الباحث القرآني
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
بَنُو غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الْخَزَفُ
هذه (إن) زائدة؛ لأنها لو حذفت لاستقام الكلام، لو قيل: بنو غدانة ما أنتم ذهب استقام الكلام، فهي زائدة.«هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌدَمِيتِ» ∗∗∗ «وَفِي سَبِــــيلِ اللهِ مَالَقِيتِ»(١)
قال المفسر: (وهذا قبل الأمر بالجهاد) إذن فالآية على كلام المؤلف منسوخة، والمؤلف ونحوه دائمًا إذا أتى مثل هذه الآية يقول: هذه منسوخة، وهذا غلط؛ لأن النسخ ليس بالأمر الهين، ادعاء النسخ يعني أن المنسوخ باطل حكمًا زائل، وهذا صعب أن ترفع حكم آية أو حديث لمجرد وهم توهمته. لذلك لا يجوز للإنسان أن يسلك هذا المسلك المشين، أنه إذا عجز عن الجمع بين الآيات ذهب يقول: إنها منسوخة، النسخ يحتاج إلى العلم بتأخر الناسخ، ويحتاج أيضًا إلى تعذر إمكان الجمع، فإن أمكن الجمع فلا نسخ، هل قوله: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ هل هو منسوخ؟ أبدًا، إلى آخر رمق من حياة النبي ﷺ، وهو عليه البلاغ، فلم ينسخ، والبلاغ لا ينافي أن يكون معه جهاد، ولكن من حكمة الله عز وجل أن الله لم يفرض الجهاد إلا حين قويت الأمة الإسلامية، لم يفرض الجهاد في مكة، وإنما فرضه في المدينة حين صار للأمة الإسلامية دولة مستقلة تستطيع أن تجاهد، فهذا من الحكمة، ويعبر عنه أنه من باب التدرج في التشريع، ومن باب الحكمة في التشريع.
إذن نقول: إن قول المؤلف عفا الله عنه وغفر له: (إن هذا قبل الأمر بالجهاد) خطأ عظيم، نقول: البلاغ واجب عليه حتى بعد الأمر بالجهاد، ولا يتنافيان، لا ينافي أن يكون عليه البلاغ وأن يكون مأمورًا بالجهاد.
﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ (نعمة كالغنى والصحة ﴿فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ﴾ الضمير للإنسان باعتبار الجنس ﴿سَيِّئَةٌ﴾ بلاء ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: قدموه، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها ﴿فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ﴾ للنعمة).
﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا﴾ معلوم أن الله تعالى واحد، فلماذا قال: ﴿إِنَّا﴾؟ نقول: للتعظيم لإظهار العظمة والسلطة وقوة الملك، ﴿إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ [الشورى ٤٨] يعني أوصلناها إليه حتى كأنها طعام ذاقه لا يشك فيه. وقوله: ﴿مِنَّا﴾ لأن كل نعمة بنا فإنها من الله؛ كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ٥٣].
﴿مِنَّا رَحْمَةً﴾ يقول: (نعمة، كالغنى والصحة)، والمثال هنا لا يعني الحصر لكنه مثال، الغنى نعمة، الصحة نعمة، الأولاد نعمة، الأمن نعمة، نعم الله لا تحصى كما قال عز وجل: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم ٣٤]. إذن ما ذكره المؤلف على سبيل التمثيل، والتمثيل لا يعطي الحصر.
وقوله: ﴿فَرِحَ بِهَا﴾ المراد بذلك فرح البطر والأشر، لا الفرح بالنعمة مع اعتقاد أنها من عند الله؛ فإن هذا مأمور به؛ أن يفرح الإنسان بنعم الله؛ وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ»(٢). ومن آثار النعمة الفرح، الإنسان إذا رزقه الله مالًا فرح، إذا عافاه الله بعد المرض فرح، إذا تزوج فرح، إذا وُلد له فرح، ولكن الفرح نوعان: فرح أشر وبطر فهذا مذموم، وفرح بنعمة الله تعالى مع التزام شريعته فهذا ممدوح ولا بأس به.
ولا ينبغي أن يكون الإنسان كالحمار لا يفرح بنعمة ولا يتألم بنقمة، بل يجب أن يكون الإنسان إنسانًا منفعلًا مع الحوادث، يفرح في موضع الفرح ويغتم في موضع الاغتمام.
﴿فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ يقول المؤلف: (الضمير للإنسان باعتبار الجنس) أزال بذلك إشكالًا، وهو أن الآية: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾، والإنسان واحد ولَّا جماعة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: واحد، كيف يقول: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ﴾ فيعيد الضمير عليه جمعًا؟
* طالب: المراد بالإنسان الجنس.
* الشيخ: نعم، أجاب عنه المؤلف بأن المراد بالإنسان الجنس، فيشمل كل إنسان، ويصح أن يقول: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ ضد رحمة، ولهذا فسرها المؤلف بالبلاء، ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: بما قدموا من أيش؟ من المعاصي، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاوَل بها، لو أنك فكرت أيما أكثر عملًا الأيدي أو الأرجل؟
* طلبة: الأيدي.
* الشيخ: تأملوا يا جماعة، طيب مشيك من بيتك إلى المسجد كم خطوة؟ كم حركة؟ طلبة: (...).
* الشيخ: والرجل ما تتحرك؟ لو ما تحركت الرجل ما مشيت؟ فيقال: إن حركة الرجل في جنس واحد وهو المشي، لكن حركة اليد ما أكثر أنواعها فضلًا عن أفرادها، فالأعمال حقيقة إنما تزاول باليد؛ لأنها أكثر من أي عضو في البدن مزاولة للأعمال، حتى لو قال قائل: اللسان أكثر من اليد، من يحصي كلمات اللسان؟ نجيب عن هذا بما أجبنا عن المشي، بأنها من جنس واحد، لكن اليد تبطش، تضرب، تكتب، تمحو، يعني ما تحصى أنواعها، فلذلك عبر بالأيدي عن النفس.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١]، انتبه لهذا ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾، المراد؟ أجيبوا؟ المراد مما عملنا، لكن اللغة العربية واسعة تعبر بالأيدي عن النفس، ومن ثم نعلم أنه لا سواء بين خلق آدم بيد الله وبين عمل أيدي الله سبحانه وتعالى في الإبل ونحوها.
قال: ﴿فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ﴾ شوف أعاد الإفراد بعد أن جاء الجمع ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ هذا ابتدأها بالمفرد ﴿فَإِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ ختمها بالمفرد من أجل أن يشمل الإنسان مجتمعًا أو منفردًا، فهذه حالة، ولكن من المراد بالإنسان هنا؟ الظاهر والله أعلم أن المراد بذلك الكافر؛ لأنه هو الذي ينطبق عليه فرح البطر والأشر والكفر إذا أصيب بسوء.
في هذه الآية فوائد:
* منها: تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما أعرضوا عن إجابته؛ لقوله: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.
* ومن فوائد الآية: أنها تسلية للدعاة من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أن الداعي عليه البلاغ، وليس عليه أن يهدي الناس ولا يمكنه ذلك، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بأنه رأى النبي وليس معه أحد(٣) فكيف نغضب إذا دعونا إلى الله ولم يستجب لنا أحد؟ إذا كان الأنبياء وهم الأنبياء لا يستجاب لهم كيف بنا نحن؟
ولهذا نرى بعض الدعاة إذا لم يجد مجيبًا استحسر وترك الدعوة، هذا غلط، لا يجوز أبدًا أن تيئس من رحمة الله، ادعُ ثم ادعُ ثم ادعُ حتى لو أُوذيت بدل أن يستجاب لك فلا تيئس.
إذن في هذه الآية تسلية لمن؟ للدعاة إلى الله عز وجل، كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأنت إنما عليك البلاغ، وما أجلَّ أن تقوم بما عليك من البلاغ، أما أن الناس يهتدون فلا، هذه واحدة.
ثانيًا: بعض الناس يريد أن يهتدي الناس بين عشية وضحاها، وهذا غلط، هذا لا يمكن، خلاف سنة الله عز وجل، إن النبي ﷺ بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله، إلى التوحيد فقط، وفي الآخر إلى الصلاة، ومع ذلك لم يستجب أكثرهم، لم يستجب ملؤهم، حتى ألجئوه إلى أن يهاجر ويدع بلده، فكيف بك أنت تعيش في قوم أفسدهم الاستعمار العسكري والفكري والخلقي، تريد أن يهتدوا بين عشية وضحاها، من أنت حتى تريد خلاف سنة الله عز وجل؟ اصبر وبالتدريج، ولا حرج عليك فيما أرى أن تعامل الناس بالتدريج، لا حرج ما دام المقصود الإصلاح، فاصبر على بعض المعاصي ودرج الناس عليها، يعني مثلًا لو أن إنسانًا حذر الناس من شرب الدخان الذي ابتُلي به كثير من الناس، فقال له الشارب: أنا ما أستطيع، قال: ما فيه مانع، كل يوم اشرب عشرة لمدة أسبوع، ثم ثماني لمدة أسبوع، حتى يتقاصر إلى آخر النهاية، هل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز؛ لأني الآن لم أقره على شرب الدخان، أقررته على بعض المفسدة من أجل أن أتوصل إلى زوال المفسدة نهائيًّا، وهذا من العلاج ومن الدعوة بالحكمة، وهذا كما أنه في الأمراض المعنوية الدينية فهو أيضًا في الأمراض البدنية، الطبيب يعالج المريض شيئًا فشيئًا، ويصبر على ما به من مرض شيئًا فشيئًا، ولا يعطيه الدواء كاملًا للحظة واحدة كما فعل البدوي لما أعطوه نوفالجين وقالوا: خذ هذا كل ست ساعات واحدة، فاستبطأ الأمر وقال: هذا أبغي أخليه كل ست ساعات واحدة! أبلع الجميع، فبلع الجميع فقضي عليه، استعجل الأمر وهلك، اصبر عالج الشيء بالتي هي أحسن. المهم أن تكون عازمًا على إزالة هذا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس حفيظًا على الأمة؛ لا في حياته ولا بعد مماته. وعلى هذا فلا يُستغاث به بعد موته ولا تطلب منه الهداية، وإنما الهداية من عند الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الإبلاغ، ولم يبين الله تعالى الوسيلة للإبلاغ، فنقول: كل وسيلة للإبلاغ فهي واجبة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فيما سبق الإبلاغ محصور يبلغ الإنسان أهل بلده ومن يفد إليها من الناس، الآن يمكنه أن يبلغ العالم كله، وحينئذ نسأل لو أن شخصًا أمكنه أن يجعل له صفحة في الإنترنت أيجوز أن يفعل؟
* طلبة: يجوز.
* الشيخ: يجوز؟ إنترنت فيه أغان، فيها بلاوي (...).
* طالب: لا، دخل له في ذلك.
* الشيخ: لا، دخل له في ذلك؟
* الطالب: ينشر له الخير.
* الشيخ: طيب، إذا صار قبله غنية وبعده غنية؟
* الطالب: لا يضره عمل عامل.
* الشيخ: لا يضره عمل عامل، عجيب، لو أن اللي قبله أغنية يفتتح بالأغاني ويختتم بالأغاني؟
* الطالب: ليس له..
* الشيخ: ليس له ذلك، إذا لا يبلغ؟
* الطالب: لا، يبلغ.
* الشيخ: يبلغ حتى لو قبله أغنية وبعده أغنية؟ ما تقولون في قوله؟ صحيح لأن الأغنية قبل وبعد ليست من فعله، هذا من فعل من يتصرف بهذه المحطة، لكن لا يجوز أن نترك الدعوة إلى الحق؛ لأن في هذه الإذاعة مثلًا أو المحطة لأن فيها سيئة، هذا غير صحيح ونظرية قاصرة، زاحم أهل الباطل حتى يتبين الحق، ولا يضرك إذا دخلوا فيها أشياء منكرة.
بعض الناس مثلًا يقول لنا أو لغيرنا: لا تدخلوا إنترنت، لا تدخلوا فيها، كيف تدخلون فيها وفيها الأغاني وفيها البلاء ما يصير هذا، أيهما أولى أن ندخل في هذا المضمار لعل الله أن يهدي بنا واحدًا من الناس أو أن ندع المجال لأهل الشر؟
* طلبة: الأول.
* الشيخ: الأول بلا شك، الأول أحسن.
ومثل ذلك ما يقال في الانتخابات، إذا كان البلد مبنيًّا على الانتخابات، يقول بعض الناس: لا تنتخب، يا جماعة ما أرشح واحدًا من أهل الخير؟ قال: لا؛ لأن الانتخابات فيها بلاء، فيها رشاوٍ، فيها أهواء، إذا كان فيها رشاوٍ وأهواء أنا لن أدخل في الرشاوي والأهواء ولكن أدخل في ترشيح رجل أعرف أن فيه خيرًا، قالوا: إذا رشحت واحدًا يجيء مئة فاسق، طيب إذا كان مِئة فاسق ليس معه مستقيم أو مِئة فاسق معهم مستقيم؟ الثاني أحسن، وإذا قالوا: إن هذا لا يجدي ولا ينفع واحد في المِئة ما فيه فائدة، نقول: لا بد أن يكون فيه فائدة، إذا أخلص النية لله لا بد أن يؤثر؛ لأن الكلمة لله ليست تؤثر لأن فلانًا تكلم بها، لكن تؤثر لأنها كلمة الله. واسمع إلى قول الله تعالى: ﴿جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾ وبعده؟ وَكلمةَ الله ﴿هِيَ الْعُلْيَا﴾ [التوبة ٤٠] ولا: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾؟ بالرفع؛ لأنه لو قال: وكلمةَ الله دخلت في المفعول به، يعني وجعل كلمة الله، وكلمة الله هي العليا بجعله وبغير جعله. ولهذا تبين الآن أن قوله: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ لها موقع عظيم جدًّا، يعني أن كلمة الله هي العليا مهما جاءت هي العليا.
ولا يخفى عليكم ما يتكرر في قصة موسى مع السحرة وفرعون، لما اجتمعوا وكان موسى واثقًا بنصر الله عز وجل، ولهذا لما قالوا: اجعل لنا موعدًا، جعل لهم موعدًا في وسط الليل في حجرة مظلمة؟ لا، متى؟ في وضح النهار، وفي يوم الزينة يوم العيد: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه ٥٩] شيء عجيب، جاء السحرة وجمع فرعون كيده: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [طه ٦٤] فقال موسى كلمة واحدة، قال: ﴿وَيْلَكُمْ﴾ كمل؟
* طالب: ﴿لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه ٦١].
* الشيخ: ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه ٦١]، ما الذي حصل من هذه الكلمة؟ ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ [طه ٦٢] في الحال، الفاء تدل على الترتيب والتعقيب والسببية: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ وإذا تنازع الناس فلا تحدث عن الفشل، حدث ما شئت ولا حرج: ﴿تَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ ففشلوا، وفي النهاية أن هؤلاء السحرة الذين جاءوا يكيدون لموسى صاروا مع موسى وهددوا بالقتل والصلب ولكن أبوا، قالوا لفرعون: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ مثلما نقول نحن: سوِّ الذي تريد ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه ٧٢] الله أكبر، الله أكبر، الإيمان إذا دخل القلب فلا تسأل عن الحزم والعزم والقوة ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ والذي لا يموت اليوم يموت غدًا.
فالمهم أني أقول: إن بعض الناس إذا رأى الموقف غلب فيه الشر استحسر وتخلى، وهذا غلط، خُض غمار القوم والنصر للحق، أنا ما دخلت مع هؤلاء لأوافقهم على باطلهم، سأدافع عن الحق الذي أعتقده مهما أمكن، ثم إنه من الحكمة أن يفتَّت القوم المجتمعون، يفتتون يعني يؤخذون واحدًا واحدًا، ويتكلم مع كل واحد، ويقال: يا فلان، أيش فائدتك من هذا؟ هذا إثم عليك، هذا سوء في الدنيا والآخرة، كما فعلت قريش في نقض الصحيفة الذين تعاهدوا فيها على مقاطعة بني هاشم، والقصة مشهورة صار أحد المعارضين لهذه الصحيفة يأتي كبراءهم، الكبراء الذين وقعوا، ويأتيهم على واحد واحد ويقول كذا وكذا حتى تفتتوا، وهذه من السياسة لأنك إذا فتت المجتمعين أيش؟ زالت قوتهم وزال سلطانهم، وحصلت على الخير.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم: إذا أصابته رحمة من الله فرح بها فرح أشر وبطر.
وقسم آخر: إذا أصابته رحمة الله تعالى فإنه يستعملها في طاعة الله، وهذا يستفاد من غير هذه الآية.
* ومنها: التحذير من الفرح بنعمة الله إذا كان فرح أشر وبطر، وأما إذا كان فرح استبشار وسرور وقيام بطاعة الله فإنه يمدَح، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما يصيب الإنسان من سيئة فإنما هو بسبب عمله؛ لقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: التعبير بالبعض عن الكل إذا كان لهذا البعض تأثير كبير؛ لقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن الإنسان من حيث هو إنسان إذا أصابته السيئة كفر، بمعنى أيس من رحمة الله تعالى أن يصرف عنه هذه السيئة، وأما المؤمن فإنه لا ييئس، بل يصبر وينتظر الفرج إيمانًا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(٤).
* طالب: (...).
* الشيخ: ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قومًا أتوا إليه واشترطوا ألا يصلوا الصلوات الخمس، فوافقهم على هذا وقال: «إِنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا صَلَّوْا».
* طالب: بعض الناس يعتذر عن صلاة جميع الصلوات الخمس.
* الشيخ: يعتذر عنه أيش؟
* الطالب: عن فعلها يعني.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: فهل يخرج من دائرة الكفر بأن يقال له: صل أربع صلوات.
* الشيخ: ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قومًا أتوا إليه واشترطوا ألا يصلوا الصلوات الخمس، فوافقهم على هذا وقال: إنهم إذا أسلموا صلوا.
* طالب: بعض من يكتب في الدعوة يقسم يا شيخ المجتمعات إلى أقسام؛ يقول: المجتمع المكي والمجتمع المدني، المجتمع الحبشي، وينزل على كل مجتمع آيات نزلت في الصحابة في ذاك الظرف (...) لهم سلطة ودولة.
* الشيخ: هو لا شك هذا ما هو (...) حبشيين أو مكيين أو مدنيين، هذه قاعدة عامة، يعني تنزل الآيات التي نزلت مثلًا في مكة على من كان مثل أهل مكة كما نزلت فيهم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
* طالب: ﴿فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ﴾ [الشورى ٤٨]؟
* الشيخ: هذه ما هي صيغة مبالغة، هذه صفة مشبهة، يعني يكون من صفته الكفر.
* طالب: أحسن الله إليك، قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا إِذَا﴾ من يقول (...) ضمير المتكلم إذا كان الله سبحانه هو المتكلم به جمعًا كان هذا من متشابه القرآن، ويرد إلى المحكم هل هذا صحيح يا شيخ؟
* الشيخ: هذا ما قاله إلا النصارى، تعرف النصارى؟ يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، الدليل؟ قال: هذا القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر ٩]، ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [يس ١٢]، فجمع الله تعالى الضمير في الآيات الشرعية: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر ٩]، وفي الآيات الكونية: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [يس ١٢] إذن الله متعدد، وهو لا شبهة فيه عند المسلمين إطلاقًا، المراد التعظيم وإظهار العظمة والسلطان والقوة والقدرة (...).