدة من تحقيق الإيمان مع عدم الصوارف؛ ولهذا كان الرجل المتمسك بدين الله في آخر الزمان أفضل من خمسين من الصحابة، كما قال النبي ﷺ: «لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ»[[أخرج أبو داود (٤٣٤١) بسنده عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله»، وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: «أجر خمسين منكم».]]. وإنما كان كذلك لمشقة العبادة على هذا الذي بين أمة فاسدة. واختار شيخ الإسلام رحمه الله التفصيل في ذلك فقال: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار كمال النهاية. لأن البشر في النهاية يدخلون الجنة، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم، كأنما خُلقوا لتهنئتهم وتطمينهم، فيكون في هذا تفصيل: الملائكة أفضل باعتبار البداية؛ لأنهم خُلقوا من نور وبنو آدم من طين؛ ولأنهم في عبادة الله عز وجل، لكنهم باعتبار النهاية البشر أفضل. وبعد هذا فإن الخوض في ذلك ليس من الأمور المهمة؛ لأننا قد نقول: ما علمنا من فضائلهم وفضائل البشر نؤمن به، وأما التفضيل عند الله فهم درجات عند الله والله بصير بما يعملون، ما ندري، باعتبار ما يظهر لنا نعطي كل إنسان ما تميز به، وباعتبار ما عند الله، الله عليم به، ولسنا مؤاخَذين فيما إذا توقفنا في هذا الأمر. * ومن فوائد هذه الآية: فضيلة الجمْع بين التسبيح والتحميد؛ لقوله: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾. وقد ثبت عن النبي ﷺ قوله: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٦٣)، ومسلم (٢٦٩٤/٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. فما أجدرنا أن تكون هاتان الكلمتان على ألسنتنا دائمًا؛ لأنهما خفيفتان على اللسان، ما فيهما تعب، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، فماذا علينا لو كان الإنسان يديم هذا القول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وهو يشتغل، وهو يعمل، وهو يمشي، وهو مضطجع، وهو قاعد؛ لحصلنا خيرًا كثيرًا، ولوصلنا بإذن الله عز وجل إلى محبة الله لنا؛ لأن ما دمنا نأتي ونلازم ما يحبه فهو أكرم منا عز وجل. * ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الملائكة مربوبون، ليس لهم حق من الربوبية؛ لقوله: ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾. وعلى هذا فمن دعا جبريل، أو ميكائيل، أو إسرافيل، أو مالك، أو غير ذلك فإنه كافر مشرِك بالله؛ ولهذا أهل النار لم يقولوا: يا مالك، أخرجنا من النار، ولكنهم قالوا كما قال الله عنهم: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩]. انظر إلى الحياء والخجل والعياذ بالله، لم يقولوا: ادعوا ربنا، بل قالوا: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩]؛ لأنهم أحقر في أنفسهم من أن يدعوا الله عز وجل فيقولون: يا ربنا، خفِّف عنا يومًا من العذاب. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضْل الملائكة على البشر؛ بمعنى أن لهم مِنَّة ونعمة؛ لقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ ولا شك أن من استغفر لك فله عليك مِنَّة وفضل. * ومن فوائدها: نِعمة الله علينا بأن سخر لنا الملائكة يستغفرون لنا؛ لأن الملائكة لولا أن الله سخرهم لنا ما استغفروا لنا لكن الله سخرهم، ففيه فضْل ونِعمة من الله سبحانه وتعالى على المؤمنين؛ حيث إن الملائكة يستغفرون لهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: التوكيد على أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، بكم مؤكد؟ بثلاثة مؤكدات: ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. * ومن فوائدها: إثبات ثلاثة أسماء من أسماء الله، وهي الله، الغفور، الرحيم، وهل أسماء الله تعالى مشتقة؟ الجواب: نعم، مشتقة بلا شك، الله من الألوهية، الغفور من المغفرة، الرحيم من الرحمة، فهو لم يُسمَّ بهذه الأسماء إلا وهو متصف بما دلت عليه من صفات؛ ولهذا نقول: كل اسم من أسماء الله فهو متضمن لصفة، أو صفتين، أو أكثر، حسب ما تدل عليه هذه الأسماء من المطابقة والتضمن والالتزام. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أننا إذا علمنا أن الله غفور رحيم، فجدير بنا أنه نسأله المغفرة والرحمة؛ لأنه أهْل لذلك، فيكون في هذا تربية للإنسان وسلوكه في وصوله إلى الله عز وجل، أن يعلم بأنه غفور فيستغفر، وأنه رحيم فيسترحم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن فيها حثًّا للإنسان على ترْك الذنوب، وعلى فِعْل الطاعات، وجْه ذلك أن المغفرة تحتاج إلى عمل صالح، إلى توبة يغفر الله بها الذنب، والرحمة تحتاج إلى طاعات يتوصل بها الإنسان إلى رحمة الله عز وجل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان الحكمة في حُكْم الله الكوني القدري؛ لأن قوله: ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ كالتعليل؛ لقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾. كأن قائلًا يقول: لماذا يستغفرون لمن في الأرض؟ قال: لأن الله هو الغفور الرحيم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأسماء الحسنى تكون كاملة بانفرادها واجتماعها؛ لأنه لما جمع بين الغفور والرحيم تولد منهما صفة ثالثة غير المغفرة والرحمة، وهي اجتماع هذين الاسمين الدالين على الوصف في حق الله عز وجل، فبالمغفرة تمحو الذنوب وفي الرحمة يحصل المطلوب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فيما سبق ذكر المؤلف قراءتين في قوله: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ﴾؟ * الطالب: ﴿تَكَادُ﴾ و﴿يَكَادُ﴾ . * الشيخ: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ﴾ مؤنث، ولا إشكال فيه لكن (يكاد) كيف جاء مذكرًا و﴿السَّمَاوَاتُ﴾ جمع؟ * الطالب: مجازي التأنيث. * الشيخ: نعم، ومجازي التأنيث يجوز تذكير فعله وتأنيثه، بارك الله فيك. ذكر في الآية: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ﴾ ذكر قراءتين في ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾؟ ﴿يَنْفَطِرْنَ﴾ و﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾. قوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ لماذا تكاد تتفطر؟ من عظمة الله؛ هل هذا علو الله؟ يفيد علو الله. قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ ماذا تقول؟ هل هي على عمومها أم ماذا؟ * طالب: للإنسان. * الشيخ: الإنسان فقط، يعني وأما الذئاب والسباع فلا يُغفر له! * الطالب: خاصة بالمؤمنين. * الشيخ: ما هو الدليل على خصوصها بالمؤمنين؟ في آية أخرى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر ٧]. ماذا يسمى هذا النوع من العموم؟ العام الذي أريد به الخصوص. هل تستطيع أن تأتي لنا بمثال واضح؟ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣] ما المراد بـ(الناس) في الموضعين؟ * الطالب: أبو سفيان وأصحابه. * الشيخ: والأولى يُراد بها من أخبر النبي ﷺ وهو نعيم ابن مسعود الثقفي أو غيره، المهم من أخبر النبي ﷺ. ما الفرق بين العام الذي أُريد به الخصوص وبين العام المخصوص؟ * الطالب: العام الذي أُريد به الخصوص هو من أصله مخصوص، بخلاف العام الذي خص فإنه يكون عامًّا في الأول، ثم يرد عليه التخصيص. * الشيخ: أحسنت، العام الذي أريد به الخصوص لم يكن العموم مرادًا به من أول، إنما يراد به شيء خاص، وأما العام المخصوص فهذا عام أريد به عمومه، ثم أُخرج منه بعض الأفراد فخُصِّص، واضح، دليل العام الذي أُريد به الخصوص عقلي، بمعنى أنه لا يمكن أن يراد به العموم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب