الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٦] (أي: غيره يدفع عقابه عنهم) ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ﴾ أي: للظالمين ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، (من) زائدة إعرابًا، وهي للتوكيد، ﴿أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ﴾ يعني ليس لهم من يتولاهم وينصرهم من دون الله، أي: من عذابه، و(دون) هنا بمعنى (غير) كما فسرها المؤلف رحمه الله تعالى؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يدفع عذاب الله عمن أراد الله أن يعذبه أبدًا، ولا ينصروه منه، في الدنيا لو أراد ظالم أن يظلم أحدًا أمكن أن يدفعه، لكن عقوبة الله لا يمكن أحدًا أن يدفعها. قال: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾، ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ جملة شرطية، وهي كما سبق جوابها مقرون بالفاء؛ لأنه اتصل به (ما)، ﴿فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي (طريق إلى الحق في الدنيا وإلى الجنة في الآخرة)، بل يكون أعمى والعياذ بالله، ليس له سبيل إلى الحق، ولذلك تجد الذين قضى الله بإضلالهم يقدم لهم الحق كالمشمس في رابعة النهار ولكن لا يفهمونه، قد حيل بينهم وبينه، واسمع إلى قول الله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المطففين ١٣]، قال الله عز وجل: ﴿كَلَّا﴾ يعني ليست أساطير الأولين ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤]، الذنوب جعلته يرى الحق باطلًا ويرى الباطل حقًّا، تُتلَى عليه آيات الله كالقرآن أو التوراة حين لم تنسخ، ولكنه يقول: هذه أساطير الأولين، قد حيل بينه وبين فهمها، ولذلك كلما رأيت قلبك مطمئنًّا بالقرآن محبًّا له متدبرًا له فاعلم أنه نُقي من الذنوب، وكلما وجدت الأمر بالعكس فطهر القلب. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الظالمين لا أحد ينصرهم من دون الله؛ لأنهم استحقوا العذاب، ولا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع. * ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الإضلال بيد الله، وأن من أضله الله لا يمكن أن يرجع للحق؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى ٤٦]. * ومنها: أنه يجب على المرء أن يلجأ إلى الله دائمًا ويسأل الله الهداية، وها هو النبي ﷺ يسأل ربه أن يهديه، أول ما يدعو في صلاة الليل يدعو بالاستفتاح المشهور: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[[أخرجه مسلم (٧٧٠ / ٢٠٠) من حديث عائشة.]] شوف يقول: «اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ» فكيف بنا. فالمهم أنه يؤخذ من الآية أن يرجع الإنسان في طلب الهداية إلى الله تعالى وحده وأن يعيذه من الضلال. * طالب: (...) نذكر بعض الآيات إذا جاءت صفة كاشفة نقول: تفيد التعليل (...)؟ * الشيخ: الصفة الكاشفة هذه معناها أنها كالتعليل لما سبق، وأيضا ليس لها مفهوم، وهذا هو المهم. * طالب: الاعتراف بالفضل للكفار في بعض الجوانب، المستشرقون ما فعلوه من بعض الأشياء من (...) وإن كانت (...). * الشيخ: لا، المستشرقون ترى ما هم بيعملون (...) المستشرق يجوب الأرض لينظر ويفكر ويقدر فنيته سيئة، أما نعم العمال فنعم، هم يطلبون المال بأي وسيلة. * طالب: (...) الآية ما. * الشيخ: كيف؟ * الطالب: (...). * الشيخ: لا، ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء ١٤٥] لا تدل على أن غيرهم لا يكون فيها، كما لو قلت مثلًا: فلان في بيت فلان، هل ينافي أن يكون أحد في هذا البيت؟ لا، ما ينافي. * طالب: أحسن الله إليك، قول النبي ﷺ: «لَوْلَا أَنَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]]، والنهي الوارد في (لو)؟ * الشيخ: النهي الوارد في (لو) فين؟ * الطالب: إي نعم، لما يقول الإنسان: لو، إن (لو) من عمل الشيطان. * الشيخ: هذه (لولا) (...). * الطالب: هل يجوز للإنسان أن يقول: لولا أنا. * الشيخ: (...) أن تقول: ما الجمع بين هذا الحديث وبين النهي عن (لو)، اسحب السؤال، ويجيء إن شاء الله الجواب. * الطالب: سحبناه. * الشيخ: سحبته؟ أقول: نسبة الشيء إلى سببه إذا كان سببًا صحيحًا لا بأس بها، فمثلًا لو أن رجلًا سقط في البحر فقام آخر فأنقذه يجوز أن يقول: لولا فلان لغرقت؛ لأنه نسبه إلى سبب معلوم، لكن لو قال: لولا فلان وهو مدفون في قبره، هل هذا سبب معلوم؟ إنسان غرق في الماء وقال: والله لولا الولي فلان سيدي لغرقت، يصح أو لا يصح؟ لا يصح، شرك. المهم خذ قاعدة: نسبة الشيء إلى سببه المعلوم يجوز، لكن لا يقرن مع الله بالواو، فإن قرن مع الله بالواو صار حرامًا، مثل أن يقول: لولا الله وفلان لغرقت، هذا ما يجوز، فنذكر لك الصور، إذا قال: لولا الله قيض لي فلانًا لغرقت، ما تقول؟ * الطالب: هذا يصح. * الشيخ: هذا يصح، وهو أعلى الأنواع؛ لأنه ذكر المسبب والسبب، إذا قال: لولا فلان لغرقت، هذا جائز؛ لأنه أضافه إلى سبب معلوم صحيح، إذا قال: لولا الله وفلان لغرقت، هذا لا يجوز؛ لأنه شرك بين الله وغيره بحرف يقتضي التسوية، إذا قال: لولا الله ثم فلان لغرقت يجوز ولَّا ما يجوز؟ يجوز، الصور كم؟ أربعة، إذا قال: لولا الله ففلان لغرقت، ففلان مثل الواو، ويش تقولون يا جماعة؟ هل الفاء مثل الواو؟ الفاء تقتضي الترتيب لكنها في الواقع في منزلة بين منزلتين، ليست كـ(ثم)؛ لأن (ثم) تدل على الترتيب والتراخي، وليست كالواو؛ لأن الواو تقتضي التسوية، فهي في منزلة بين المنزلتين، فهل نقول: إنها كـ(ثم)؛ لأنها دالة على الترتيب، أو إنها كالواو؛ لأن ترتيبها يقتضي التعقيب؟ الأول هو الصواب، يعني لولا الله ففلان، لأنك جعلت فلانًا بعد الله عز وجل، وكونه متراخيًا أو متعاقبًا هذا شيء آخر، بارك الله فيك. * الطالب: شيخ، يعني يشكل علينا يا شيخ في هذه المسألة ما نُقل عن ابن عباس أنه كان يقول: قول القائل: لولا الربان لغرقت السفينة، كان يعد هذا من الشرك الأصغر، فما وجهه يا شيخ؟ * الشيخ: وجهه أمران: أولًا: الحديث رواه ابن أبي حاتم فيحتاج إلى تصحيح، ثانيًا: أن ابن عباس رضي الله عنهما لعله في وقت الناس قريبون من الشرك، فأراد أن يشدد في هذا الأمر حتى ينتهي الناس عنه؛ لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَوْلَا أَنَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]] واضح أنه أضاف الشيء إلى سببه دون أن يقرنه بمشيئة الله (...).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب